كتبت- أماني محمد وأميرة كمال
هل تخيلت أن تجري تحليلاً طبيًا في أحد معامل التحاليل في مصر وتبدأ رحلة العلاج بناءً على النتائج التي حصلت عليها ثم تكتشف فجأة إنها خاطئة أو ليست دقيقة؟، مثل هذه الحالات والأحداث تناولتها الصحف المحلية خلال السنوات الأخيرة، وروى العديد من أبطالها مأساته ومعاناته مع نتائج التحاليل وما ترتب عليها من أضرار وخيمة كادت أن تؤدي إلى هلاكه، ولكن الكارثة الحقيقية تكمن في استمرار هذه المعامل في تكرير نفس كوارث النتائج دون أن يتم اتخاذ قرار حاسم معها، الذي يعمل أغلبها دون ترخيص أو مراقبة أو اعتماد للأجهزة المتواجدة بها.
بحسب أطباء، فإن أغلب تلك المعامل أصبحت سبوبة لجني الأموال على حساب صحة المواطنين وسط قوانين هشة وقديمة بال عليها الزمن وتحتاج إلى مراجعة وتقييم ومحاسبة لتلك المعامل التي انتشرت بكثرة في القرى والنجوع بالمحافظات بعيدًا عن الأعين الرقابية.
1825 معملًا مخالفًا
هناك اشتراطات خاصة لتجهيز المعامل والتعقيم والحفاظ على العينة وعدم تعرضها للميكروبات أو إغفالها وتأخير عن الوقت المحدد للتحليل والاختبار، بعض تلك المعامل يراعي ذلك والغالب يغفله.
وفقًا للدكتور أحمد صفوت، مدير الإدارة المركزية لمعامل التحاليل التابعة لوزارة الصحة، فأن مصر يوجد بها أكثر 8777 مختبرا طبيا منها حوالي 1825 تعمل دون ترخيص.
قانون إدارة معامل التحاليل في مصر صدر عام 1954 ويسمح لعدة فئات باستخراج تراخيص معامل وهي فئات الأطباء البشريين والصيادلة وخريجي قسم الكيمياء بكليات العلوم وخريجي كليات الزراعة والطب البيطري.
وتنص المادة الثالثة من القانون على أنه يشترط لطالب الحصول على ترخيص لإدارة معمل للتحاليل "أن يكون مصري الجنسية أو من بلد تجيز قوانينه للمصريين مزاولة المهن المنصوص عليها في المادة الأولى بها، وأن يكون حاصلا على بكالوريوس في الطب والجراحة من إحدى الجامعات المصرية وكذا على دبلوم في الباثولوجيا الإكلينيكية، أو بكالوريوس في الطب والجراحة أو في الصيدلة أو في العلوم (الكيمياء) أو الطب البيطري أو الزراعة من إحدى الجماعات المصرية، وكذلك على درجة أو شهادة تخصص من إحدى الجامعات المصرية في الكيمياء الحيوية أو كيمياء تحليل الأغذية أو كيمياء تحليل الأدوية أو البكتريولوجيا أو في الباثولوجيا حسب الأحوال."
"الهلال اليوم" أجرى جولة بين عدد من معامل القرى والقاهرة للتعرف على طبيعة عملهم، ومدى التزامها بالتراخيص والاشتراطات المطلوبة للعمل، ومعرفة ما يجري على الساحة الطبية.
الثقة أهم من الترخيص
تتهم معامل القرى كثيرًا بالعشوائية، وعدم دقة نتائجها وكذلك عدم الاهتمام بالترخيص، لكن الدكتورة أمل سلامة، مديرة أحد معامل بمركز شبين القناطر قالت:" إن الأمر اختلف الآن على عكس الماضي حين كانت المعامل غير مجهزة بالشكل الكافي، وكان العاملين بها ليسوا متخصصين, وكان صاحب المعمل يقوم بجلب شخص ويدربه على طبيعة العمل وسحب العينات، لكن الأمور لم تعد تسير بتلك الطريقة الآن كما أن معظم التحاليل قديما كانت تجرى الاختبارات بطريقة يدوية نظراً لعدم توافر الأجهزة الملائمة, أما الآن لا يخلو أي معمل من الأجهزة الهامة والحديثة".
لم تنفي تلك الطبيبة عملها حتى الآن بدون تصريح، مؤكدةً أنها تمتلك جميع الأوراق اللازمة للترخيص كالرسم الهندسي للمكان وغيره من الأوراق المطلوبة، إلا أنها لا تزال تنتظر وشريكتها في المعمل، أثبات أنفسهم في المجال وكسب ثقة المواطنين بهم، لذلك يجرون التحاليل أكثر من مرة للتأكد من صحتها، مع الاهتمام بالأجهزة الموجودة مثل جهاز الكيمياء لعمل تحاليل الهرمونات ووظائف الكبد الBCR وغيرها من التحاليل.
وتضيف:" إذا وجدنا أي شك في النتائج يتم إعادتها أكثر من مرة ثم إرسالها إلى معمل آخر للتأكد من صحة النتائج"، موضحة أن "الأجهزة المتاحة جيدة للغاية.
وتابعت:" نسعى للحصول على أجهزة أكثر لإجراء جميع أنواع التحاليل، ولا يوجد رقيب على المعمل سوى ضمير القائم بالعمل".
الربح المالي
أما عن كيفية الحصول على التراخيص، فيوضحها أحمد ممدوح، مدير أحد المعامل بمحافظة القليوبية، قائلا: "المرخص لابد أن يكون حاصل على دبلومة الكيمياء الحيوية (بيوكميستري) أو "الميكروبيولوجي" حيث يقوم بإجراء أنواع معينة من التحاليل كتحاليل المزارع والكيمياء والهيماتولوجي وأشياء أخري"، مؤكدا أن الشخص الوحيد المصرح له بفتح معمل إجراء كافة أنواع التحاليل هو خريج كلية الطب، أما خريج كلية العلوم فيعمل علي حسب الدبلومة الحاصل عليها في تخصص معين.
وأوضح لـ«الهلال اليوم» أنه بعد الحصول على تلك الدبلومة يتقدم إلى مجلس الدولة بطلب للحصول على رخصة مزاولة المهنة، ثم تأتي لجنة إشراف لمعاينة مقر المعمل، وهل هو مجهز كما يجب أن يكون أم لا ويعمل بحيادية أم لا؟، موضحًا أنه لا يوجد معمل تحاليل في المدينة أو القرية يعمل بطريقة صحيحة بنسبة 100% .
وأشار "ممدوح" إلى أن خريجو معهد الفني الصحي وكلية العلوم وبالأخص قسم الكيمياء هم الأجدر بالعمل في المعامل على عكس وجهة نظري, فيما يرى البعض أن خريجو كلية الطب في تعاملهم مع التحاليل ليسوا أنجح من دارسي العلوم أو الفنيين.
الهروب إلى معامل القرى
ولفت إلى أن العامل التجاري والربح أصبح يسيطر على المعامل الكبرى الموجودة في المدن مما دفع أغلب المرضى البسطاء يهربون للمعامل الصغيرة أو المتواجدة في القرى, فمعامل القرى أقل سعرا.
بدأ أحمد ممدوح عمله بالمعمل منذ نحو أربع سنوات في إحدى قرى محافظة القليوبية وبعد أن نجح في كسب ثقة لدى الأطباء، وتابع: "الرقابة لا تكفي لمتابعة تراخيص المعامل، فالرخصة الحقيقة لأي معمل لا تكون من وزارة الصحة ولكن تكون من المريض نفسه"، مضيفا "هناك معامل ربما ليست مرخصة لكن القائمين عليها يستحقون الثقة لامتلاكهم الكفاءة".
أزمة انقطاع الكهرباء المتكرر تعيق عمل معامل التحاليل بالقرى وقد يلجأ الطبيب لإعادتها أكثر من مرة، مضيفا: "إذا لم يكن متأكد من صحة النتيجة التي أمامه فيعيدها أكثر من مرة، أو أرسلها إلي معمل معين أثق في نتائجه للتأكد من صحة النتائج".
صراع الفئات الخمس
وحدد قانون عمل المعامل رقم 367 لسنة 1954 خمس فئات لها حق العمل في قطاع التحاليل الطبية وهم الأطباء البشريين والبيطريين والصيادلة وخريجي كليات العلوم والزراعة.
وتقول الدكتورة صفاء صابر، استشاري الباثولوجيا الكلينيكية بكلية طب جامعة عين شمس، إن عمل التحاليل الطبية ينبغي أن يقتصر فقط على الأطباء البشريين لأنهم أكثر من درس ذلك خلال دراسته البكالوريوس وتعمق بعده خلال دارسة الماجيستير والدكتوراه على عكس الصيادلة وخريجي العلوم الذين يدرسون الحيوان والنبات فقط وليس لهم علاقة بالجسم البشري.
وانتقدت الدكتورة صفاء صابر، الاعتماد على قانون يعود لفترة الخمسينيات، منح حق الترخيص للحاصلين على دبلومة تحاليل لمدة عام على عكس المتخصصين من الأطباء الذين درسوا ذلك وحفظوه خلال سنوات تعليمهم، موضحة "هناك معامل تشتري ترخيص من خلال وسيط من خريجي العلوم أو الصيادلة ويحصلون على تصريح باسمه وهو لا يعرف شيئا عن المعمل ويتقاضى مبلغًا من المال متفق عليه مسبقا دون أن يتابع كيف يسير المعمل؟".
تراخيص الباطن
وأضافت أن عدد كبير من المعامل في منطقة المطرية على سبيل المثال على بطريقة التراخيص في الباطن وبعضها مخالف لاشتراطات التراخيص والتي منها أن يكون المعلم بالدور العلوي غير الأرضي إلا أن أحد المعامل يقع في الدور الأرضي ومع ذلك يمارس عمله وحصل على تصريح.
وأشارت إلى أن بعض المرضى قد يتعرضون لحالة إغماء حال سحب عينة الدم، فلذلك يجب أن يكون على علم بالإسعافات الأولية، موضحة أن "منظومة المعمل قد تحتاج لعمل آخرين من الصيادلة أو دارسي العلوم لكن ينبغي أن يكون ذلك تحت إشراف طبيب، فالعمل داخله ينقسم إلى ثلاث مراحل بدءًا من استقبال المريض ومعرفة تاريخه المرضي وملئ البيانات ثم مرحلة سحب العينة ثم المرحلة الأخيرة التي تجري داخل المعمل واستخراج النتائج".
فيما أكد الدكتور أحمد عبد الحميد، مدير أحد معامل التحاليل، أن النزاع القانوني بين عدد من الأطراف وكل نقابة وجهة ترى نفسها أحق بالعمل كارثة وفوضى خلاقة، ولكن يجب على البرلمان إنهاء تلك الإشكالية وإعادة صياغة وإصدار قانون ينظم عمل المعامل، فالصيادلة والأطباء والكيميائيين والزراعيين كل يرى في نفسه الأحق.
وتابع:" المنظومة كلها تكمل مع بعضها وكل طرف له جزء وكل متخصص يعمل في تخصصه وقد يدير المعمل طبيب بشري لكنه لا يعمل به ويتركه لخريجي العلوم والزراعيين والكيميائيين لأنهم أكثر تفرغا على عكس الأطباء، الذين قد لا يدخلون تلك المعامل إلا قليلا ويفتحونها بغرض الكسب المادي فقط".
وأوضح الدكتور أحمد عبد الحميد، أن التخصص في مجال التحاليل ليس صعبا في مصر بل أن إمكانية الحصول على دبلومة باثولوجي في أي من الجامعات الحكومية أو الخاصة متاحة وسهلة الإجراءات فمجال تعلمها ودراستها مفتوح، مضيفًا أن الخلاف بين الفئات المعنية قديم ويفتح من وقت لآخر والآن كل نقابة تريد إلغاء الآخرين وأن تبقى هي في الصدارة ويجب الوصول لحل وسط يرضي جميع الأطراف دون أن يجير على حق أحد.
التفتيش على المعامل
وأضاف أن وزارة الصحة تجري تفتيشا دوريا على المعامل من خلال الإدارة المركزية للعلاج الحر للمنطقة التابع لها المعمل أو الوزارة نفسها، موضحا أن القاهرة الكبرى بشكل عام أكثر انضباطا في أمر التراخيص على عكس المعامل في القرى والمحافظات البعيدة والتي يكون العمل بها أكثر عشوائية بلا اهتمام أو رقابة لكن الأمر في نطاق القاهرة الكبرى منضبط بنسبة كبيرة.
البرلمان يغفل تعديلات قانون المعامل
الدكتور عصام القاضي، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، قال إنه لا يوجد مشروع قانون حتى الآن أو أي تعديل تشريعي يخص قانون تنظيم معامل التحاليل أو تغييره أو استبعاد فئات من المسموح لهم العمل فيها وفق قانون سنة 54، نافيًا تقدم أحد النواب بمشروع قانون للمعامل إلى لجنة الصحة، ولا يوجد على جدول أعمال اللجنة فكرة تنظيم المعامل حتى الآن".
وأضاف "القاضي" أنه من البديهي للحصول على ترخيص لإنشاء معمل تحاليل طبية، أن يكون المرخص أحد الفئات الخمس التي نص عليها القانون وهم الأطباء البشريين والبيطريين والصيادلة والكيميائيين والزراعيين وأن يكون حاصلا على الأقل على دبلومة تحاليل طبية، موضحا أن الصيادلة وخريجو العلوم من أجدر الفئات على العمل بهذا القطاع لأنه تخصصهم ودرسوه.
وأشار إلى أنه لا يمكن قصر معامل التحاليل على الأطباء البشريين لأنه ظلم لفئات أخرى جديرة بهذا العمل، مضيفا أن تقييم المعامل المستمر هو الذي يحدد من يستمر بالعمل ومن تسحب منه رخصة ويغلق فإذا وجدت الهيئة أسباب وجيهة ومؤثرة على سير عملية التحليل تسحب رخصته وتغلقه لأن هذا المجال خطر وحساس ويحدد شكل علاج المريض بناء على نتائجه فلذلك يجب التدقيق على سير العمل والعاملين به.
لجنة رقابية
أما عن العوامل المؤثرة على النتيجة والتي قد تختلف من معمل إلى آخر، فأوضح أنها قد تكون أبسط الأشياء مثل غسل أنبوب الاختبار بمياه عادية أو مياه مقطرة، أو لمس العينة لبصمة الإصبع وهي كلها أمور رغم بساطتها تؤثر في النتيجة، لذلك شدد على ضرورة وجود مرشد أثناء العمل يتابع الحالة داخل المعمل ويطب المعايير السليمة للخروج بالنتيجة الصحيحة.
وطالب عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، بضرورة وجودة هيئة إشرافية رقابية على دراية بالمعامل تكون مهمتها المتابعة الدورية عليها وتجديد الرخص أو إلغائها في حالة ارتكاب مخالفات وتحدد ضوابط معينة وتجري زيارات ميدانية وتخرج بنتائج ملاحظاتها لأن المجال خطير.