أتعجب من كثرة العاطلين والمتسولين؛ مقاهي مُكتظة على مدار أربع وعشرين ساعة، شباب يقضي يومه في تجمعات على نواصي الشوارع أو داخل المولات، صوت النرد والضحكات تصدح قبل الفجر وحتى شقشقة النهار.
لا يختلف الأمر بل يزداد سوءاً مع قبيلة المتسولين في الشوارع بكافة طرقهم الملتوية اللحوحة، والتي تتطور إلى الالتصاق بك وجذبك من ثيابك، ومحاصرتك بعبارات كاذبة رتيبة، وتصبح كُرة في مباراة بينهم من أجل حصيلة يومية تفوق مرتبات الكُل.
وأتساءل كما يفكر العقلاء، ما هذا الفراغ وكيف يقبل شاب على نفسه المكوث عاطلاً ويقضي يومه نؤوماً بلا هدف، وكيف يقبل إنسان على نفسه التسول والاستجداء والمهانة بالزور، أين تعاليم ديننا، أين ما تلقيناه في صغرنا من تعاليم إنسانية وإجتماعية؛ والمحصلة موت مصطلح "العمل عبادة".
بإعمال العقل والتدبر؛ نجد أن ديننا الحنيف حث على العمل؛ قال تعالى في كتابه: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»؛ فرسم الإسلام منهجاً متكاملاً، يقوم على مراعاة التوازن بين حقوق العمال، وحقوق أصحاب العمل على حد سواء.
فالعمل هو أساس الحياة البشرية و دعامة تقدمها، ولأجل ذلك كان نظام العمل من الأمور التي أولتها الحضارة الإسلامية رعاية واهتماماً، وذلك بمتابعة المستجدات حول هذا النظام، ومواكبتها بالأحكام والضوابط، والحرص على مراعاة احتياجات العمل وصاحب العمل.
ولقد كان من بوادر تنظيم العمل في الإسلام نظرة التكريم للعاملين، والدعوة الصريحة إلى العمل من أجل حياة كريمة، والأهم في هذه الدعوة هو العمل الحلال، والذي به تستقيم الحياة وهو يشمل كل جهد يقوم به الإنسان؛ يمكن أن يكون ذهنياً، أو يدوياً، أو بدنياً، أو غير ذلك سواء كان لشخص، أو لجهة عامة أو خاصة.
والعمل في مفهوم الإسلام نوعان: عمل للدنيا، وعمل للآخرة، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».
والإسلام أمر الناس بالسعي في طلب الرزق، قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه وإليه النشور».
ثم إنَّ الله تكفل للناس بالرزق؛ فقال تعالى: «وفي السماء رزقكم وما توعدون فوربِّ السماء والأرض إِنَّه لحقٌّ مثلما أنكم تنطقون».
ولأهمية العمل في الإسلام فقد جاءت الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية بالحث على العمل الصالح مقترناً بالإيمان، قال تعالى: «الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحُسنُ مآب»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان».
والإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى العمل، وبيان فضله، بل حذَّر من البطالة، والكسل، والتواكل، ولذا جاء الإسلام بالآداب ومكارم الأخلاق من أجل تربية الناس تربية إسلامية وتحليهم بالأخلاق الحسنة، وحثهم على العمل وعدم الكسل وسؤال الناس، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبلاً فيأخذ حزمة من حطب فيكف الله به وجهه خير من أن يسأل الناس أعطي أو منع».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو يستكثر».
ومن أقبح الموارد المعيشية في الإسلام الاعتماد على جهد الآخرين والتسوُّل من غير ضرورة، ولذلك فضل الإسلام المُعطي على الآخذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمَنْ تعول».
وعلى هذا؛ فمعضلة الحياة الكريمة تكمن في الرضا بما قسمه الله من الرزق، فلا يكون حبُّ الترف وجمع المال غاية الحياة ؛ فهو تعالى مُقسم الأرزاق بين الناس، وفضَّل بعضهم على بعض في الأرزاق لحكمة يعلمها هو، فقال تعالى: «أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرياً ورحمة ربك خير ممَّا يجمعون».
الخلاصة؛ الدين منهج سوي للحياة من أجل الجبر في الآخرة ،ولابد أن يعمل الجميع من أجل تجديد الخطاب الديني والإيماني ،بتوجيه الناس نحو السعي في طلب العمل الصالح الحلال ؛ فالإيمان هو ما وقر في القلب وصدَّقه العمل الصالح، والله لا يقبل إلا ما كان طيباً وعملاً صالحاً قال تعالى: "إليه يصعد الكلمُ الطيب والعمل الصالح يرفعه".
فلننصح المتنطعين ونرشد المتواكلين ولا نشد على يد ممدودة قادرة على العمل.