الجمعة 19 ابريل 2024

علماء مصريون عظماء وقصص نجاحهم الملهمة 25

مقالات14-12-2022 | 20:19

د. أحمد مستجير أبو الهندسة الوراثية.. العالم الأديب

اشتهر الاستاذ الدكتور أحمد مستجير مصطفى، العالم الاديب بأبو الهندسة الوراثية، ويقول عنه الأستاذ الجليل د.محمود حافظ رئيس المجمعين فى حفل استقباله عضوا بمجمع اللغة العربية فى كلمة ألقيت بالمجمع يوم الأربعاء 21 من ديسمبر سنة 1994، إنه عالم من طراز نبيل حقق العديد من الإنجازات والاكتشافات التي خدمت بلاده وأمته، آمن بدور العلم في إسعاد الفقراء، وحل المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم بالعلم الذي امتلك ناصيته، هو أيضا أديب وشاعر مرهف الحس  صاحب أسلوب مميز، كتب العديد من الدواوين والكتب التي وضع فيها عصارة فكره وخلاصة جهده في مجال الأدب والشعر، وهو أيضا الإنسان صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة الذي عشق بيئته وانطلق منها إلى فضاء العلم إنه العالم المصري الدكتور أحمد مستجير.

الاستاذ الدكتور أحمد مستجير مصطفى، أبو الهندسة الوراثية

  • عندما اراد ان يعرف نفسه قال: "أنا في الحق موزع بين شاطئين كلاهما خصب وثري، أجلس على شاطئ وأستعذب التأمل في الآخر.. وأعرف أن الفن أنا، والعلم نحن، ذبت في الـ نحن وأحن إلى الأنا، وأعرف أن الفن هو القلق وأن العلم هو الطمأنينة؛ فأنا مطمئن أرنو إلى القلق".
  • الدكتور أحمد مستجير هو عالم من صفوة علمائنا برز فى مجال العلوم الزراعية وسطع نجمه من كثرة ما أل وفروعها المستحدثة وكذلك فى الأدب والشعر، التقيت به شخصيا عدة مرات وشاركنى فى اكثر من مناسبة دعوته اليها ضمن فعاليات مركز التراث العلمى بجامعة القاهرة  فكان فى احاديثه عالما واديبا وإنسانا جميلا يتحدث فى كل المجالات بنفس الاداء والحرفية.  
  • ولد د.احمد مستجير فى الأول من ديسمبر عام 1934 فى قرية الصلاحات التابعة لمركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، حيث نشأ فى بيت من بيوت العلم والأدب، وكان والده مدرسا للغة العربية يقتنى مكتبة غنية بالكتب الأدبية والدينية أقبل عليها مع إخوته السبعة وهم فى الطفولة والشباب الباكر بشغف ملحوظ بالقراءة، وكان أن رسخت هذه الرغبة فى القراءة والاستزادة من المعرفة فى ذهنه ووجدانه فى مراحل حياته بعد ذلك، حيث قضى طفولته بهذه القرية بين مروجها الخضراء وظلالها الوارفة وعطرها وأريجها وكانت لهذه الطبيعة الخلابة انعكاساتها عليه فأحبها وعشقها، وظلت هذه الأحاسيس تنمو معه أيضا فى صباه وشبابه جنبا إلى جنب مع عشقه للقراءة.
  •  وما إن أتم دراسته الابتدائية بمدرسة المطرية ودراسته الثانوية بتفوق بمدرسة الملك الكامل الثانوية بالمنصورة حتى التحق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة وكأنه بدراسته فى هذه الكلية قد استجاب تلقائيا لما كان قد احتشد فى خلفيته الأولى واختزنه فى وجدانه من حب لتلك البيئة النباتية فى قريته التى نشأ فيها وأحبها وعاش بين ظلالها ومروجها.
  •  بعد تخرجه فى كلية الزراعة عام 1954 كان ترتيبه الخامس على الدفعة، عمل خبيرًا زراعيا بوزارة العدل ثم حصل على منحة بالمركز القومى للبحوث لحصوله على تقدير جيد جًّدا فى درجة البكالوريوس. وكان أن تابع دراسته العليا بالمركز لدرجة الماجستير فى تربية الحيوان، وبعد حصوله على هذه الدرجة سافر عام 1960 إلى بريطانيا ليلتحق بمعهد الوراثة بجامعة إدنبره باسكتلندا وحصل أول على دبلوم وراثة الحيوان عام 1961 بدرجة الامتياز لأول مرة فى تاريخ المعهد ثم حصل على درجة دكتوراه الفلسفة عام 1963ـ مع أستاذه "آلان روبرتسون"، برسالة كتبها ولم يصوب فيها استاذه إلا ثمانى كلمات فقط..! وبعد عودته إلى الوطن عين مدرسا ثم أستاذا مساعدا ثم أستاذا لعلم الوراثة وتربية الحيوان عام 1974 بكلية الزراعة بجامعة القاهرة؛ وبعد ذلك انتخب عميدا للكلية عام 1986 ، وظل يشغل هذا المنصب لثلاثة دورات.
  • من الطرائف التى تحكى عنه افتتانه بأستاذه في الكلية «د. عبد الحليم الطوبجي» أستاذ علم الوراثة، فكان أن سلك ذات التخصص، وبلغت ثقة «الطوبجي» في مستجير الطالب أنه لما أحتاج أن يكتب مذكرة للطلاب ولم يكن وقته يسمح بذلك أن يقوم بأعطاء الطلاب ما كتبه مستجير في المحاضرات.
  • كان يرى أن البيوتكنولوجيا تستطيع إسعاد الفقراء، فهي تتضمن زراعة الأنسجة ودمج الخلايا والهندسة الوراثية – وباستخدامها يمكن إنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، ولان البشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، فقد ركز ابحاثه في استنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل الملوحة والجفاف
  • حفلت حياته العلمية التى امتدت أربعين عاما بنشاط كبير وإنجازات رائدة، فقد أنشأ مدرسة علمية يعتد بها فى مجال علوم الوراثة وتربية الحيوان ونشر أكثر من أربعين بحثا بالمجلات المصرية والعالمية تناولت دراسة وراثة الصفات المرتبطة بالجنس والنتخاب العائلى والتحسين الوراثى فى الحيوان، وأهمية التلقيح الصطناعى وقيمته فى رفع إنتاج اللبن واللحم فى مصر وإمكان استخدام الهندسة الوراثية والتكنولوچيا الحيوية فى مجال الإنتاج النباتى والحيوانى فى مصر، وغير ذلك من البحوث العلمية والتطبيقية التى تخدم القتصاد القومى.
  • بالإضافة إلى بحوثه العلمية فى مجال تخصصه لفت الدكتور مستجير إليه الأنظار لثقافته العلمية والأدبية وجهوده الفائقة فى التأليف والترجمة ونقله إلى اللغة العربية كتبا هامة فى العلم والأدب والفلسفة، حيث بلغت جملة كتبه المؤلفة والمترجمة 31 كتابا منها أربعة كتب مؤلفة فى التحسين الوراثى للحيوان، وعشرون كتابا مترجما فى العلوم والفلسفة،  وسبعةُ كتب فى الأدب منها خمسة كتب مؤلفة واثنان مترجمان.
  • شغف الدكتور مستجير بالترجمة إلى العربية منذ تخرجه فى الجامعة؛ وأول كتاب نقله إلى العربية لمؤلفه سوليفان كان عن فلسفة العلم، وكان قد تأثر بما جاء فيه إلى حد كبير ـ ومن بين كتبه الأخرى المترجمة قصة الكم المثيرة 1969، المشاكُل الفلسفية للعلوم النووية 1971، صراعُ العلم والمجتمع 1974،  الربيع الصامت 1974، صناعة الحياة 1985، التطور الحضارى للإنسان 1987،  طبيعة الحياة 1988، هندسة الحياة  1990،  الهندسةُ الوراثية للجميع 1990، ، ثقُب الأوزون  1991،  البيئة وقضاياها 1991، الانقراض الكبير 1992، الفيزياء والفلسفة 1993، التاريخ العاصف لعلم وراثة الإنسان 1993،  الهندسة الوراثية وأمراض الإنسان1994.
  • ومن بين الكتب التى ألفها الدكتور مستجير فى الأدب: فى بحور الشعر ـ الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربى 1980،  مدخل رياضى فى عروض الشعر العربى 1987، عزف ناٍى قديم  1980،  أحاديث الاثنين 1990، هذا عدا المقالات العديدة التى نشرت فى مجلتى " إبداع "، " الشعر" عن الصياغة الرياضية لعروض الشعر العربى، ومن يقرأ هذه الكتب المتنوعة يلحظ فيها عمق الفكر وسلاسة اللغة ووضوح المعنى ورصانة الأسلوب.
  • كان الدكتور مستجير أيضا يكتب الزجل ويحفظ الكثير منه وهو بعُد تلميذ فى المدرسة البتدائية، ثم بدأ يكتب الشعر إبان دراسته الجامعية وظل يكتب لمجرد الترويح عن النفعالت حتى سن الخامسة والثلاثين ونشر بعض ما كتب من الشعر فى ديوانين صغيرين هما "عزف ناى قديم "، "هل ترجع أسراب البط"، ثم استطرد يقول: قبل أن أنشر الديوان الأول ـ وكنت قد أصبحت عضوا فى اتحاد الكتاب ـ رأيت أن أعرف إن كانت ثمة أخطاء عروضية فقمت بدراسة العروض فلم أجد فيما كتبته أية أخطاء عروضية وبذلك قمت بنشر الديوان ـ ثم يقول:" كنت أقوم بتدريس البرمجة للكمبيوتر لطلبة الدراسات العليا بالكلية ـ وفى محاضرة كنت ألقيها قلت إن الكمبيوتر ل شك يستطيع أن يعرف إن كان البيت مكسورا أم ل وبدأت حينئذ دراسةا حاولت فيها إخضاع البحور للأرقام وكللت الدراسة بالنجاح ونشرت كتيبا فى الموضوع عنوانه " فى بحور الشعر: الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربى" ـ بعد أن عرضُت هذا الكتيب على المرحوم الأستاذ الكبير على النجدى ناصف عضو هذا المجمع الموقر أصَّر على أن يكتب له مقدمة ـ وبعد ذلك قمت بتطوير الفكرة لتظهر فى كتاب عام 1988 عنوانه "مدخٌل رياضى إلى عروض الشعر  العربى".
  •  وتعتبر ترجمته لواحد من الروائع العلمية وهو كتاب "الربيع الصامت” للبيولوجية الامريكية راشيل كارسون، الذى تم اعتباره واحدا من الكتب التى غيرت التاريخ فى مجال البيئة وظهور ما يعرف بالكيمياء الخضراء. ففي هذا الكتاب استجابت كارسون لنداء الطبيعة بمسحة عاطفية، وكان أن أثرت بقوة فى لعب دوراً هاماً وحاسماً في إطلاق حركة حماية البيئة والحفاظ عليها من التلوث والاندثار وحمل الحكومات على إحداث تغيرات جذرية في سياستها تجاه البيئة.
  • لم يقتصر الأمر على حركات أنصار البيئة فحسب، بل تعدى ذلك كله إلى نشأة علم البيئة Ecology، حتى صار موضوع البيئة وحمايتها ودراستها والاهتمام بها جزءاً من الذخيرة اللغوية لدى كل فرد من الناس. حيث قالت.. (كم أخاف أن يأتي الربيع القادم صامتاً بلا طيور تغرد في الغابة، وتعج الصحراء بالجراد ويتشوه منظر النجوم والقمر).. هل سيكون هناك ربيع صامت جديد مثل ربيع عالمة الأحياء راشيل كارسون وهو الربيع الأسود الذي حذرت منه في كتابها؟ وصار كتابها منذر ومنبه حيث استقبلته حركات انصار البيئة في كل مكان في العالم باهتمام شديد.
  • لكن في زمن كان العالم فيه نائما حيث لم تكن هناك في القواميس مفردات كـالتلوث أو البيئة بمدلولاتها الحالية، كانت البيئة غير منظورة للناس، حتى جاء الطوفان الذي نشاهد بداياته الآن، البحار تنقلب في ربع دائرة الأرض، العواصف تتكاثر وتزداد عنفا، الأمطار تتساقط في مكان وتشح في امكنة أخرى كل هذه علامات نهاية العالم.
  • كما أن للدكتور مستجير أيضا نشاط ملحوظ فى عدة جمعيات ولجان علمية وأدبية منها عضويته بالجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيوانى، الجمعية المصرية لعلوم الوراثة، الجمعية المصرية للنقد الأدبى، اتحاد الكتاب، المنظمة العربية للتنمية الزراعية، لجنة المعجم العربى الزراعى (الإنتاج الحيوانى)، لجنة الكتب والموسوعات بأكاديمية البحث العلمى، لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة.
  • حصل  الدكتور مستجير على العديد من الجوائز منها: جائزة الدولة التشجيعية للعلوم والزراعة 1974 م. وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1974 م. جائزة أفضل كتاب علمي مترجم 1993 م. جائزة الإبداع العلمي 1995 م. جائزة أفضل كتاب علمي عام 1996 م. جائزة الدولة التقديرية للعلوم الزراعية عام 1996 م. وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1996 م. جائزة أفضل كتاب علمي لعام 1999 م، جائزة أفضل عمل ثقافي لعام 2000 م، جائزة مبارك في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة لعام 2001 م.
  • هذه لمحة عن حياة علمية وثقافية بالغة الثراء لعالم موسوعي جليل هو الأستاذ الدكتور أحمد مستجير عميُد كلية الزراعة بجامعة القاهرة ورائد من رواد علوم الوراثة فى مصر وعضو مجمع اللغة العربية، والذى توفى في أحد مستشفيات النمسا إثر جلطة دماغية أصابته بعد تأثره بمشاهدة ضحايا حرب لبنان على شاشة التلفاز، وذلك في 17 أغسطس 2006 عن عمر يناهز 72 عامًا.