الإثنين 13 مايو 2024

حجم الثقة.. والخيارات الصعبة «4»

مقالات26-10-2022 | 23:45

شكلت عوامل عدم القدرة على تنفيذ الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية لمواجهة الأزمة العميقة للدولة المصرية على مدار 50 عاماً عائقاً فى طريق الإصلاح.. واصطدمت مجابهة التحديات بمحاذير الحفاظ على استقرار الدولة «الهش».. والضغوط الداخلية.. والخارجية في غياب الدعم الشعبي وعدم استعداد الرأي العام لتقبل هذه الإجراءات.. في ظل حالة العوز التي يعيش فيها.. كل ذلك شكل عقبات مهمة أمام طريق الإصلاح الحقيقي وإنهاء عقود الأزمات والتحديات.. لكن هناك بعداً رابعاً لا يقل أهمية.. هو حجم الثقة فى قدرة الدولة على إيجاد مسار ناجع للحل في ظل هذه الخيارات الصعبة.. وهو ما استدعى عملاً شاقاً وقوياً ومستمراً لم يكن متاحاً في ظل ممارسات الإسلام السياسي من أكاذيب وتشويه وتشكيك وشائعات مع أن الإخوان لم يكن لديهم مشروع حقيقي لإعادة بناء الدولة..  ولم يفرقوا بين متطلبات إدارة دولة تواجه تحديات ولم يكن لديهم رؤية بحجم هذه التحديات وفكر إدارة «جماعة» تطبق مبدأ الانغلاق والسمع والطاعة.. وكان جل أهدافهم التمكين والتكويش والسيطرة في وقت كانت الدولة في حاجة إلى مشروع حقيقي لم يكن لديهم أدنى معرفة أو رؤية له.. وكان لديهم افتقار كامل للحلول والكوادر المؤهلة.. لذلك فإن ملحمة البناء المصرية على مدار 8 سنوات واجهت تحديات من الماضي والحاضر لكنها نجحت وأنجزت بفضل حضور الرؤية والإرادة والوعى بأهمية الإجراءات والحلول الجذرية.

قلت بالأمس إن حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي في افتتاح وختام المؤتمر الاقتصادي يعد تشخيصاً وافياً ومحدداً وتوصيفاً وشرحاً مستفيضاً للحالة المصرية على مدار 50 عاماً.. وأسباب الأزمة العميقة التي عانت منها الدولة.. لذلك وضع الرئيس سياقاً فكرياً متكاملاً للوعى الحقيقي والفهم الصحيح وهو ما يضعنا أمام مسئولياتنا جميعاً كنخب سياسية وفكرية وثقافية وإعلامية ودينية فى كيفية تناول قضايا تحديات الوطن من أجل تناول موضوعي ودقيق وشامل يأخذ في اعتباره جذور هذه التحديات وأسبابها والقدرات الموجودة والمتاحة لمجابهتها بعيداً عن المزايدات والتنظير دون استناد للحقائق والبيانات والمعلومات وإفراغ الموضوعات والقضايا من سياقها الحقيقي.. وهو ما يتعارض مع تهيئة أنسب الظروف السياسية والفكرية والإعلامية والدينية.. لتشكيل رأى عام شعبي مساند وداعم ومتقبل للرؤى الإصلاحية والإجراءات الحاسمة لمجابهة التحديات من خلال تضحيات وصعوبات مؤقتة تفضى إلى تنمية مستدامة واستقرار حقيقي وتحقيق قدرة الدولة على تحقيق آمال وتطلعات شعبها وتقديم الخدمات بالمواصفات المطلوبة مثل الصحة والتعليم وغيرهما من احتياجات المواطنين بما يخدم هدف قوة الدولة.

أستطيع تحديد بعض المعوقات التي حالت دون تنفيذ وتطبيق الرؤى الإصلاحية والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية خلال الـ50 عاماً الماضية وهي:

عدم وجود الوعى الحقيقي والفهم الصحيح لأهمية وحتمية الرؤى الإصلاحية والحلول الحاسمة من خلال عدم وجود رأى عام متقبل لهذه الإجراءات لغياب منظومة تشكيل الرأي العام سواء على الأصعدة السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية والدينية، سواء لعدم فهم النخبة نفسها لأهمية هذه الإجراءات.. أو الخوف من تناولها أو الفشل في إيجاد سياق فكرى في تناولها وربما يزيد الأمر إلى أهمية إيجاد سياق إعلامي لكيفية تناول الإنجازات التي تحققها الدولة حتى تصل إلى المواطن بالشكل المطلوب.

هذه التحديات والأزمات لم تأت بالصدفة.. ولكنها جاءت نتاج تراكمات ومؤجلات خشية رد الفعل الشعبي.. وعدم جاهزية منظومة تشكيل الرأي العام المساند والداعم لهذه الإجراءات.

عدم القدرة على تصحيح المفاهيم لدى المواطن وإدراكه بأهمية هذه الإجراءات الحاسمة والفشل في تعريفه بالقدرات والموارد المحدودة لدى الدولة.. وأن الإفراط فيما يتحصل عليه المواطن يأتي على حساب بناء الوطن كما أن الحكم على تقدم الدولة بما يتحصل عليه المواطن هو مضمون ومبدأ خادع وغير صحيح لأنه يلحق الضرر على المدى المتوسط والبعيد بالمواطن نفسه بما يجسد حجم الضرر الذى لحق بالوطن.

الرغبة والتمسك بترسيخ مبدأ الحفاظ على استقرار الدولة الهش مع غياب المواجهة والمصارحة والمكاشفة للرأي العام.. بما يعنى أن هناك خللاً واضحاً كان يشوب منظومة البناء والتضافر والاصطفاف الوطني من خلال توافق الرؤى والأهداف والإجراءات بين صانع القرار والرأي العام.. والمنظومة السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية والدينية.. وهو ما أدى إلى تجمد الحالة وتصاعد الأزمات وتعقدها.. ثم شعور المواطن بحجم الأزمة مع اليقين أن المواطن لو تقبل هذه الإجراءات لكان في وضع أفضل بكثير على المستويين المتوسط والبعيد.

الضغوط الداخلية والخارجية كانت دائماً تتطلب دعماً شعبياً لم يكن الرأي العام مستعداً لتقبله فى ظل حالة العوز والفقر التي يعيش فيها.. والتى جاءت أيضاً من واقع غياب الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية وأدت إلى تراكم الأزمات والمشاكل في ظل محدودية قدرات الدولة ونتج عنها زيادة معدلات الفقر.

لذلك جاءت كلمتا الرئيس فى افتتاح وختام المؤتمر الاقتصادي تشخص الحالة.. ليس هذا فحسب ولكن تضع خارطة طريق ورؤية متكاملة لإنهاء هذه الأزمات والتحديات وبلوغ الأهداف مما يستدعى إجراءات محددة ومسارات واضحة تستلزم إحداث وعى وفهم حقيقى بأهميتها.. وتستدعى وجود سياق سياسى وفكرى وثقافى وإعلامى ودينى يشكل منظومة متناغمة لا تتحجر ولا تتجمد ولا تتشدق بتابوهات قديمة لا تصلح مع التطور الذى يشهده هذا العصر ولا تخدم أهداف الوطن والمواطن.. وأيضاً فإن هذه الإجراءات التصحيحية والرؤى الإصلاحية لا تتعارض مع الدين فى شيء أو تتجافى مع ثوابته.. فإن تجاهل مصالح البلاد والعباد هو أمر مرفوض دينياً ويتنافى مع تعاليمه وثوابته ومع مصالح البشر التى هى رسالة الأديان.

الأمر المهم أيضاً والذى يؤثر على أهمية تغيير الخطاب الفكرى والثقافى والإعلامى فى مجابهة أزماتنا وتحدياتنا هو الاهتمام بتناول الفكرة والطرح والرؤى الإصلاحية والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية التى تحقق مصالح البلاد والعباد.. وليس - كما قال الرئيس السيسى - النظام أو السلطة.. فمن المهم خلق حالة من الفهم الصحيح والوعى الحقيقى لدى الناس سواء بأهمية وجدارة الفكر الإصلاحى الذى يعالج هموم وأزمات الناس.. ويبنى الأوطان على أسس صحيحة وقوية.. والأمر الثانى يتمثل فى العرض الصحيح لجهود الدولة ونجاحاتها وإنجازاتها فى إطار تناول وفهم للتحديات.. وكيف كانت المشاكل والأزمات وما هى جذورها وأسبابها وكيف انتهت وما هو ثمن ذلك ومن يقف وراء هذا الإنجاز وماذا حقق؟، بمعنى آخر.. «كنا فين وبقينا فين»، كيف كان هذا التحدى وكيف تحول إلى نقطة ضوء ساطعة؟، بمعنى الايصال الصحيح للرسالة إلى المواطنين وليس مجرد عرض بيانات تفتقد للسياق والتناول الفكرى الذى يترسخ فى عقل المواطن ويشكل وعيه وفهمه.

الحقيقة ان انحياز الرئيس للفكرة والسياق هو الطريق الصحيح للاقناع والوعى الحقيقى والفهم الصحيح.. لذلك من المهم كما يقول الرئيس السيسى ان تحيط الشعب بالتحديات والحقائق والأزمات والصعوبات التى تواجه المسيرة وأيضاً الحلول والرؤى والإجراءات المطلوبة لمجابهة هذه التحديات لتشكيل وبناء القدرة لديه على التحمل والصبر والتضحية ومواجهة الصعوبات النسبية والمؤقتة خلال فترة تنفيذ هذه الإجراءات والرؤى والحلول الجذرية، فبدلاً من الارتكان إلى (المسكنات الوقتية) التى تؤدى إلى تفاقم هذه التحديات أو كما قال الرئيس تستطيع أن تعبر «قناية» وربما بعد سنوات لا تستطيع أن تعبر البحر.. فاستغلال الفرصة طريق نهايته البناء والخير والازدهار.

- دعونا نتفق أن حرص الرئيس السيسى على التواصل الدائم والمستمر مع شعبه كان ومازال صمام الأمان لوعى المصريين.. ولعل توجيهاته ودعوته سواء بإجراء الحوار الوطنى أو المؤتمر الاقتصادى هو تجسيد حقيقى لحرص الدولة المصرية على الاستماع والتحاور مع جميع الأطياف والفئات من أبنائها بما يحقق مصلحة الوطن.. والوصول إلى رؤى وأطروحات وحلول وأفكار من شأنها مجابهة التحديات.. وحتى لا نتأخر بحيث يأتى اليوم الذى تكون فيه الرؤى والأطروحات أقل من التحديات التى نعيشها.. لكن وكما قال الرئيس معاً نستطيع لذلك الدولة تتحرك من مبدأ رسخه الرئيس السيسى ان الوطن يتسع للجميع.. نتناقش ونتحاور رغم اختلافنا الفكرى والأيديولوجى لكن فى النهاية نتفق على مصلحة الوطن.. ولعل ما طرحه الرئيس السيسى خلال افتتاح وختام المؤتمر يمثل قاعدة معلوماتية وتقدير موقف حقيقى وتشخيصاً لأحوال الدولة المصرية وأين تقف.. بحيث يكون متاحاً أمام الجميع سواء فى الحوار الوطنى أو البرلمان المصرى وما هو قادم من مؤتمرات ومنصات حوارية.. أو حتى فيما يطرح إعلامياً وفكرياً.. لأن ما تضمنته أحاديث الرئيس فى افتتاح وختام المؤتمر يمثل (وثيقة مصرية) وكتاباً مفتوحاً أمام الجميع.. ومن خلاله نضع الحلول والرؤى التى تحقق أهداف الوطن.. خاصة وأننا أمام أمور مهمة كالتالى:

إننا ورثنا تركة ثقيلة من الأزمات والتحديات على مدار 5 عقود.. العالم يعيش تداعيات أزمات عالمية طاحنة وقاسية خلقت أزمة اقتصادية خانقة يتألم منها العالم من فرط قسوتها.. سواء جائحة «كورونا» أو الحرب الروسية- الأوكرانية التى هى أشد وطأة وقسوة وهو ما يستلزم وجود رؤى وأفكار وحلول جذرية لمجابهة تداعيات هذه الأزمات التى ألقت بظلالها على الجميع ومن خلال توافق واتفاق وطنى على خريطة عمل أو خريطة اقتصادية يتحرك فيها الوطن إلى العبور الآمن لهذه الأزمات.

لا بد أن ندرك اننا حققنا خلال الـ8 سنوات الماضية إنجازات بطعم المعجزة وسط تحديات وتداعيات خطيرة سواء من العقود الخمسة الماضية أو بسبب تداعيات ما جرى وحدث فى يناير 2011 وثورة 30 يونيو2013  وما خسرته مصر خلال هذه الفترة بما يعادل 477 مليار دولار.. ورغم ذلك وفى ظل هذه الأوضاع والتحديات حققت الدولة نجاحات وإنجازات على مدار 8 سنوات فى كافة المجالات والقطاعات وإعادة تأهيل الدولة لامتلاك القدرة على حل مشاكل وأزمات ومعاناة المواطنين وتيسير أمورهم وأيضاً قدرة الدولة على العمل والإنتاج وجذب الاستثمارات وتنشيط حركة التجارة الداخلية والعالمية وبالتالى تنشيط قدرة الدولة وتمكينها من خلال استغلال الفرص والموارد المتاحة وباستغلال الأفكار الخلاقة وخصوصية الموقع الجغرافى لتشكل كل هذه الإنجازات معاً قيمة مضافة لموارد الدولة المصرية تستطيع من خلالها مجابهة التحديات ورغم كل ذلك فإن القيادة السياسية تعتبر كل ما تحقق لا يلبى الطموح المصرى وانه مجرد خطوة من ألف خطوة.

الحقيقة ان الرئيس السيسى رسم ملامح الصورة الحقيقية لما هو واقع.. وما هو مطلوب والتحديات المختلفة سواء فى الصحة والتعليم والبنية التحتية وأهمية وحتمية بناء شبكة طرق عصرية.. تواكب النمو السكانى وتيسر حركة الناس فى ظل طموح الدولة المصرية.. ونجاحها فى زيادة مساحة المعمور إلى 120 ألف كيلو متر من مساحة مصر بدلاً من 60 ألف كيلو متر وخلق مجتمعات عمرانية جديدة.. وجذب الاستثمارات وخلق شرايين جديدة للعمل والإنتاج وتلبية احتياجات وآمال وطموحات المصريين واتساقاً مع بناء دولة حديثة.

الرئيس السيسى وضع كل الحقائق أمام الجميع من نخب فكرية وسياسية وثقافية وإعلامية ودينية ورجال أعمال ومستثمرين وقطاع خاص وما يواجه الدولة المصرية من تحديات وما ورثته من أزمات.. وفلسفة عمل 8 سنوات أخذت 25 ألف ساعة عمل بمعدل 10 ساعات وجهود جبارة ومتابعة متواصلة.. وأفكار خلاقة.. الرئيس رد وأجاب على الجميع باستفاضة وقطع دابر الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه والتسفيه والتحريض ليشكل ويرسم فى النهاية نسقاً ومساراً وفكراً ووعياً حقيقياً وفهماً صحيحاً بات حاضراً أمام المواطن البسيط وأمام النخب الفكرية والسياسية والاقتصادية التى شرح لها وباستفاضة أيضاً فلسفة الدولة فى تطوير الموانئ وخصوصية بعض المشروعات التى لا تقوم بها إلا الدولة المصرية لأنها تمس احتياجات المواطن نفسه بما يعنى انها قضية أمن قومى لا تخضع لحسابات الربح والخسارة.

الرئيس وضع الجميع أمام مسئولياته وفتح الباب أمام كل الفئات والأطياف لتجسيد مبدأ التشاركية فى بناء الوطن.. فالجميع مصريون يحبون هذا الوضع.. لكننا نحتاج وقفة مع النفس وهو عدم الشروع فى أحاديث أو تناول غير مرتكز أو مبنى على أصل وجذور وحقائق الأمور.. وهو ما يعنى أن حديث الرئيس أدى إلى صلابة جدار الوعى المصري.. وزاد من رسوخ الفهم الصحيح لحقيقة تحدياتنا وإنجازاتنا أيضاً وما هو مطلوب لإنهاء عقود الأزمات والتحديات تماماً.

ربما يكون البند الرابع فى كلمة الرئيس خلال افتتاح المؤتمر الاقتصادى ضمن 13 بنداً غاية فى الأهمية ليعكس حجم التحديات التى واجهت ومازالت تواجه الدولة المصرية فالرئيس السيسى يقول: «إن حجم الثقة فى قدرة الدولة على ايجاد مسار ناجع للحل وسط الخيارات الصعبة سالفة الذكر فى البنود الثلاثة السابقة يستدعى عملاً شاقاً ومستمراً وهو ما لم يكن متوافراً فى ظل ممارسات الإسلام السياسى من تشكيك وتشويه.. علماً بأنه لم يكن لديهم مشروع حقيقى لإعادة بناء الدولة فضلاً عن غياب الرؤية من جانب الكثير بحجم التحديات المطلوب مواجهتها» هذا البند تحديداً يحتاج إلى وقفة مهمة للتناول اتساقاً مع حديث الرئيس كالتالي:

إن البنود الثلاثة السابقة سواء غياب الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية وكونها غابت عن إنهاء الأزمة العميقة للدولة المصرية واصطدام هذه الإجراءات بمحاذير الحفاظ على استقرار الدولة الهش ثم عدم تقبل الرأى العام لهذه الإجراءات الإصلاحية بسبب حالة الفقر والعوز.. ثم غياب الدعم الشعبى لهذه الإجراءات، بالإضافة إلى حجم التحديات والأزمات والمعاناة التى ترسخت خلال الـ50 عاماً الماضية ناهيك عن استنزاف غير مسبوق للدولة فى يناير 2011 إلى ثورة 30 يونيو.. كل ذلك أدى فى النهاية إلى تشكيل وعى جمعى فى عدم الثقة فى قدرة الدولة واستحالة حدوث أى تغيير وبناء وإصلاح بمعنى نهائي.. مبدأ «مفيش فايدة» أو عدم قدرة على ايجاد قناعة وثقة فى ايجاد مسار ناجع فى ظل الظروف والتحديات والأزمات المعقدة وهو ما استدعى عملاً شاقاً وصعباً ومستمراً لكنه اصطدم بحملات ضارية من الأكاذيب والتشكيك والشائعات والتشويه.

اذن نحن أمام أمرين شديدى الخطورة والتأثير على أى جهود للإصلاح والبناء هما عدم الثقة فى قدرة الدولة على ايجاد مسار ناجع لإنهاء التحديات والأزمات وتغيير الواقع إلى الأفضل بشكل مستدام.. والثانى يتمثل فى حملات ممنهجة وضارية فى ترويج الأكاذيب والتشكيك والتشويه لأى جهود وإنجازات من شأنها ان تتعانق مع ضعف الثقة الشعبية فى أى عمل أو مسار يؤدى للحل.. وشكل هذا الأمر تحدياً خطيراً ورغم ذلك مضت الدولة فى اتجاهات ومسارات خلاقة لاجهاض التحديات والأسباب التى تقف أمام الحلول الناجعة.

خاضت الدولة معركتين فاصلتين فى التاريخ المصري.. الأولى معركة البقاء ونجحت فى القضاء على محاولات استهداف الدولة وافشالها وإحباط شعبها من خلال الإرهاب وهو ما حقق الأمن والأمان والاستقرار فى تزامن مع معركة البناء وحققت الدولة من خلالها إنجازات ونجاحات كبيرة وغير مسبوقة فى كافة المجالات والقطاعات وبدأت ملامح التغيير فى الدولة المصرية يلمسها المواطن بنفسه ويعيشها على أرض الواقع وتؤدى إلى تغيير حياته إلى الأفضل وإنهاء فصول بعض الأزمات مثل القضاء على العشوائيات وفيروس «سي» وقوائم الانتظار و100 مليون صحة.. وشبكة الطرق وخلق شرايين جديدة لموارد الدولة المصرية والنهوض الزراعى والصناعى وتحقيق الأمن الغذائى بنسبة غير مسبوقة.. وتوافر السكن الكريم و»حياة كريمة» لقرى الريف المصرى والتى تستهدف تقديم الحياة الكريمة لـ60 مليون مواطن مصري.

بعد نجاح الدولة المصرية فى معركتى البقاء والبناء ودحر الإرهاب وترسيخ الأمن والاستقرار واجهت ومازالت تحدياً خطيراً هو حالة الضخ غير المسبوق للأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه لكل عمل وإنجاز ومشروع على أرض مصر.. ومحاولة التأثير فى عقل المواطن المصرى ومحاصرته بالأكاذيب لبناء وعى مزيف يستهدف الهدم لكل ما تحقق وتعطيل حركة البناء المصرية غير المسبوقة.. وهو ما فرض على الدولة المضى فى أمرين:

- استكمال مسيرة البناء والتنمية والتقدم لتغيير واقع الوطن والمواطن وأيضاً بذل كافة الجهود لبناء وعى حقيقى وفهم صحيح وتواصل مستمر مع المواطن لدحر الأكاذيب والشائعات والتشكيك والتشويه ومحاولة العبث فى العقل المصرى وهى حرب من نوع آخر تحركت كتائب القوى الناعمة المصرية ومازالت لدرء هذا الخطر الداهم على العقل المصرى مدعومة بشفافية ومكاشفة وصدق رئاسى حريص على احاطة المصريين بكافة التحديات والحقائق وتعميق وتبسيط ووضوح خاصة وان الدولة المصرية كانت ومازالت فى حاجة شديدة إلى مواصلة طريق الإصلاح الذى يتطلب حلولاً جذرية وتبعات تقبلها المواطن المصرى بقناعة بمسار الإصلاح من خلال تحمل الصعاب والتضحيات وهو ما يجعل الرئيس يؤكد دائماً وفى كل المحافل والمناسبات على آن الشعب هو البطل.. لأن هذا البناء غير المسبوق الذى شهدته الدولة المصرية.. جاء نتاج رؤية واضحة وتفهم واستعداد شعبى للمضى قدماً فى مسيرة الإصلاح والإجراءات الحاسمة وفى الأغلب كان الإعلام يقف بالوعى والمساندة لجهود الدولة المصرية وإرادة شعبها.. والمؤكد ان رصيد الرئيس السيسى فى قلوب ووجدان المصريين من حب وثقة ساهم فى نجاح الرؤية المصرية أو الرئاسية لبناء الوطن.

جماعة الإخوان لم يكن لديها أى مشروع لبناء الدولة.. أو فهم لمتطلبات قيادة دولة فى حجم مصر وتعاملت مع الدولة بنفس فكر الجماعة وطبقت فكر (السوبر ماركت) واتجهت إلى أساليب ودغدغة مشاعر المصريين بوعود الـ100 يوم.. وفشلت بشكل ذريع ولم تستطع أن تقدم لمصر وشعبها أى عمل يمكن أن يكشف وجود أدنى رؤية أو قدرة على قيادة دولة.. مارست الخداع ودغدغة المشاعر والتجارة بالدين.. ولم تتخل عن هذه الممارسات رغم وصولها إلى حكم مصر ورسخت الانقسام بين المصريين فى وقت كان يستدعى الاصطفاف لمجابهة حجم التحديات غير المسبوق والأزمة العميقة لدى الدولة المصرية حيث عانت الجماعة من تصحر فى الكوادر القادرة وأثبتت التجربة انها كانت فقط مولعة بالوصول إلى السلطة دون وجود أى فكر أو رؤى لقيادتها وإصلاح الأوضاع فيها ولم تستعن بالخبرات والكفاءات من خارجها ولكنها ازدادت إصراراً على مبدأ (السيطرة والتكويش) فى ظل إدارة دولة تأتى لها الأوامر من مكتب الارشاد ولم تستمع إلى النصائح الأمينة والمخلصة والوطنية للإصلاح.. وما قدمته المؤسسة العسكرية من جهود جبارة ومخلصة من أجل الإصلاح وتخفيف العبء عن المصريين.. إلا انها أصرت على المضى فى غيها وممارساتها وانفلاتها وانسداد الشرايين السياسية مع القوى والأحزاب ومكونات المجتمع المصرى واكتفت فقط بالاستماع إلى (عبدة) السمع والطاعة أو الإملاءات والتعليمات التى كانت تأتيها من الخارج لتقويض أركان الدولة لتحقيق الهدف النهائى هو إسقاط الدولة المصرية وسهولة تحقيق الأهداف الشيطانية المخططة التى كادت ان تحول مصر إلى ساحة للاقتتال الأهلى لولا قدرة وقوة الجيش المصرى العظيم واليد القوية التى أدت مهمتها فى انقاذ إرادة المصريين والحفاظ على الأمن القومى المصري.

الجماعة لم يكن لديها مشروع أو إدارة أو رؤى أو حتى مسارات واضحة لقيادة وإصلاح دولة فى حجم مصر تواجه تحديات غير مسبوقة على مدار عقود وأيضاً بعد استنزافها فى يناير 2011 بفعل مؤامرة إخوانية أيضاً لتفريغ الدولة المصرية من مضمونها ومؤسساتها.

جماعة الإخوان ومعها الإسلام السياسى لم يكن لديها رؤية أو خطط أو مسارات للإصلاح واتسم أداؤها بالتصحر والافتقار لأدنى معايير قيادة دولة تواجه تحديات لم تدرك حجمها وكيفية مواجهتها ولكن تفرغت الجماعة فقط لتصفية الحسابات واشباع غريزة السلطوية والتمكين والتكويش وهو ما أدى إلى مضاعفة حجم التحديات والأزمات وتأزم الأوضاع ومعاناة المواطن المصرى فى تلبية احتياجاته.. وبات الاستقرار فى عهد الجماعة أمراً معدوماً ولنا فى التعامل الفاضح للإخوان مع قضية سد النهضة الدرس فى افتقار الجماعة لفكر الدولة وإدارتها وليس فكر الجماعة البدائى والعشائري.. فهناك فارق كبير بين إدارة دولة فى حجم مصر وإدارة جماعة ضالة مثل الإخوان المجرمين.

أعتبر أن الفترة التى قضتها جماعة الإخوان فى حكم مصر فترة ضاعت على الوطن فى البناء واستنزفت قدراته وزادت من معاناة شعبه وأهدرت الوقت والموارد وأحدثت تراجعاً مضافاً فى مكانة الدولة المصرية على الصعيدين الإقليمى والدولي.. حيث تعاملت مع إدارة الدولة وكأنها تدير (فرن بلدى) أو قبيلة تتصارع مع قبائل أخري.. أو سوبر ماركت لم يكن لديها رؤية أو مشروع، بل كان جل أهدافها تنفيذ مشروع التمكين والتكويش.. تعاملت مع تحديات الدولة المصرية بجهل وغباء وافتقار شكلاً ومضموناً فى الرؤى والكوادر حتى باتت مصر فى أتون الخطر الداهم وللحديث بقية فى مقالات أخرى نستكمل فيها الـ13 بنداً.

Dr.Radwa
Egypt Air