كتبت : شيماء محمود
وكما أن الفنون جميعها قد أخذت من السيدة العذراء موضوعا رئيسيا في العديد من أعمالها كما رأين،ا فإن الفن التشكيلي أيضا لم يكن ليغفل هذا النموذج الثري الذي راح يعبر عنه بشتي الطرق والوسائل سواء فى الغرب أو الشرق.
فتعد السيدة العذراء مريم أحد أهم الموضوعات التى تميز بها الفن المسيحى سواء فى الشرق أو الغرب ..وقد تطورت طرق تصويرها وتمثيلها عبر العصور مما كان له كبير الأثر فى تألق الفن الغربى فيما بعد..حيث بدأ كمحاولة لتوضيح تعاليم الديانة المسيحية فى الشرق.. وانتقل بعد ذلك في العصور الوسطى معبرا عن البعد الروحي والديني فى لوحات " المادونا " أم السيد المسيح ، حيث نرى السيدة العذراء تحمل الطفل الذي يعانقها ..ثم يتطور الامر في عصر النهضة حيث يأخذ مضمون الأمومة البعد الفلسفي والنظرة الشخصية ليرسم كل فنان في عمله شخصيته وبعده الفكري والفلسفي ..ليصبح بعد ذلك موضوع "المادونا " ليس موضوعاً دينياً بل موضوع عن الأم من أجل التعبير عنها بشكل غنى بالعواطف.. مفعم بالقدسية والصدق والاحترام والتقدير.
العذراء فى مصر
صورت السيدة العذراء خلال المناظر الجدارية فى الكنيسة والدير عبر رسوم بواسطة خامة الفريسكو والفسيفساء وكذلك الأيقونات لسهولة حملها وتنقلها..وظلت محتفظة بصورتها الدينية التى أصبحت الدعامة الأساسية لتصوير السيدة العذراء حتى يومنا هذا على سبيل المثال أيقونات دير سانت كاترين فى القرن السادس ..حيث استخدم الفنان القبطى أسلوب التصوير السطحى ذا البعدين كسمة فنية تختلف عن وسائل التعبير الرومانى .. تحقيقا للفكر العقائدى فى عملية الإيحاء الدينى وراء العمل الفنى والبعيد عن التجسيم .. وكان المنظور قليلا جدا وإن كان قد استخدم معتمدا على نظرية التضاؤل النسبى.. كما جاءت الرسومات بالطريقة الجانبية فى أغلب الأحيان مع استخدام الطريقة الأمامية ذات التأثير العصرى آنذاك فى بعض الموضوعات التى كان يرى فيها ضرورة تصويرها بالطريقة الأمامية لما لها من خاصية التعامل المباشر مع المتعبد.
المادونا والتأثير البيزنطى
مادونا تعنى بالإيطالية ma don naسيدتى واستخدم هذا المصطلح للتعبير عن تصوير او تمثيل السيدة العذراء إما وحدها أو مع طفلها يسوع أو ربما يحيط بها الملائكة القديسون.
ولعل عدم وجود العديد من الايقونات يرجع للسرقات والحروب الا انه قد تم العثور على القليل من الأعمال التى عبرت عن المسيحية المبكرة بسراديب الموتى بروما.. بينما كانت النماذج البيزنطية هى المتبعة حتى العصور الوسطى ..ومع تزايد أهمية العبادة فى القرنين الـ12 والـ13 ..أصبحت هناك مجموعة متنوعة من الأشكال لمريم عبر قصص حياتية مختلفة وتم العثور على اعداد كبيرة لأيقونات ولوحات لها فى روما التى تعتبر مركز المسيحية فى الغرب فى العصور الوسطى.
بعد العصور الوسطى
اكتسبت بعد ذلك صورة السيدة العذراء أهمية كبيرة خارج روما وأصبحت الأعمال أكثر شعبية فى الاديرة والكنائس والمنازل .. بل واصبحت تستخدم رقائق الذهب فى تصويرها والخامات الثمينة كحجر اللازورد الأزرق لتنفيذ عباءتها.. ولعل أكثر الأمثلة شهرة عمل الفنان دوتشيو لوديسي في كنيسة سانتا ماريا نوفيلا في فلورنسا ..حيث نفذ بها اشهر أعماله لوحة تحمل اسم "روجيليا مادونا" Rucellia Madonna 1285 ..كما أنه نفذ لوحة أكبر بمذبح كاتدرائية سيينا والمعروفة باسم المايستا theMaesta 1308 حيث صور فيها السيدة العذراء وطفلها كمركز لمحكمة مكتظة بالقديسين..وهذا يؤكد تفانى الأثرياء فى توظيف أهم الفنانين الإيطاليين آنذاك للتعبير عن السيدة العذراء ويسوع.
فنانو النهضة
يعتبر الفنانون الايطاليون منذ القرن الـ«15» فصاعدا مدينين للتقاليد التى أنشئت فى القرنين الـ«13 والـ14» فى تمثيلهم للمادونا من حيث تصويرها كأم شابة وارتدائها لعباءة زرقاء كدليل على النقاء ..وكذلك غطاء الرأس الحريرى المحاط بهالة من النور وأيضاً نظرتها الحنون للمتلقى.
وتنوعت الأشكال التى ظهرت فيها المادونا بين فنانى عصر النهضة لتشمل أحداثا تاريخية وصورا شخصية مستقلة وموضوعات أسطورية ومن العهد القديم ..ليتناولها كل فنان بأسلوب وشكل مختلف امثال الفنانين: ليوناردو دا فينشي، مايكل أنجلو، رافائيل، جيوفاني بيليني، كارافاجيو و روبنز .. ومن بين الأمثلة على ذلك عمل "استراحة رحلة العائلة المقدسة إلى مصر" لكارافاجو فنجد الجانب الذى يجمع بين الأم وطفلها غير قابل للمقارنة بباقى أعماله فى الرقة والواقعية فيما قدمه..حيث تحتضن الطفل "المسيح" بمزيج من الحب والقلق والإرهاق من تلك الرحلة.
وبخلاف موضوع الأمومة تناولوا موضوعات أخرى مختلفة خاصة موضوع البشارة.. وبعد ذلك الحمل الطاهر..كل هذا أدى إلى عدد أكبر من اللوحات التي قدمت ماري وحدها دون ابنها.
ولعل من أشهر الموضوعات شعبية فى شمال أوروبا موضوع بيتا the Pietà وهو تمثال منحوت للفنان مايكل أنجلو..حيث يسجل فيه حالة الحزن واليأس وعلامات الحداد التى تشعر بها الأم وهى تحمل ابنها المصلوب.
أما فنانو العصر الحديث فرسموا المادونا بطريقتهم الخاصة مثل سلفادور دالي وهنري مور لتحمل فى طياتها دلالات مختلفة وليس البعد الدينى فقط ..لكنه لا يخلو من القدسية والاحترام والتقدير.