الإثنين 3 يونيو 2024

صناعة الأمل.. واجب وطني

23-8-2017 | 16:36

د . حسن يوسف طه – كاتبمصرى  

      هناك أمثولة تقول : إذا فقدت مالك فقد ضاع منك شيء له قيمة ، وإذا فقدت شرفك فقد ضاع منك شيء لا يقدر بقيمة ، وإذا فقدت الأمل فقد ضاع منك كل شيء .

تلك المقولة بالغة المعنى والدلالة .. ففقد المال يعنى فقد أمر مادي ، قابل للتعويض .. وإذا فقدت الشرف فهذا يعنى فقد قيمة أخلاقية من العيب ألا تكون بلا أخلاق .. أما افتقاد الأمل فهذا يعنى فقد أمر روحي .. وتلك هي الطامة الكبرى لأن افتقاد الأمل معناه افتقاد كل شيء .

ومصر في واقعها المعاصر تحتاج إلى صناعة.. أهم من المصانع والمباني والمؤسسات .. صناعة الإنسان الآمل .. إننا في حاجة اليوم لصناعة الأمل داخل الإنسان المصري .. وعندما نصادف بعض الناس يتحدث وكله يأس وإحباط وسأم تشعر بالارتجاف ! لماذا ؟ لأن مثل هؤلاء يمكن أن يدمروا المجتمع .. فتدمير المجتمعات لا يتم من خلال المفرقعات والمواد المتفجرة ، بل إن تدمير الشعوب والدول يتم من خلال فقدان الإنسان داخلها للأمل .. عندما يتغلغل داخل الأفراد في داخل الشعب الإحباط واليأس هنا تنهار الدولة .. والعكس صحيح .. إن زراعة الأمل وترعرعه  داخل الذات الإنسانية تجعله قادرا على النهوض بالدولة ، هنا تقام المصانع والمؤسسات وتخضر الصحراء الجرداء كل ذلك بالأمل .

الأمل هو أحد القوى الحيوية التي تدفع الإنسان نحو السعي والتحقق .. والأمل هو الذي يجعل للحياة معنى وقيمة .. ولولا ذلك الأمل لأصبحت الحياة برمتها بمثابة الجحيم الذي لا يحتمل .. وكل التاريخ الإنساني عامة والتاريخ الشخصي أو الذاتي هو تعبير تجسيدي لمقولة الأمل .. فالإنسان يولد ويعيش فترة ليموت .. الميلاد والموت أمور حتمية دون أدنى اختيار ...ويتيقن أنه سيموت وربما يرى أن كل ذلك عبث لا طائل منه .. لكن المعنى يوجد من خلال ذلك الأمل الفاعل والنشط والمحرك . أو نقول إن الأمل هو القادر لقهر العبث الذي يطل بوجهه في كل لحظة ..

وعندما نقول صناعة الأمل مسئولية قومية فإننا نهدف إلى أن نوقظ الكثير مما لديهم(عتمة عقلية) و(عتمة نفسية) .. ونقول لهم إن هناك من يريد بالوطن السوء والتدمير والخراب مثل تلك الفئات الضالة إلى جانب الفئات المحبطة والتي لا تعمل إلا على نشر كل الأكاذيب والأباطيل .. أمثال هؤلاء مخربون وينبغي مواجهتهم وفتح بصيرتهم إلى حقائق الأشياء وتغيير ذاتهم الخربة وأفكارهم العقيمة .. تلك المهمة ليست باليسيرة أو الهينة إنها مهمة عسيرة من الضروري تدعيمها وتأكيدها .. إنها مهمة وطنية وقومية لذلك نقول أن الأمل وصناعته فعلاً ضرورة وحتمية قومية في الآونة المعاصرة التي تمر بها مصر .

 

إن ذلك يجعلنا نتذكر هنا اريك فروم الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي الذي رأى الإنسان في المجتمع الأمريكي وما وصل إليه من حالة اليأس والإحباط والضياع .. لذلك وجدناه يخصص أحد كتبه الهامة لعلاج تلك الحالة الآسنة في أمريكا وكتب فروم كتابه (ثورة الأمل) .. وهو يركز على الإنسان المعاصر وتشتته وسط التقدم التكنولوجي المذهل .

فالإنسان في اللحظة المعاصرة فقد الكثير من السمات الإنسانية وأصبح لاهثا بشكل مجنون نحو التكنولوجيا التي تتقدم وتسيطر بشكل سرطاني وكلما تقدمت التكنولوجيا ازداد الإنسان فقدانا لما هو إنساني .. بل إنه يصل لدرجة أنه يبحث عن ذاته التي فقدها أو تنازل عنها لذلك تنبه اريك فروم لتلك القضية لكي يواجه أزمة الإنسان التائه أو الضائع أو الفاقد لذاته .. من أجل أن ينتبه إلى حقيقة وجوده ولكي يسترد ذاته المفقودة أو ما نقول عنه قهر الاغتراب .. تلك اللحظة هي الأمل المنشود أو يقول هو عنها ثورة الأمل أن ينتفض الإنسان من أجل أن تُسترد الذات التي كادت أن تنتهي في وقتنا المعاصر .

جماليات الأمل :

وعندما ننجح في صناعة الأمل هذا يجعلنا نتمكن من رؤية جماليات وجود الأمل داخل الذات الإنسانية ونعرض منها على سبيل المثال .....:

القدرة على الرؤية الواضحة :

من أهم جماليات الأمل الذاتي أنه يجعل الذات لها رؤية واضحة للطريق وللأهداف بكل ما هو إيجابي وما هو سلبي .. وجود الأمل يضئ الذات ويجعلها مدركة لكل المحطات التي يجب أن تمر عليها .

القدرة على التغلب على كل المعوقات :

للأمل قوة جبارة في الذات حيث أن كل العراقيل وكل الممانعات تبدو وكأنها أشياء لا وجود لها .. الذات الآملة لا تقف طويلاً أمام تلك العراقيل ، بل إن تلك العراقيل تعد تحفيزاً للذات أن تتجاوزها وتنطلق إلى الهدف المنشود

النظر للمستقبل :

الأمل يجعل الذات دائما تتجه إلى الآتي أو (الليس – بعد) .. فالمهم بالنسبة للذات هو المستقبل .. إن الماضي هو بمثابة دروس للتعلم .. بينما المستقبل هو المهم . وهو الذي يجعل الذات تشعر بالفرق بين الذي كان .. والذي تصل إليه ..

تفجير طاقات الذات :

الأمل هو القوة التي تفجر طاقات الذات الداخلية .. فالإمكانيات والممكنات الداخلية للذات لا يمكن أن تتحقق أو أن تتجسد إلا من خلال الأمل الذي يملأ الذات .. فالذات الآملة تعرف قدرتها وتعرف ممكناتها ولذلك فهي تبذل قصارى جهدها من أجل التحقيق

إشاعة السعادة حول الذات :

من جماليات الأمل .. قدرته على إشاعة البهجة حول الذات .. لأن الذات عندما تحقق أهدافها وتبذل قصارى جهدها لتحقيق المزيد من الأهداف كل ذلك يجعل الذات تشعر بالسعادة والفرح والحيوية والفاعلية.. إن الأمل يجعل الذات تشعر أن الحياة لها معنى وقيمة وكل ذلك يجعلها تشعر بالسعادة

القدرة على الحب :

الذات الآملة تتجه دوما لما هو إيجابي وتبتعد عن كل ما هو سلبي .. والحب قيمة إيجابية نجدها متوفرة داخل الذات في المقابل نجد تلك الذات لا تلتفت لما هو سلبي .. فهي لا تعير أي أهمية لكل ما هو سلبي لأنها تعرف أنها هادمة وتفقد الذات حيويتها .

القدرة على التجاوز :

في الأمل نجد الذات تتجاوز ذاتها لتتجه إلى المحيط بها هي لا تتقوقع داخل ذاتها وإنما هي تنطلق إلى الأفق الأرحب والأوسع .. في الأمل تتجاوز الذات الجزئي لأنها تهدف إلى الكلى .. لأن الوقوف عند الجزئي يضيع الوقت ويستهلكها ويبعدها عن المنشود .

يمكن القول أن صناعة الأمل أصبحت ملحة ومهمة وحيوية في الآونة الحالية .. مصر في حاجة إلى تلك الصناعة .. صناعة الأمل .. وهى مهمة كل أصحاب الفكر والثقافة والقلم والتعليم .. هي مهمة الصحافة والإعلام هي مهمة تشترك فيها وزارة الثقافة والإعلام والتربية والتعليم والمؤسسات الدينية ... آن الأوان أن ترتسم رؤية محددة وفاعلة وتمارس فعلاً على أرض الواقع ، تلك الرؤية تهدف إلى خلق الذات المفعمة بالأمل وبالغد والمستقبل .

في صناعة الأمل ينبغي الإشارة إلى أن الواقع وكل ما يحيط بنا لا علاقة له بالأمل أو اليأس أو الإحباط .. بمعنى أن كل الأشياء المحيطة بالإنسان ليست مسئولة عن حالة الإحباط أو حتى الأمل .. لأنها خارج ذلك الإطار .. إنما تلك الصفات وتلك النظرات من الذات الإنسانية فهي التي تصف الأشياء وكل الظروف بالأمل أو الإحباط .. لأن الأمل من داخل الإنسان وأيضاً الإحباط واليأس من داخل الذات .. وعليه فلابد من التركيز على تدعيم الذات لجعلها تنظر للواقع بشكل إيجابي .