الأربعاء 27 نوفمبر 2024

الخلافات تشتد بسبب الاستقطاب ومصر تسعى لرأب الصراع متى يمتلك الليبيون قرارهم وينقذون دولتهم

  • 11-8-2017 | 15:29

طباعة

بقلم – لواء د. نصر سالم

فى السابع عشر من فبراير ٢٠١١ انفجرت الثورة فى ليبيا استكمالا لمسلسل ثورات ما سمى بالربيع العربى الذى بدأ بتونس.. فى العام ٢٠١٠ ثم فى مصر يوم الخامس والعشرين من يناير من نفس العام.. - وعلى خلاف ما حدث فى مصر من وقوف الجيش إلى جانب شعبه وتأييد ثورته التى نجحت وحقنت دماءً ذكية كان مخططا لها أن تجرى أنهارًا فى شوارع مصر بطولها وعرضها - تصدى القذافى للثورة بكل ما أوتى من قوة، وهنا وجدت بعض الحكومات العربية - التى لم تتعلم من درس فرض الحظر الجوى على العراق الذى دمر بنيتها التحتية وشرد شعبها وأوصلها إلى ما هى فيه الآن من خراب - ضالتها فى الانتقام من القذافى الذى لم يعتبر بما حدث لبشار الأسد نتيجة انفلات لسانه - فاستصدرت قرارا من جامعة الدول العربية يطلب من حلف شمال الأطلنطى «الناتو» التدخل لحماية الشعب الليبى. ليمارس طيران الناتو عزف سيمفونيته التدميرية ثلاثية الدرجات بتدمير كل الأسلحة الرئيسية يليها تدمير البنية التحتية للدولة الليبية ثم تسريح الجيش الليبى.

أدى ذلك إلى انفجار حالة من الفوضى العارمة فى ليبيا وانقضت جميع القبائل على ما تبقى من أسلحة فى مستودعات الجيش، لتشكل ميليشيات، تتسابق كل منها فى فرض سيطرتها على أى مساحة من الأرض تتمكن منها.

فى هذه الأثناء تمكنت بعض القوى الوطنية من تشكيل مؤتمر وطنى لإدارة شئون البلاد وقام بتشكيل حكومة يعغلب عليها التيار الدينى - الذى كانت تؤرقه المخاوف من تمكن عناصر من الجيش المسرح من العودة مرة أخرى والسيطرة على مقاليد البلاد.

بعد حوالى عام من نجاح الثورة وتمكين المؤتمر الوطنى وحكومته من إدارة شئون البلاد تلاحظ تفشى عملية من الاغتيالات لضباط وأفراد القوات المسلحة الموجوين خارج الخدمة - بلغ عددهم “٧٠٠” - انتبه لها وقتها اللواء بالمعاش خليفة حفتر، الذى أطلق صيحته «أعيدوا كرامة ليبيا» وطلب من جميع العسكريين المسرحين العودة إلى وحداتهم وبدأ تجميع الجيش الليبى مرة أخرى فى المنطقة الشرقية الليبية بعيدًا عن منطقة غرب ليبيا التى تسيطر عليها حكومة المؤتمر الوطنى ذات التيار الدينى الموالى لإخوان ليبيا.

وسط هذا الجو المحتقن بين شرق البلاد وغربها - جرت انتخابات مجلس النواب الليبى.

وكان نصيب التيار الدينى الإخوانى منها ضعيفًا لا يرقى إلى طموحاتهم، فتمسك هذا التيار بمقاعده فى المؤتمر الوطنى الذى انتهت ولايته وقتها بانتخاب المجلس النيابى، وحاول إعاقته فى القيام بدوره وتشكيل حكومة جديدة.

اضطر نواب الشعب المنتخبون إلى ترك العاصمة طرابلس - التى لم تكن الحالة الأمنية فيها مواتية.

وانتقلوا إلى مدينة طبرق فى المنطقة الشرقية - حيث الجيش الوطنى الليبى الذى يحقق قدرًا من الأمن اللازم لممارسة الحياة السياسية - وقاموا بتشكيل حكومة وطنية، اعترف بها المجتمع الدولى.

وأصبح فى ليبيا حكومتان تتنازعان السلطة، إحداهما غير شرعية فى غرب البلاد وأخرى شرعية فى طبرق شرق البلاد.

ونتج عن هذا الوضع تفشى العديد من المخاطر وانتشار الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى بعض المناطق والمدن الليبية.

وحاول المجتمع الدولى المساهمة فى تفعيل حل سياسى وانتهاج مسار تفاوضى بين الأطراف المتصارعة فى ليبيا من خلال عقد عدة جولات للحوار السياسى، أسفرت عن توقيع اتفاق سياسى بينها فى منتصف ديسمبر ٢٠١٥ بمدينة الصخيرات المغربية برعاية الأمم المتحدة، تضمن تشكيل مجلس رئاسى من ٩ «أعضاء» يقود مرحلة انتقالية تنتهى بانتخابات تشريعية.

حظى المجلس الرئاسى وحكومة الوفاق الوطنى اللذان انبثقا عن اتفاق الصخيرات باعتراف المجتمع الدولى ولكن مجلس النواب الموجود فى طبرق لم يمنحهما الثقة كما نص على ذلك اتفاق الصخيرات الذى اشترط حصول حكومة الوفاق على ثقته.

وأصبح فى ليبيا ثلاث حكومات «حكومة شرق برئاسة عبدالله الثنى، وحكومة وفاق وطنى، ثم حكومة خليفة غويل المنتهية ولايتها فى الغرب».

وكذا مجلسان تشريعيان «مجلس النواب فى طبرق، والمؤتمر الوطنى فى الغرب».

أما الجنوب الليبى فقد سيطرت عليه القبائل الليبية «قبيلة التبو التى تتبع حكومة طبرق فى الشرق -وقبيلة الطوارق التى تدعمها حكومة غرب ليبيا.

رغم كثافة الجهود الدولية والإقليمية وخاصة من جانب مصر للتوصل إلى تفاهمات بين الفرقاء الليبيين ومحاولة تجاوز النقاط الخلافية فى اتفاق الصخيرات، خاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلة المجلس الرئاسى، وفصل المجلس الرئاسى عن الحكومة - وتحديد صلاحيات القائد الأعلى والقائد العام للجيش، وبعض النقاط الأخرى. إلا أن العديد من العقبات ألقت بظلالها على جهود التسوية النهائية.. ومنها:

-١ سيطرة التيارات الدينية على الأوضاع الميدانية فى مصراتة وطرابلس، وتأثيرها على قرارات حكومة الوفاق الوطنى والمجلس الرئاسى ومنعهما من اتخاذ إجراءات تحقيق المصالح الوطنية للشعب الليبى خاصة فى ظل نفوذ قيادات المؤتمر الوطنى المنتهى ولايته وحكومة ما يطلق عليها الإنقاذ الوطنى بقيادة/ خليفة الغويل. وتدخل كل طرف لتحريك ميليشياته المسلحة لفرض إرادته على المجلس الرئاسى وتقليص سلطة حكومة الوفاق الوطنى.

٢ -غياب عوامل الثقة والشفافية بين كتلة الشرق «مجلس النواب الشرعى والجيش الوطنى الليبى» و»كتلة الغرب» حكومة الوفاق الوطنى والمجلس الرئاسى خاصة فى ظل عمليات الاستقطاب الخارجى للتحكم فى مسارات إنهاء الأزمة وفقا لمصالحها.

٣-حالة الفوضى السياسية فى ظل تعدد الحكومات. والمتناقضات داخل مجلس النواب.

٤-تراجع الثقة والإجماع الشعبى حول شخصية فايز السراج كرئيس لحكومة الوفاق الوطنى فى ظل ضعف أدائه ونفوذه لدى كتلة الغرب، والتى تتحكم فى القرار السياسى للحكومة والمجلس الرئاسى.

• وفى الشأن الأمنى والعسكرى:

انتشرت الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى العديد من المناطق الحيوية فى ليبيا بدعم من أطراف خارجية لها أهداف سياسية فى صياغة مستقبل ليبيا والتحكم فى مصيرها الأمر الذى أحدث حالة من الفوضى والصراع بين الشرق والغرب والجنوب وأصبح يهدد باندلاع حرب أهلية.

وعلى جانب آخر تزايدات ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر الأراضى الليبية. مع تورط تنظيمات إرهابية فى الإتجار بهذه العمليات لتحقيق عائد مادى ضخم يساعدها على تنفيذ عملياتها الإرهابية داخل وخارج ليبيا - وقد رصد فى هذا المجال وصول حوالى “ ٣٦٠ ألف مهاجر» غير شرعى إلى أوربا عبر إيطاليا واليونان عام .٢٠١٦

أما الجيش الوطنى الليبى فقد حقق العديد من الأعمال الناجحة فى مجال مواجهة التنظيمات الإرهابية، حيث تمكن فى شرق ليبيا من حصر الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى مناطق محدودة، مثل جماعة أنصار الشريعة التى تم حصارها فى مدينة درنة كما تم تحريره لمدينة بنغازى.

وفى وسط ليبيا تمكن الجيش من السيطرة على المداخل الغربية والجنوبية لمدينة الجفرة وانسحبت الميليشيات من مصراتة، كما انسحبت سرايا الدفاع عن بنغازى من منطقة الجفرة باتجاه غرب مدينة سرت أما فى الجنوب فقد تمكن من السيطرة على قاعدتى «تمنهنت- يراك الشاطئ» بالتنسيق مع وعواقل الجنوب.

• وفى الشأن الدولى والإقليمى:

فقد استمرت حالة اختلاف

الرؤى حيال التعامل مع أبعاد الأزمة رغم جهود البعثة الأممية للتوفيق بين الفرقاء الليبيين فى ظل التدخلات السلبية لبعض الأطراف الخارجية لتحقيق مصالحها على حساب المصالح الليبية..

وفى مصر يجرى احتضان لقاءات عديدة بين الفرقاء الليبيين بواسطة اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا برئاسة الفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقد أسفرت هذه اللقاءات عن توافق حول عدد من الثوابت الوطنية على رأسها الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وسلامتها، وتأسيس هيكل مستقل للدولة ودعم مؤسساتها والحفاظ على الجيش الليبى ورفض وإدانة التدخل الأجنبى والتأكيد على حرمة الدم والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمى للسلطة، وتعزيز المصالحة الوطنية ومكافحة أشكال التطرف والإرهاب.

وفى أوائل مايوم ٢٠١٧ وبترتيب من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تم ترتيب لقاء بين السراج وحفتر فى أبو ظبى وسط ترحيب من مصر وفرنسا.

وقد خرج اللقاء بالاتفاق على دعم كل الثوابت الوطنية التى تم التوافق عليها من قبل فى القاهرة، ولكن تعدد أطراف الأزمة الليبية واختلاف توجهاتها ومصالحها وعدم السيطرة على كثير من الميليشيات المسلحة فى العاصمة طرابلس ومعظم الغرب الليبى.. عرضت كل هذه الاتفاقات لعدم التنفيذ.

وتستضيف فرنسا كلا من السراج وحفتر ليخرجا لأول مرة ببيان مشترك ينص على اتفاق حفتر والسراج على وقف إطلاق النار، فيما عدا ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وعلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى الربيع المقبل، والتعهد بالسعى لإقامة دولة مدنية ديمقراطية تضمن الفصل بين السلطات والدعوة إلى نزع سلاح الميليشيات واستيعاب من يرغب منهم فى الجيش النظامى، أو إعادة دمجهم فى الحياة المدنية، وإقامة دولة القانون واحترام حقوق الإنسان.

وقد تلاحظ أن البيان لم يتطرق ولو بالإشارة إلى ما سبق الاتفاق عليه فى أبو ظبى، بإعادة تشكيل المجلس الرئاسى من ثلاثة أعضاء فقط هم السراج وحفتر وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب المعترف به دوليا بدلا من تسعة ولا إلى إلغاء الفقرة الثامنة من اتفاق الصخيرات التى تسببت فى رفض مجلس النواب منح الثقة لحكومة السراج والتى تتعلق بقيادة الجيش الوطنى وتحاول تهميش دور حفتر، كما لم يذكر البيان شيئا عن الدمج التدريجى للكيانات البرلمانية المتنافسة فى طبرق وطرابلس أو تشكيل مجلس أعلى للمصالحة من ١٠٠ عضو من أعيان وحكماء القبائل ومؤسسات المجتمع المدنى للإعداد لمؤتمر المصالحة والعفو العام.

وبينما تشكك البعض من قدرة السراج على إنهاء وجود الميليشيات وتوحيد المؤسسات، نظرا لعدم حصوله على تفويض من داعميه فى طرابلس ومصراتة للتفاوض، ومطالبة حفتر بضمانات تؤكد انصياع الميليشيات فى طرابلس ومصراتة بصفة خاصة لتنفيذ الأنفاق. ويأتى تشكك حفتر هذا بناء على ما سبق وقامت به ميليشيات داعمة للسراج - عقب اتفاقهما فى أبو ظبى بأيام قليلة - بالهجوم على قاعدة «براك الشاطئ» الجوية فى الجنوب الليبى وقتل حوالى مائة رجل من قواته. الأمر الذى تسبب فى وقف المفاوضات بينهما، إلى أن تمكن من استعادة القاعدة ومعها قاعدة تمنهنت ثم قاعدة الجفرة.

• وفى أول أغسطس ٢٠١٧

تتدخل مصر لرأب الصدع ودفع الفرقاء نحو المصالحة وإنهاء الخلاف وتستقبل وفدين ليبيين من برقة ومصراتة، وعلى مدى ثلاثة أيام تتم لقاءات بين اللجنة المصرية المعنية بليبيا وكل وفد على حده ثم جمعهما فى لقاءات مشتركة ليتفق الجميع على خارطة عمل وفق جدول زمنى للوصول إلى مصالحة حقيقية تنهى الاستقطاب وتحفظ وحدة التراب الليبى والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة على أساس التداول السلمى للسلطة.

وسط هذا الترقب لما يحدث فى ليبيا بين التشكك والأمل فى الوصول إلى واقع على الأرض الليبية لهذه الاتفاقيات، يشتعل الشارع الليبى وتخرج الوقفات الاحتجاجية فى المدن تنديدًا باتفاق أبرمه رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى «فايز السراج» مع الحكومة الإيطالية، يقضى بمساعدة إيطاليا حرس السواحل والبحرية الليبية فى جهود مكافحة الهجرة، غير الشرعية، ورغم أن السراج كان قد أصدر بيانا عقب الاتفاق أكد فيه أن هذا الاتفاق لا يمنح الإيطاليين الإذن بدخول المياه الإقليمية الليبية، معتبرًا الاتفاق استكمالًا لبرنامج دعم خفر السواحل الليبى من أجل تأمين ومراقبة الحدود. إلا أن المشير خليفة حفتر بصفته قائد الجيش الوطنى الليبى أصدر أوامره بالتصدى لأى قطعة بحرية تقترب من المياه الإقليمية الليبية وضربها.

وتبقى ليبيا فوق صفيح ساخن إلى أن يقرر أبناؤها نبذ خلافاتهم وجمع شملهم وامتلاك قراراهم لينقذوا دولتهم.. والسؤال: متى يتحقق ذلك.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة