الإثنين 25 نوفمبر 2024

فتحي رضوان .. المفكر الحر والمجاهد المتمرد!

  • 12-2-2017 | 17:04

طباعة

محمد رضوان

احتل المجاهد الكبير فتحى رضوان “1988-1911” مكانة كبيرة فى قلوب المواطنين المصريين الذين يعرفون قدر الرجل ودوره الوطنى الفعال فى الجهاد من أجل بناء مصر الحديثة الحرة، ورغم تعدد اهتمامات الرجل وجمعه بين عدة عناصر هى السياسة والمحاماة والأدب حتى سئل ذات يوم هل هذه العناصر متوازنة فى شخصيتك فكان جوابه أنها ليست ثلاثة عناصر بل عنصرا واحدا تهدف إلى محاولة التغيير إلى الأفضل للوطن والمجتمع، فما من إنسان مهما صغر شأنه حاول أن يغير إلا وكانت “الكلمة” وسيلته إلى هذا التغيير وقد تكون هذه الكلمة شعراً وقد تكون نثراً وقد تكون “مرافعة قانونية” فإذا ما بلغت “الكلمة” أسمى درجات البلاغة سميناها “قرآنا”.

وقد كان سجل فتحى رضوان فى مجال الأدب والفكر والسياسة والقانون مجالاً لاختلاف المؤرخين حول دوره الوطنى وتوصيفه، فالبعض اعتبره من فريق المصلحين والبعض وصفه من فريق الثائرين، فترى لأى من الفريقين ينتمى فتحى رضوان من واقع طبيعته وأفكاره ومسيرة حياته.

وكان جوابه دائماً حول هذا التوصيف واحدا هو أن المصلح لا يكون مصلحاً إلا إذا كان ثائراً، ذلك لأن الإصلاح لا يكون إلا ثورة على فساد قائم والعمل لا يستحق اسم “الثورة” إلا إذا كان إصلاحاً ومن هنا يصح أن يصنف “الثوريون” الذين يلجئون إلى “الوسائل السلمية” فى قائمة المصلحين.

وقد ظل فتحى رضوان الأديب والفنان والمحامى والقانونى والسياسى والمجاهد حتى آخر حياته مشعلاً مضيئاً للوطنيين المصريين، فقد اعتقل تسع مرات قبل ثورة 1952 وهو يجاهد كأحد قادة “حزب مصر الفتاة” ثم اعتقل ضمن معتقلى حملة سبتمبر 1981 وأفرج عنه بعد اغتيال أنور السادات فى أكتوبر 1981، وقد اعترف كامل زهيرى أن فتحى رضوان كان بمثابة ذاكرته الوطنية، وقد عاش فى رحاب السيدة زينب، وكان خطيباً جياشاً قوياً، كما كان فى الكتابة والخطابة وطنياً صنعت عنده الوطنية لأنه أخذها من منابعها الصافية عن مصطفى كامل ومحمد فريد، وظل نموذجاً رائعاً للثبات على المبدأ، والحركة الدائمة وحتى بعد أن جاوز السبعين من عمره كان ينزل إلى الشارع مع صفوف الشباب يقود المظاهرات دفاعاً عن الوطن.

سيرته ومسيرته الفكرية

فى الرابع عشر من شهر مايو سنة 1911 ولد السياسى والأديب والمفكر فتحى رضوان عثمان بمدينة المنيا بصعيد مصر، حيث كان والده يعمل مهندساً للرى بالمنيا وإن كانت أصوله للأب والأم تعود إلى محافظة الشرقية ، وعندما انتقل والده بحكم عمله إلى الجيزة سكنت أسرته في حي السيدة زينب بالقاهرة ذلك الحي الشعبي العريق الذي كان له على الدوام تأثير عميق فى حياة فتحى رضوان وفى أدبه بخاصة.

وعند انتقال أسرته إلى القاهرة لحق بمدرسة محمد على الابتدائية، وعندما نقل والده بعد ذلك إلى بنى سويف أتم دراسته الابتدائية فى مدرسة بنى سويف الابتدائية وحصل منها على الشهادة الابتدائية سنة 1924.

غير أنه عاد إلى القاهرة مرة أخرى واستقر فيها منذ سنة 1925 حين لحق بكلية الحقوق، وعلى الرغم من تخصصه فى دراسة القانون إلا أن ميوله الأدبية كانت غلابة، فتعرف بأعلام الأدب فى عصره أمثال طه حسين ومنصور فهمى وأحمد أمين وعبدالوهاب عزام وغيرهم.

وعندما تخرج فتحى رضوان فى كلية الحقوق سنة 1933 اشتغل بالعمل الوطنى، فقاد مع رفيق كفاحه أحمد حسين “حزب مصر الفتاة”، حتى إذا كانت سنة 1942 ترك “حزب مصر الفتاة” واشترك فى “الحزب الوطني” الذى أنشأه مصطفى كامل ومحمد فريد، ولم يلبث أن انفصل عن “الحزب الوطني” وأنشأ “اللجنة العليا للحزب الوطني” وأصدر صحيفة “اللواء الجديد”.

وعندما قامت ثورة يوليو سنة 1952 عين وزيراً للثقافة والإرشاد القومى.. وكان له دور كبير فى إحداث نهضة ثقافية وفنية خلال فترته التى امتدت من سنة 1952 حتى 1958.. وظل طوال حياته يعمل فى المحاماة ويشتغل فى نفس الوقت بالسياسة والصحافة يمارسهما إلى جانب عمله الرسمى بمختلف أشكاله وألوانه.

ولم تشغله حياته المليئة بالعمل والنشاط عن هوايته الأدبية، وتأليف الكتب فى الموضوعات الأدبية والتاريخية والسياسية.

أشهر مؤلفاته الأدبية والسياسية: عصر ورجال- مشهورون ومنسيون - أفكار الكبار - مصطفى كامل - أسطورة حب - 72 شهرا مع عبدالناصر.

كما ترك سيرة ذاتية فى ثلاثة كتب هي: محام صغير - خط العتبة - الخليج العاشق.

وقد احتفل المجلس الأعلى للثقافة فى أكتوبر 1998 بذكرى مرور عشر سنوات على رحيل فتحى رضوان، وصدرت فى هذه المناسبة بعض مؤلفاته، كما جمعت بعض مقالاته فى الصحف والمجلات وصدرت تحت عنوان: “فتحى رضوان بين السياسة والأدب” حيث عاش حياته كلها مدافعاً عن مبادئ الحرية والكرامة، وبرغم أنه عاش حياته كلها من أجل مصر إلا أنه ربط ذلك بنظرته العربية الشاملة، حيث كان إيمانه بدور مصر العربى دوراً أساسياً وجوهرياً فى مسيرته الفكرية والقومية.

ومن مؤلفاته اللافتة كتابه "عصر ورجال" الذي أرخ فيه لعدد كبير من أدباء مصر ومفكريها مثل: العقاد والمازني وطه حسين وأحمد لطفي السيد، وقد وصفه الكاتب الأديب كمال النجمى بأنه كان مثقفاً مصرياً عربياً إسلامياً، لا يجد أدنى تناقض بين مصريته وعروبته وإسلامه ولا يقول مثل بعض المتخلفين عن الزمان والمكان “أنا مسلم والإسلام لا يعرف الجنسية المصرية ولا القومية العربية”.

وكان إسلامه واقعياً وهو الذى يأخذ من حميم الحياة كما تأخذ الحياة من حميمه ويجرى مع الزمن أولاً وآخراً ولا يجعل نفسه نقيضاً له.

كان خطيباً مفوهاً لكنه لم يستسلم قط لنزعته الخطابية فى أمر الدين، والتزم الأمانة والرصانة فى تبصير المسلمين بحقائق الدنيا التى يعيشون فيها بين أصحاب ديانات ومذاهب وسياسات عديدة وكانت له فى بعض كتاباته سبحات صوفية يلجأ إليها فى ساعات الكلل أو الملل من الواقع الثقيل، ولكنه فى كل حال كان شديد اليقظة إلى الحقائق التى ينبه إليها الناس، وبلغ غاية اليقظة فى الشوط الأخير من حياته الحافلة، فكافح فى صفوف المناضلين من أجل العدالة الاجتماعية والسياسية وحقوق الإنسان وتصدر الدعاة إلى مقاومة الصهيونية والاستعمار الأمريكى.

وكان مسلماً متفتحاً يكره الجمود والتخلف والفهم الخاطئ لجوهر الإسلام، فكتب وسط الفصول الحافلة عن الشريعة ونظام الحكم فى الإسلام ويستقبل التشريع الإسلامى وإعجاز القرآن فصلاً عن “موسيقى القرآن” حيث كان يؤكد فى كتاباته على أن دور القرآن الكريم لم يقتصر على الآثار الواضحة من كونه أداة التبليغ وديوان بلاغة العرب ووعاء المعرفة الإسلامية وقانون المسلمين وشريعتهم الكبرى فهو إلى جانب هذا كله أداة لصقل الأذواق وقد تجلى فكره الإسلامى المستنير الواعى فى دراساته الإسلامية القيمة: الإسلام ومشكلات الفكر - الإسلام والمذاهب الحديثة - فلسفة التشريع الإسلامى.

وقد وصفه يحيى حقه بأنه كان رجلاً طاهر القلب طاهر اليد ولد فى بوتقة السياسة، لكن هوى قلبه مع الأدب والفن وقد تمسك فى السياسة بالمثل العليا، حيث كان يؤمن بأن كل تضحية فى سبيل الوطن واجبة بلا جدال وقد ارتبط إخلاصه للشعب بإخلاصه لقضايا وطنه السياسية، فكان حبه لمصر ناراً متقدة فى قلبه فهو دائم التحفز دائم القلق دائم الحركة شديد الحساسية، وقد سماه المفكر جلال أمين “المعارض الأبدي” الذى كان غالباً معرضاً للاصطدام بالسلطان فى أمور تتعلق بالمبدأ أو الكرامة الشخصية أو الانتصار للحق، ورأى أحمد بهاء الدين فى فتحى رضوان فى سنواته الأخيرة شاباً فى السبعين رغم أنه كان وزيراً للإرشاد فى بداية ثورة 1952 إلا أنه بعد اختلافه مع عبدالناصر عام 1962 صمم على اعتزال المنصب رغم الإلحاح عليه بالبقاء وبعد موت عبدالناصر يتغير ولم يتلون وفوجئ أعداء عبدالناصر بفتحى رضوان يدافع عن عبدالناصر بقوة، ويؤكد أنه رغم أنه كان يختلف معه فى أشياء إلا أنه كان يراه فى النهاية بطلاً وطنياً وقومياً عظيماً.

وكان المفكر د. أنور عبدالملك يرى فتحى رضوان عميداً لحركتنا الوطنية المصرية، فى قلب دوائرها العربية والإسلامية والشرقية رائداً وقائداً ومعلما واعتبره عميداً للحركة الوطنية المصرية والذى كافح من أجل مصر منذ الثلاثينيات فى حركة “مصر الفتاة”.

وفى حوار للكاتبة الصحفية أمينة النقاش مع المجاهد الكبير فتحى رضوان نشر فى مجلة العربى الكويتية فى فبراير 1988 أى قبل وفاته بثمانية أشهر قال: “لقد نشأت شاباً عادياً فى المجتمع المصرى، وحين نتأمل فى هذا المجتمع نجد أن كثيراً من التيارات التى تبدو متعارضة أحياناً، هى فى الواقع تيارات متناسقة، ومنتظمة فى آن واحد، فالعروبة والمصرية قد تتعارضان فى تصور بعض الأشخاص الخاضعين لمؤثرات بعينها، لكن المصرى الأصيل يؤمن بعروبته، ويعتز بها بالفطرة، وعبر حكاياته الشعبية لقد أدركنا نحن أبناء هذا الجيل قضية الوحدة العربية، وأنها ضرورة فى وقت توحش فيه الاستعمار، وأصبحت فيه الوحدة هى العدو اللدود للاستعمار، فبذل - ولا يزال يبذل - جهوداً مضنية لعمل الانقلابات والمؤامرات واصطناع الحكام المعادين للعروبة والتوحد الفعلى للعرب لكن الصورة ليست مظلمة، فإلى جانب هذا وذاك يوجد فى الأمة مثقفون وسياسيون لا يرضون عن هذا الفساد الذى يستشرى فى جسدها، ويزداد تعلقهم بالوحدة يوماً بعد آخر، وإيمانهم عميق بقضيتى الوحدة والعروبة.

ومن المفارقات العجيبة فى حياة فتحى رضوان المجاهد والمعارض المتمرد العاشق لمصر أنه بعد حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 بدأت حملة اعتقالات للمعارضين وكان من بينهم فتحى رضوان الذى اعتقل فى فبراير 1952 لاتهامه بالاشتراك مع أعضاء حزب “مصر الفتاة” فى أحداث حريق القاهرة، ولكنه أفرج عنه بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بأيام ليسافر على طائرة خاصة إلى الإسكندرية لكى يحلف اليمين الدستورية كأول وزير للإرشاد القومى لحكومة الثورة.

والمرة الأخيرة التى اعتقل فيها كانت فى حملة اعتقالات سبتمبر 1981 التى تمت فى أواخر عهد الرئيس السادات وبعدها بأيام خرج من المعتقل إلى رئاسة الجمهورية فى أكتوبر 1981 ليقابل رئيس مصر الجديد وليبدأ مرحلة أخرى من جهاده وكفاحه الوطنى من أجل مصر.

فتحى رضوان الإنسان

وهناك لمحات إنسانية فى حياة فتحى رضوان المحامى والسياسى والأديب والمفكر والمجاهد منها أنه تزوج من السيدة “نفيسة” فى عام 1941 شقيقة الشهيد كمال الدين صلاح الذى استشهد فى الصومال وقد أنجبا ثلاثة أبناء ولدين وابنة واحدة هم: عصام وعمرو وعزة وقد شاركته زوجته كل لحظة كبيرة وصغيرة فى حياته لحظات الانتصار ولحظات الاعتقال سواء فى نضاله من أجل الوطن وأثناء فترات مرضه وظلت مساندة لزوجها المجاهد فى كل اللحظات وكانت أشد لحظات محنتها اعتقاله فى حملة سبتبمر 1981 بعد احتفاله بعيد ميلاده السبعين بشهور قليلة، وهو شيخ مريض يحتاج للدواء والرعاية وهى التى شاركته الحياة حلوها ومرها على مدى أربعين عاماً وعندما رحل عن الحياة فى الثانى من أكتوبر 1988 ظلت تبكيه وعندما ذهبت صحفية لمقابلتها فى منزلها وجدتها تبكى فى صمت وهى تقول: “كل شيء فى هذا البيت ينطق به وبوجوده كيف أعيش بعد ذلك دون أن يظهر أمامى ويملأ البيت بنشاطه. هذه المكتبة فى الغرفة المقابلة، كلما أرفع عينى وأراها أتصور أننى أراه يقف أمامها يضع كتاباً ويأخذ كتاباً.. كانت الكتب والأوراق كل حياته”.

أفكار الكبار

على مدى رحلتى الصحفية والأدبية كان من أمنياتى الالتقاء بالمجاهد الأديب المفكر فتحى رضوان لكن الظروف لم تتح لى هذه الفرصة، لكن فى مطالع عام 1976 فوجئت بمقال له منشور فى مجلة الثقافة التى كان يرأس تحريرها د. عبدالعزيز الدسوقى “2015-1925” عن كتابى “صفحات مجهولة من حياة زكى مبارك” الذى نشر فى سلسلة كتاب الهلال فى فبراير 1976 بمقدمة للشاعر صالح جودت “1976-1908” تناول فيه ذكرياته مع الدكاترة زكى مبارك وأثنى فيه على هذا الكتاب الذى وصفه ب “القيم” والذى أبدى فيه اعتذاره عن عدم الكتابة عن زكى مبارك فى كتابه “عصر ورجال” الذى سبق وصدر فى مجلدين لكنه ذكر أن كتابى عن زكى مبارك هو الذى حفزه للكتابة عن هذا الأديب المظلوم، ثم فوجئت بصدور كتابه الأخير “أفكار الكبار” عام 1978 عن الهيئة المصرية للكتاب متضمناً مقاله عن زكى مبارك ومشيراً فى مقدمة الكتاب أنه كتب مقاله المطول عن زكى مبارك بمناسبة صدور كتابى عنه فى سلسلة كتاب الهلال، وكم كانت سعادتى كبيرة بثناء المجاهد الكبير على كتابى واعتبرت اهتمامه بكتابى وثنائى عليه هو الوسام والجائزة التى نلتها عن أول كتاب يصدر لى فى مسيرتى الأدبية وكم حزنت عندما فوجئت باعتقاله .

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة