بقلم – طه فرغلى
الأزهر لا يُجيد عرض بضاعته، مع أنها البضاعة الثمينة النفيسة، إذا ما قورنت بالسائد فى المحيط العربى والإسلامى،
بضاعة الأزهر الإسلام الوسطى السمح، لا مغالاة أو تشددا أو تطرفا.
الأزمة الحقيقية أن الأزهر لا يجيد التحدث إعلاميا، بلا لسان يتواصل ويعبر بشكل محترف، لا يجيد التعاطى مع القضايا والأزمات، كل الإعلام عند المسؤولين فى المشيخة متهم إلى أن يثبت العكس، يتعاملون بمنطق من لم يمدح فهو ليس منا، والحقيقة أن قضية الأزهر بالتأكيد عادلة ولكن المحامى فاشل.
مقدمة لابد منها فى سياق الهجوم على الأزهر على خلفية ما أثير فى تونس، ومقترحات الرئيس التونسى “السبسى” فى العيد الوطنى للمرأة التونسية حول المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث وزواج المسلمة من غير المسلم، وهى المقترحات التى وصفها ديوان الإفتاء التونسى بأنها تدعم مكانة المرأة، وتضمن وتفعل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، التى نادى بها الدين الإسلامى فى قوله تعالى «ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف»، بل وزاد على ذلك فى بيانه ووصف السبسى أنه أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين، وهو الأب لهم جميعا.
هذا كان بيان ديوان الفتوى التونسية، وهو أقرب ما يكون لبيان مفتى السلطان خاصة الجزء الذى يصف السبسى بأنه أستاذ لكل التونسيين، وأنه الأب لهم، وهو ما يذكرنا بدور الشيخ الذى جسده الراحل الكبير حسن البارودى فى فيلم الزوجة الثانية، والذى كان يردد دائما « وأطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم»، والمؤكد أن الشيخ التونسى «عثمان بطيخ» رئيس ديوان الفتوى نموذج متكرر وموجود بقوة فى المحيط العربى والإسلامى، الرجل لم ينتظر حتى يدرس مقترحات السبسى ويعقد اجتماعا لديوان الفتوى، ولكنه على الفور أصدر بيان تأييد.
ولكن الأزهر الشريف أدخل نفسه فى معركة وكان عليه أن يتمهل قليلا حتى يدرس الأمر من جميع جوانبه، ويرد الرد المناسب بما لا يخالف الشرع الشريف، خاصة أنه لم يطلب رأيه ولم يسع أهل تونس إليه، ولكن تطوع الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف ودخل المعركة بقدميه، ووصف ما يحدث فى تونس بأنه تبديد لا تجديد.. هكذا دون أن يقرأ الواقع جيدا ويعرف أن المتربصين بالأزهر لن يتركوا الأمر يمر هكذا، وأن أى تصريح أزهرى مضاد لما حدث فى تونس سيفسر على الفور بأنه تطرف وتشدد وضد الحريات وقمع للمرأة وإهدار لحقوقها، هذا بخلاف اتهام الأزهر بأنه رجعى ولم يستطع مواجهة المتشددين والمتطرفين وأن مناهجه لم تعد ملائمة للظروف الراهنة.
هوجم الأزهر دون ذنب اقترفه، وكانت الجريمة أن وكيله رأى أن عليه واجب الرد على ما أثير فى تونس فأسهب فى الرد، ما اعتبره التوانسه تدخلا فى شؤونهم الداخلية.
واشتعلت الحملة ضد الأزهر من حيث انتهى بيان شومان، وتلقف كثيرون عبارة تبديد لا تجديد؛ ليبدأوا الهجوم الذى لم ينته حتى اللحظة.
واضطر الإمام الأكبر شيخ الأزهر أمام هذا الهجوم أن يدخل المعركة بنفسه، حتى يفصل الأمر تفصيلا قد يوقف سيل الاتهامات، وقال الإمام الأكبر فى بيانه إن النصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة فى القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة، فإنها أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة بلا ريب، فلا مجال فيها لإعمال الاجتهاد، وإدراك القطعى والظنى يعرفه العلماء، ولا يُقْبَلُ من العامَّةِ أو غير المتخصِّصين مهما كانت ثقافتهم.
فمثل هذه الأحكام لا تَقْبَلُ الخوضَ فيها بفكرةٍ جامحةٍ، أو أطروحةٍ لا تستندُ إلى قواعد عِلم صحيح وتصادم القطعى من القواعد والنصوص، وتستفزُّ الجماهير المسلمة المُستمسِكةِ بدينها، وتفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات المسلمة. ومما يجبُ أن يعلمه الجميع أن القطعى شرعًا هو منطقى عقلًا باتفاقِ العلماءِ والعقلاء.
وأكد الإمام الأكبر أن الأزهر عندما رد على ما أثير فى تونس
كان يؤدى واجبه ولا يتدخَّلُ فى شؤونِ أحدٍ ولا فى سياسةِ بلد.
وأنه يرفض رفضًا قاطِعًا تدخل أى سياسةٍ أو أنظمة تمس –من قريبٍ أو بعيد- عقائد المسلمين وأحكام شريعتهم، أو تعبثُ بها، وخاصة ما ثبت منها ثبوتًا قطعيًّا، وأن رسالة الأزهر عالمية
لا تَحدُّها حُدُودٌ جُغرافية، ولا توجهاتٌ سياسية.
كان هذا بيان الطيب أجاب فيه عن قضية واحدة وهى الميراث، ولم يجب عن الثانية وهى زواج المسلمة من غير المسلم، ولا أعرف سبب ترك القضية الثانية والتركيز على الميراث فقط، وهل قضية الميراث هى التى يمكن أن تضرب استقرار المجتمعات المسلمة، بينما زواج المسلمة من غير المسلم لا ضرر منها.
المؤكد أن الأزهر عليه مسؤولية ضخمة وعبء ثقيل، عليه أن يتواصل مع معارضيه قبل مؤيديه، عليه أن يفتح نوافذه المغلقة ليستقبل هواء مختلفا عن السائد فى طرقات المشيخة، وأن يتخلى عن العصبية التى دائما ما تغلف ردود فعله، عليه أن يغير لغته وخطابه الإعلامى حتى يستطيع أن يصل إلى الناس.. كل الناس.