الخميس 28 نوفمبر 2024

مقالات

علماء مصريون عظماء.. وقصص نجاحهم الملهمة 20

  • 30-10-2022 | 18:43
طباعة

الدكتور محمد ولي الدين.. طبيب الغلابة وصاحب مدرج «والي» (1887-1949)

 

ونحن طلاب في السنوات الأولى في كلية العلوم جامعة القاهرة، كان يوجد مدرجان من أشهر مدرجات الجامعة المصرية، مدرج «مشرفة» ومدرج «والي»، وكانا يتوسطان مبان الكلية، أحدهما يمين الإدارة وهو مدرج والي، والآخر يسارها وهو مدرج مشرفة، وللأسف الشديد تم الكتابة عن د. مصطفى مشرفة الكثير من المقالات لتواجده بقوة بسبب مناصبه وأعماله، ومشاركاته المتعددة في الحياة العلمية والثقافية في الجامعة والمجتمع آنذاك، ولم يكن هناك الكثير عن د. والي، الذي سمي باسمه المدرج الأكبر الثاني.

وكان السؤال الحائر لدينا من هو د. والي، الذي خصص باسمه مدرجًا كبيرًا أسوة بالدكتور مشرفة، ولكن لم نجد الإجابة الشافية، فهل كان الجزء الإنساني من شخصيته والتي حوطت من حوله سواء في المجتمع الجامعي أو في مجتمعه الذى عاش بين جنباته سببًا في تكريمه ووضعه في تلك المكانة؟، واليوم أكتب عن الرجل برغم قلة المعلومات وضعفها والتي توصلت إليها وأمدتني بها د. ريم حمدي أستاذة علم النبات بالكلية، إلا إنني أحسب أنها يمكن أن تلقي بصيص من الضوء عليه..

كان أساتذة كلية العلوم في الأربعينيات من القرن العشرين شغوفين بتبسيط العلوم للعامة، فلم يكونوا يسكنون ذلك البرج العاجي، لكنهم نزلوا إلى المجتمع المصري وقدموا الكثير من المحاضرات، سواء للإذاعة المصرية الوليدة أو إلى محطات خاصة، وسميت هذه السلسلة "سلسلة أحاديث كلية العلوم عن العلوم المبسطة"، وقد وقع تحت يدي أحد أعدادها المكتوبة والصادرة في 1945، وتتضمن الأحاديث التي ألقيت في السنوات 1941، 1942 و 1945، واشتملت على أحاديث أذيعت من محطة القاهرة وعددها عشرة أحاديث، وفي السلسلة الثانية ست أحاديث أذيعت أيضًا من محطة القاهرة، وأربعة من محطة لندن، وخمسة أخرى من محطة الشرق الأدنى، بالإضافة إلى خمسة محاضرات عامة ألقيت بالكلية.

كان المشاركون في تلك الأحاديث والمحاضرات فطاحل الكلية، وعلى رأسهم د. مشرفة، د. أحمد مجاهد، د. رزق الله نخلة، د. محمود حافظ، د. محمود مختار، د. إبراهيم حلمي عبد الرحمن، د. رشاد الطوبي، د. عبد الحليم منتصر، وكان من بينهم د. محمد ولي الدين وعدد من الأساتذة الأجانب أمثال د. فيشر، أوفروف، د. ساها وغيرهم.

أما عن الدكتور محمـد ولي الدين، فقد تخرج في مدرسة طب قصر العيني عام 1907، وكان له من العمر عشرون عامًا، ثم أوفد في بعثة الجامعة المصرية إلى فرنسا ليحصل على الليسانس في التاريخ الطبيعي من جامعة ليون، وعلى دبلوم طب المناطق الحارة من جامعة باريس

وبعد عودته عين مدرسًا بمدرسة طب قصر العيني في يناير 1925، ثم انضم إلى هيئة التدريس بكلية العلوم بالجامعة المصرية في نوفمبر1925، وبقى بدرجته حتى عام 1947 فلم يرقى إلى وظيفة أستاذ مساعد إلا قبيل تركه الخدمة بقليل

وفي 8 مارس 1945، ألقى د. محمد ولي الدين محاضرة نشرت ضمن السلسلة التي ذكرتها آنفًا، متناولًا موضوعًا هامًا وببليوجرافيا عن واحد من العلماء المصريين الذي ساهموا في تدعيم دراسة علمي الحيوان والنبات في مصر، وألفوا فيها ووصلوا إلى العالمية، وهو "عثمان غالب" وهو من مواليد 1845، والذي التحق بمدرسة الطب المصرية عام 1867 إلى 1871، ثم سافر إلى فرنسا لدراسة الأحياء، وبقى هناك لمدة ثمانية سنوات حتى 1879، وعندما عاد عين مدرسًا بمدرسة الطب المصرية، ولظروف عائلية خاصة ترك مصر إلى باريس وعاش فيها بقية عمره، حيث ألف في علم الحيوان وعلم النبات وأجرى أبحاثًا عن دودة القطن، ومن مؤلفاته "الحيوانات اللافقارية"، وكتاب "مختصر تركيب أعضاء النبات ووظائفها"، وكتابه الذي حصل به على الدكتوراه بالفرنسية "البيضة في السلسلة الحيوانية".

كان الدكتور محمد ولي واسع الصدر، كثير الحلم، يضحك ملء شدقيه حتى تدمع عيناه. وكان لا يعترف بفارق السن، فكان يتخذ من الجميع أصدقاء وزملاء دون تفرقة من مركز أو سن

كان إنسانًا نبيلًا، فما قصده طالب حاجة إلا قضاها له، وكان معمله في الكلية عيادة صغيرة يفحص فيها من يشكو علة ويصف له الدواء، وكذلك كان حاله في بيته في جزيرة الذهب، فقد كان يقصده أفواج من الفلاحين والفقراء للتداوي على يديه.

كان الدكتور محمد ولي مولعًا بالبحث في مواضيع علمية شتى- أي موسوعي، فأصبح بمرور الزمن دائرة معارف علمية، وقد عرف تلاميذه عنه ذلك فاغترفوا من فيض علمه، فما قدمت رسالة لنيل درجة علمية إلا ذكر اسمه فيها سـواء كانت عن القواقع أو الزواحف، عن الأسماك أو الطيور أو الثدييات، فقد كان له في كل منها باع طويل، كان الدكتور محمـد ولي يعتقد أنه لا يمكن أن تكون دراسـة العلـوم إلا بلغة هذه البلاد، إذا كان في ضمير أهلها قدر كاف من القومية، وكان بذلك أسوة بعلماء ذلك الزمن الذين حافظوا على اللغة العربية وتحدثوا بها وكانوا حماة لها.

لقد ترك لي د. محمد ولي انطباعًا عن شهرته كونه خريج كلية الطب وحاصل على دبلوم طب المناطق الحارة، فكان من الطبيعي أن يكون له مكانة خاصة في كلية العلوم، كما أن دراسته الموسعة أهلته لهذه المكانة، بالإضافة إلى أن صورته ومظهره أيضًا أعطت نفس الانطباع، وأتصور أن شخصيته كانت أقرب إلى شخصية د. حسن أفلاطون بك، الذي تحدثنا عنه من قبل، فهو أيضًا على علمه الواسع لم يكن همه حصد الدرجات العلمية قدر البحث والدراسة في الجديد من العلم.

في عام 1949، توفى د. محمد ولي عن عمر 62 عامًا، تاركًا سيرة طيبة عفة بالإضافة إلى أهم ذكرى مكانية يتذكره بها طلاب كلية العلوم كلما دخلوا محاضرة تلقى في مدرجه «مدرج والي».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة