بقلم : د.تغريد عرفة - الإعلامية بالتليفزيون المصرى
كانت الأسرة عماد المجتمع في مصر القديمة, حيث اعتقد المصريون القدماء أن الزواج المبكر حماية للشباب وأنه خير حل لمشاكل المراهقة وما ينتج عنها من عقد وانحرافات في المجتمع، ولهذا حثت الحكم والتعاليم الشاب على الزواج المبكر وتكوين الأسرة, كما حثت على الاستقامة والبعد عن الإثم والخطيئة، وقد ظهر ذلك فى وصايا الوزير الحكيم بتاح حوتب لنجله الأكبر الذي تسمي بمثل اسمه الذى جاء فيها: "إذا أصبحت كفئا أو رشيدا أسس بيتك, أي كون أسرتك, وأحب زوجتك في حدود العرف، أو عاملها بما تستحق"، كما وعظ الأديب "أني" ولده "خسو جونيه" في فترة من القرن السادس عشر ق.م بقوله: "تخير لك زوجة وأنت شاب, وأرشدها كيف تكون إنسانة", وهو يعني بذلك تنويرها وترشيد قدراتها الفطرية لما فيه صالح أسرتها ونفع أطفالها ونجاح نسلها.
وقد اختلفت عوامل الاستقرار الأسري بين طبقة وأخرى فى ذلك الوقت، إلا أنها اشتركت فى التوازن المقبول بين أوضاع الزوجين في الأسرة, فالزوج بالنسبة إلى زوجته كان يوصف بأنه "هي" بمعنى البعل، و"تب" أي ولي الأمر, و"س" أي أخ, وكانت الأنثى بالنسبة إلى زوجها "حمة" أي حرمة, و"فرة" أى حبيبة, و"سنة" أي أخت, وإذا تحدث الناس عنها قالوا "بنت بر" بمعنى ست البيت.
وقد دلت الصور والنقوش التي عثر عليها على جدران المقابر على ما كانت المرأة تتمتع به من احترام وتقدير، ومن هذه النماذج حكم وأمثال "كاجمنى، وبتاح حتب" ومنها: إذا كنت رجلا عاقلا فأسس لنفسك بيتاً وأحب زوجتك وخذها بين ذراعيك، أشبع جوفها، واكس جسدها، وأفرح قلبها طول حياتك لأنه مثل الحقل الذى يعود بالخير الوفير على صاحبه، لا تكن فظا لأن اللين يفلح معها أكثر من القوة، انتبه إلى ما ترغب فيه واجلبه لها"، أما العلاقة الزوجية فكانت تصور في جميع العصور بصورة تدل على الإخلاص والوفاء، فهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلي الترابط العائلي بين الزوجين وأولادهما، حيث حرص الفنان المصري فيما أخرجه من مجموعات التماثيل على أن يجعل ممن يمثلهم من أفراد العائلة وحدة واحدة مؤتلفة تجتمع حول رئيسها وتعتمد عليه، فإذا وقف الزوج دعمته الزوجة، وإذا جلسا فإنهما يجلسان معا على مقعد واحد تعبيرا عما يصلهما من روابط بحركات إحدى يديها أو بهما معا وتتوقه برفق وحب، كما تقدم لنا صور ونقوش مناظر الحياة اليومية المتنوعة نفس الصورة المعبرة عن صدق هذه الروابط، فثمة مناظر تصور الحياة الدخلية فى المنزل، وأخرى خروج الأسرة فى رحلات للنزهة والصيد، وثالثة تصور مناظر لزوجة ترفه عن زوجها أو تتعبد معه.
كان الزواج بين أفراد الأسرة الواحدة معروفاً فى العصور المتأخرة، إلا أن الزواج بين الأخ والأخت بالمعنى المفهوم لم يكن معروفاً فى تاريخ مصر القديم ولا حتى فى العصر البطلمى، أما بالنسبة للقب أخ وأخت الذى أوردته بعض النصوص بين الزوجين، فهو يعبر عن الترابط الأسرى وقوة العلاقة بين الزوجين، وقد رأى بعض الرحالة اليونان أولا وتبعهم كثيرون من علماء الدراسات المصرية بعد ذلك، أن الزواج بين الأخوة كان معروفاً أو مباحاً فى مصر القديمة، حيث وجد ملوك تزوجوا من أخواتهم أو بناتهم أيضاً، ولكن هذا أمر مشكوك فيه إلى حد كبير، ولم نعثر فى النصوص حتى الآن على نص واحد يذكر من الطبقة العليا أو من الوسطى أو الدنيا قد تزوج أخته من أمه وأبيه، وما يؤكد ذلك ما جاء فى تعاليم وأمثال "بتاح حتب" التى نقلت صورة رائعة للحياة المنزلية والاجتماعية فى الدولة القديمة.