الثلاثاء 16 ابريل 2024

القواتُ المسلحة وعبورٌ جديد لعصر ما بعد الإرهاب (1)

مقالات3-10-2022 | 15:31

تشير المعطيات الأولية حول تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء إلى وجود تنسيق بين التنظيمات الإرهابية محلية وإقليمية ودولية والتي تؤمن بالفكر المتطرف، وكانت البداية بظهور أول رسم جرافيتي تكفيري على جدران منازل مدينتيْ "رفح" و"الشيخ زويد"، وعليها توقيع "إمارة سيناء الإسلامية" في مارس 2011، وقد جاء اختيار هذه المناطق تحديداً نظراً لكونها مناطق جبلية، يسهل التدريب والتحرك والاختباء فيها، ومن ثم كانت مأوى مناسباً لهم، بالإضافة إلى تأثر سكان سيناء بأفكار سيد قطب التي أخذت طريقها بسهولة نحو القبائل البدوية.

وقد استطاعت التنظيمات الإرهابية في ظل الفوضى التي صاحبت ثورة يناير 2011 إقامة شبكة علاقات تجمع بين الجماعات الجهادية في مصر وخارجها، مثل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب" والتنظيمات الجهادية في سوريا وتنظيم الدولة في العراق والجماعة الإسلامية في ليبيا، وهو ما جعل مصر محاصرة بعشرات التنظيمات الجهادية من الشرق والغرب، حيث استطاعت هذه التنظيمات تهديد الأمن القومي المصري بعملياتِ عنفٍ وإرهاب طالت عناصر من ضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة في سيناء، ومواطنين وأقباط ومفكرين ومثقفين داخل القاهرة والمحافظات المحيطة بها.

ولم تأخذ التنظيمات الإرهابية في سيناء شكلًا تنظيميًّا واحدًا، حيث يتواجد على أرضها عددٌ كبير من الجماعات الجهادية مختلفة المسميات أشهرها "الجهاد والتوحيد" و"أنصار الجهاد"، و"السلفية الجهادية"، و"تنظيم الدولة"، و"جند الإسلام" و"أصحاب الرايات السوداء" و"تنظيم مجلس شورى المجاهدين"، و"أكناف بيت المقدس" و"حسم" و"لواء الثورة"، وإن كان أشدها خطورة "تنظيم ولاية سيناء" و"أنصار بيت المقدس" وهما يتبعان تنظيم الدولة "داعش"، والذي خرج من رحم تنظيم القاعدة بداية، حيث يجمع بينهما العنف المسلح، كما يغلب عليهما التشدد إلى درجة تكفير الحاكم والمجتمع وتصفية كل رأي مخالف لفكر التنظيم أو مناهض له .

وعلى الرغم من نجاح بعض العمليات التي قامت بها التنظيمات الإرهابية في سيناء أثناء ثورة يناير وحتى عام 2020، إلا أن تقارير المؤسسات الأمنية تؤكد نجاح خططها في إبطال أضعاف ما نفذته تلك التنظيمات خلال 2015، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية عام 2015 نحو 175 عملية، وهو ما يمثل نحو 29.7% من إجمالي ما تم رصده خلال تلك الفترة وهو نحو 416 عملاً إرهابياً، أي ما يمثل 70.3% ، وبالمقارنة بعام 2014، فقد كانت نسبة العمليات التي تم إبطالها 25.0%، مقابل 75.0% للعمليات التي تم تنفيذها، وهو ما يشير إلى حجم الجهود التي تبذلها المؤسسات الأمنية في التصدي لظاهرة الإرهاب، والحد من تنامي نشاطاتها في سيناء عاماً بعد آخر.

وقد صاحب اهتمام الدولة ضد الإرهاب تنظيم عديدٍ من اللقاءات والمؤتمرات للتصدي لظاهرة الإرهاب عامةً منها: المؤتمر الذي عقدته مؤسسة الجمهورية للصحافة بعنوان "ضد الإرهاب" في ديسمبر من العام 2014، والمؤتمر الذي نظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مارس 2014 حول "خطورة الفكر التكفيري على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية"، ومؤتمر "الأزهر في مواجهة الإرهاب والتطرف" في ديسمبر 2014، فضلاً عن عشرات الندوات والمنتديات التي عقدتها الجامعات ومراكز البحوث، وقد تناولت أبعاد ظاهرة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة في مصر وسبل التصدي لها على المستوييْن الإقليمي والدولي.

أما المؤسسات الدينية فقد بذلت هي الأخرى جهوداً موازية لمكافحة التطرف الديني، فقد أطلق الأزهر مرصداً إلكترونياً للرد على الفتاوى التكفيرية التي تنشرها التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" و"الإخوان" .. وغيرها، بالإضافة إلى الأنشطة الخاصة بالقوافل الدعوية في القرى والنجوع، والسعي نحو تصحيح المفاهيم التي يتم تداولها بصورة خاطئة عن "الجهاد" و"الشهادة" و"الحاكمية" و"الخلافة"، فيما قامت الكنيسة المصرية بدورٍ موازٍ على المستوى الدولي، والرد على الحملات المضادة التي تستهدف إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط، ومحاولة إظهار مؤسسات الدولة بالعجز عند إدارة ملف الأقباط في مصر.

وعلى المستوى الرسمي فقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً بتشكيل المجلس القومي لمكافحة الإرهاب في يوليو 2017، وهو ما يُعد نظرياً خطوةً إيجابية من حيث وجود مؤسسة معنية بالتنسيق بين الجهود الخاصة بمكافحة الإرهاب، وإقرار استراتيجية وطنية خاصة بذلك، فيما وافق مجلس الوزراء على مشروع القانون المنشئ للمجلس في 3 يناير 2018، والذي بموجبه أصبح اسم المجلس "المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف".

وفي 9 فبراير 2018، تم الإعلان عن "العملية الشاملة .. سيناء 2018"، حيث استخدمت القوات المسلحة لأول مرة مصطلح القوة الغاشمة في بياناتها العسكرية، وهو ما جاء خلال مقطع فيديو للمتحدث العسكري، ويتضمن استعراض تجهيزات القوات المسلحة للعملية الشاملة من مقاتلات وذخائر وصواريخ وقنابل وسيارات دفع رباعي، وعربات للكشف عن الألغام والمتفجرات وغيرها.

وقد حدد اللواء محمد الشحات مدير المخابرات الحربية آنذاك ثلاثة أهداف للعملية الشاملة هي: العمل على رصد تحركات التنظيمات الإرهابية والسيطرة على المنافذ الخارجية للدولة، وتنفيذ حملات ومداهمات بالتعاون مع الشرطة وأهالي سيناء، والبدء في مشروعات التنمية الشاملة للارتقاء بالأوضاع المعيشية لأهالي سيناء وتنفيذ خطة الدولة الاستراتيجية 2030.

وعلى المستوى الإعلامي، حظيت العملية العسكرية "سيناء 2018" بتغطيةٍ إعلامية محلية وعربية وعالمية واسعة، وقد وصفتها وسائل الإعلام الغربية بأنها "أضخم عملية عسكرية تقوم بها القوات المسلحة المصرية بعد ثورة يناير 2011"، وذكرت صحيفة "التايمز" The Times البريطانية "أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قام بنشر أكبر جيش في إفريقيا لمحاربة الإرهاب في شمال سيناء، وأطلق أكبر عملية لمكافحة الإرهاب في مصر"، بالإضافة إلى وصف صحيفة "تليجراف" Telegraph البريطانية العملية بأنها "عملية عسكرية غير مسبوقة في تاريخ مواجهات الجيش المصري مع التنظيمات الإرهابية"، وذكرت "الواشنطن بوست" Washington Post  الأمريكية بأنها "عملية نزع الإرهاب والقضاء عليه في سيناء".

فيما جاءت الصحف المصرية ومنصاتها على شبكة الإنترنت على مختلف توجهاتها وانتماءاتها الفكرية والسياسية أكثر اهتماماً بأخبار وموضوعات العملية الشاملة 2018 منذ الإعلان عنها في التاسع من فبراير 2018، وإن تباينت في حجم الاهتمام وأطر المعالجة وأساليب التغطية في ضوء الضوابط المهنية والأخلاقية لكلٍ منها.

في هذا الإطار، أجرى د. مجدي عبد الجواد الداغر أستاذ الإعلام وتكنولوجيا الاتصال المساعد بكلية الآداب جامعة المنصورة دراسةً مهمة بعنوان: "أُطر المعالجة الصحفية للعمليات العسكرية للقوات المسلحة المصرية ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء "العملية الشاملة 2018 نموذجاً"، والتي استهدفت رصد أُطر المعالجة الصحفية للعملية الشاملة التي قامت بها القوات المسلحة المصرية ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء، وذلك من خلال التعرُّف على مدى تلبيتها للحاجات المعرفية للقراء عن مجريات الأحداث، ومدى تركيز تلك المعالجة على أهداف وأحداث بعينها دون غيرها، ومدى معالجة مواقع الصحف المصرية على الإنترنت لجذور المشكلة وأسبابها وأُطر حلولها، ومدى ارتباط التغطية بالضوابط المهنية والأخلاقية، وكذلك حجم الأُطر المستخدمة في المعالجة بالتطبيق على العملية العسكرية "سيناء 2018" .

علماً بأنه ينشط في مصر منذ يناير 2011 نوعين من التنظيمات الإرهابية، الأول: الجماعات الإرهابية الجهادية في مثلث رفح والشيخ زويد والعريش ويتحرك على مساحة 22 كيلو متراً شمال سيناء، أبرزها "أنصار بيت المقدس" و"ولاية سيناء"، والنوع الثاني يتمثل في الخلايا الإرهابية غير المعروفة والتي تنشط في مدن محافظات الوادي والدلتا، وتضم قطاعاً عريضاً من شباب جماعة "الإخوان" الإرهابية ومنها: "جماعة العقاب الثوري" وتنظيم "حسم" و"لواء الثورة"، وهذا النوع من التنظيمات يختلف عن الأول من حيث عدم وجود قيادات معروفة له، ومن ثم كان من الصعوبة تحديد العناصر التي تحركهم، وفي حالاتٍ كثيرة تكون الفكرة هي المحرك بين أعضاء التنظيم، وحالاتٍ أخرى تكون الرغبة في ممارسة الفعل الإرهابي والانتقام، وتأويل الفتوى أحد محركات العمل الإرهابي ضد الدولة ومؤسساتها.

وتعد الفترة من أغسطس 2013 وحتى نوفمبر 2014، أشد مراحل العنف العشوائي بين التنظيمات الإرهابية والدولة المصرية، حيث تم تنفيذ (85%) من الهجمات الإرهابية ضد مؤسسات الدولة عن طريق مجموعات مجهولة وبمسميات لم تكن معروفة من قبل، استهدفت أغلبها القطاعات الأمنية والمؤسسات الحيوية بالدولة بإطلاق نار أو متفجرات بدائية أو زرع ألغام، إلى جانب أنشطة التنظيمات الجهادية ومنها تنظيم "أنصار بيت المقدس"، التي نفذت محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم في سبتمبر 2013.

ولم تقتصر أهداف عمليات التنظيمات الإرهابية في سيناء ضد قوات الشرطة والجيش فقط، وإنما شملت الأهداف المدنية أيضاً ومنها محاولة تفجير متزامن لستة أهداف مدنية في 25 يونيو 2014 شملت محطات مترو غمرة وحدائق القبة وشبرا الخيمة وحلمية الزيتون وميدان المحكمة ومنطقة التوسعات الشمالية في 6 أكتوبر، وتدمير أكثر من 20 محطة تقوية، مما كان سبباً في انقطاع الكهرباء في ضواحي الجيزة، وتفجير القنصلية الإيطالية بالقاهرة في 11 يوليو 2015 وسفارة النيجر في 29 يوليو 2015، وتفجير طائرة الركاب الروسية فوق سيناء في أكتوبر 2015.

وتعد أحداث طريق الواحات (2017) هي المواجهة الأكبر بين قوات الجيش والتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة من الظهير الصحراوي لمحافظة الجيزة وهي المنطقة التي شهدت مواجهات متكررة بين قوات الأمن وخلايا عناصر من حركة "حسم"، وهو ما يعني عودة النشاط الإرهابي من المدن الجديدة والشقق السكنية في المناطق العشوائية إلى الظهير الصحراوي، حيث اتخذت التنظيمات الإرهابية من مناطق العمق الصحراوي بالكيلو 135 بطريق أكتوبر- الواحات مكاناً للاختباء والتدريب والقيام بعمليات إرهابية جديدة استغلالاً للطبيعة الجغرافية الوعرة وسهولة التحرك بعيداً عن عيون المؤسسات الشرطية والأمنية .

وعلى الرغم من تزايد الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين في سيناء ومحافظات الوادي والدلتا، إلا أن غالبية تلك العمليات لا زالت تستهدف قوات الجيش والشرطة، والتي أسفرت عن استشهاد نحو 597 من قوات الشرطة والجيش في شمال سيناء حتى مايو (2020)، فيما لم تشهد محافظات الدلتا والوادي سوى 30 هجوماً عام 2017، مقابل 307 هجومات في منطقة سيناء، وهجوم واحد فقط في منطقة سانت كاترين جنوب سيناء، وإحصائياً فقد جاءت نسبة توزيع العمليات الإرهابية عام 2017 نحو 91.5% في سيناء، كان أبرزها استهداف معسكرٍ أمني تابعٍ للشرطة في محافظة شمال سيناء يوم 11 سبتمبر 2017، وأدى إلى استشهاد 18 من رجال الشرطة، وذلك بعد عمليتيْ كمين المطافئ ضد قوات الشرطة في العريش، وعملية كمين "البرث" ونقاط أمنية في رفح يوليو 2017، واستهدف الهجوم الكتيبة "103 صواعق"، واستشهاد قائدها المقدم أحمد المنسي والضباط والجنود الذين كانوا معه.

وتعكس زيادة الهجمات الانتحارية ضد قوات الجيش والشرطة عام 2017 رغبة بعض التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم "داعش" ومنها "ولاية سيناء" في نشر مزيدٍ من الانتحاريين بعد تراجع "تنظيم الدولة في العراق وسوريا"، وتعزيز مكانتها في سيناء، وهو ما قامت به عندما استهدفت دور العبادة من كنائس ومساجد، الأمر الذي يعكس وجود استراتيجية جديدة للتنظيمات الإرهابية في سيناء، حيث شهد عام 2017 خمسة حوادث إرهابية استهدفت دور العبادة وهي تفجيرات "أحد السعف" في الإسكندرية وطنطا، حيث تم استهداف كنيستيْن، أسفرا عن استشهاد 47 شخصاً، ثم محاولة الهجوم على دير سانت كاترين في أبريل 2017، والذي أسفر عن استشهاد جندييْن، وكذلك الهجوم الذي وقع في مايو 2017 واستهدف حافلة كانت تُقل أقباطاً في رحلة دينية لزيارة دير الأنبا صموئيل غربي محافظة المنيا وأسفر عن استشهاد 28 قبطياً،

بالإضافة إلى الهجوم على مسجد الروضة في نوفمبر 2017، والذي أودى بحياة 311 مسلماً، ثم محاولة الهجوم على كنيسة "مارمينا" في 29 ديسمبر 2017 بمنطقة حلوان بمحافظة القاهرة، وأسفر عن استشهاد أحد أفراد الأمن وثمانية مدنيين.

وفي نوفمبر 2018، تكرر الهجوم على حافلة تُقل أقباطاً أثناء رحلة دينية لزيارة دير "الأنبا صموئيل" بالمنيا أسفر عن وفاة 7 وإصابة ثلاثة، ونشرت صحيفة "النبأ" وهي أحد إصدارات تنظيم "داعش" في عددها رقم 155 تقريراً يتضمن اعترافاً بمسؤولية تنظيم "ولاية الصعيد"، الموالي لداعش عن استهداف أقباط المنيا، والذي جاء متزامناً مع فعاليات "مؤتمر شباب العالم" في شرم الشيخ 2019.

ونستكمل عرض هذه الدراسة المهمة الأسبوع القادم بإذن الله.