الخميس 28 نوفمبر 2024

طارق الطيب لـ«الهلال اليوم»: الترجمات تأشيرة تعريف العالم بالثقافة العربية

  • 26-8-2017 | 19:29

طباعة

يرتبط الحنين دائما بالحرقة واجترار الذكريات الأولى، لكن في الحالة التي بين أيدينا، لا نلمح تلك الحرقة وهو أمر صحي لكنه غير مفهوم في بعض الأحيان، لاسيما وأن صاحب تلك الحالة قضي قرابة الربع قرن طيرًا مهاجرًا في العاصمة النمساوية "فيينا".

ويرجع سبب ذلك إلى اعتقاده الراسخ أن الحنين يمكن أن يكون أكثر إلهامًا، بل على حد قوله "حنينًا إيجابيًا" لا يبحث عن الأطلال وأحاديث الفقد، وسرد المعاناة وتصديرها قبل أن يكون الغرض وضع معنى من المعاناة.

ذلك هو الكاتب الروائي صاحب الشهرة العالمية طارق الطيب أحد أبرز المبدعين الذين نالوا جوائز عالمية تقديرا لأعماله في مجال الأدب، وترجمت أعماله إلى لغات عدة حيث نشر له ثلاثة عشر عملًا إبداعيًا ما بين روايات ومجموعات قصصية، و مجموعات شعرية ومسرحية، من بينها "بيت النخيل، ومدن النخيل، ونهارات فيينا، ومحطات من السيرة الذاتية، والرحلة 979 المتجهة إلى فيينا“ وغيرهم.

في حوار خاص لـ "الهلال اليوم"، تحدث طارق الطيب الذي انتقل في عام 1984 إلى فيينا حيث أنهى دراسته في فلسفة الاقتصاد، وعمل إلى جانب الكتابة الأدبية بالتدريس في ثلاث جامعات بالنمسا عن تأثير نشأته في مصر، وغير ذلك من الأمور.

وإلى نص الحوار..

تحمل تجربتك ثلاث هويات.. فأنت تنتمي لأب سوداني وأم مصرية، إذًا أنت سوداني ومصري بحكم النسب والمولد، ومواطن نمساوي بحكم الإقامة والحياة.. ألم يخالجك أي شعور بالربكة أو تشتت الهوية؟

- يمكن القول إن لدي هوية (متنوعة)، وهناك فارق كبير بينها وبين التشتت، فمن الممكن أن تتنوع الهوية ولكنها تبقى واحدة متماسكة ومنسجمة وقابلة للتطور، وأري أن التنوع في الهوية نعمة وضرورة.

المتابع لإبداع الروائي طارق الطيب يوقن أن مسألة الاغتراب عن الوطن التي قد يراها البعض نقمة، أمر غير حقيقي لأنك ببساطة وجدت فيها من الميزات ما طرحته بصدق في أعمالك؟

-الاغتراب بالطبع في البدايات يوسع الهوة الحميمية المباشرة مع الوطن والأحباب، لكنه في ظني ليس دائما أمرًا سلبيًا إلا لو عاش الفرد منكفئًا على ذاته، معزولًا، رافضًا مجتمعه الجديد، معتبرًا أن ما بعدها ليس إلا جحيمًا.

كيف حافظت علي خصوصية كتاباتك في ظل بيئة مغايرة؟

اللغة العربية؛ التي هي لغتي الأم؛ حملتها معي كما هي وكتبت بها، وهي ركيزة أدواتي التي أصنع بها كتابتي من اليمين إلى اليسار، هذا المحمول اللغوي والحياتي لن يتغير لكنه سيُبرز مقارنات التماثل والاختلاف في التعامل مع العالمين.

كيف اندمجت في المشهد الثقافي بأوروبا بشكل عام وفيينا بشكل خاص؟

أولًا، عبر اللغة، إجادة لغة المكان بمفاتيح صالحة تفتح أبواب المستغلق، ثم عبر الترجمات التي أراها تأشيرة تعريف العالم بالثقافة العربية، الترجمات كانت تأشيرة الدخول للأرض الجديدة بصورة جلية، أرض سأتفاهم معها بلغتها وبصوتي، فعبر الترجمة للألمانية، توثقت علاقتي بالثقافة الألمانية وبالنمساوية تحديدًا حيث محل إقامتي الدائم، وعملي كأستاذ جامعي.

بين مصطفي سعيد بطل الطيب صالح في "موسم الهجرة للشمال" وحمزة بطل روايتك "مدن بلا نخيل" مساحة زمنية كبيرة، ما الذي تغير فيها بين الشرق والغرب؟

بين مصطفي سعيد وحمزة تقريبًا ثلاثة أو أربعة عقود، تكاد تكون ذهنيًا وفعليًا بمثابة ثلاثة قرون، مصطفى سعيد سافر ندًا للغرب مسلحًا بلغة "العدو"، سافر لينتقم بطريقته لأسباب كانت منطقية في ظنه، وعاد ليستريح ويذوب في أصله، لأنه اعتبر نفسه في مهمة مصيرية.

أما حمزة دفعته الظروف دفعًا نحو الشمال من البقعة نفسها، لا يعرف عدوًا سوى العوز، ولم يكن لديه سبب للانتقام لأنه لا يعرف ماذا حدث ولا ماذا يحدث، أراد أن يغير من النسيان والموت الذي يغطيه ويغطي قريته، لكنه فشل، التجربة التي اكتسبها دون أن يدري المكسب الذي لم يكن يفكر فيه، والذي دفعه مجددا نحو الشمال لكن دون "موسم" ودون "هجرة". جرب حياته عبر الحب، وعبر تجربة ذهنية عاصفة تكاد تكون مهلكة.

تمارس أجناسا إبداعية متنوعة: شعر، رواية، قصه قصيرة وتشكيل.. و مقدار الإبداع والإجادة بينها متقارب.. السؤال: هل ما زلت تبحث عن قالب يعبر عنك لتستقر عليه؟

الكتابة سواءً نثرًا أو شعرًا هي كتابة متقاربة، التنظير بالتقسيمات وارد ومقبول ولكن ليس من أجل عمل قطيعة، بل من أجل البحث للوصول لأعماق أو ظواهر أو حتى نظريات.

الحياة تجربة على عدة أصعدة وهكذا عندي الكتابة، وهي ليست ببطولة أن يكتب المرء في صنوف متعددة، وهناك مئات سبقوني في هذا المضمار المتنوع وهناك المئات القادمون إلى هذا التنوع.

في روايتك "بيت النخيل" مزجت أمراض العالم الثالث بأمراض العالم الأول وتصديت لها بالحكي بعد أن تجرع بطل "مدن بلا نخيل" مرارة الفقدان بسبب أمراض العالم الثالث.. ما رؤيتك للعالمين؟

العالم الأول به أمراض أخرى بتسميات أخرى غير أمراض العالم الثالث وليس الأخير شرًا مطلقًا كما يظن البعض، لكنها أمراض من الدرجة نفسها، وفي رواية "بيت النخيل" يُطرَد حمزة من جنته الصغيرة التي تحولت إلى جهنم، يسافر مئات الأميال بحثا عن الجنة المفقودة، فيصل لِجَنّة وهمية تتبدل له بين جنة ونار، وهكذا الحياة.

لكن الوطأة عليه وتجربته فيها احتاجت رواية كاملة يقول لنا فيها كيف كره وكيف أحب وكيف نجح وكيف فشل وكيف يسير العالم حوله وكيف يسير هو فيه!.

هل ترى أن عالمنا العربي يعاني من الازدواجية في التعامل مع المرأة كما صورتها في "الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا"؟

عالمنا العربي يتعامل بامتياز في السيطرة على المرأة، في روايتي الأخيرة "الرحلة 797 المتجهة إلى فيينا" تعاني ليلى من أقرب الناس إليها؛ من أخيها الذي يتبدل متطرفا من تحرر فكري إلى تزمت فكري، ثم يليه زوجها الذي يتبدل أيضا من محب لها إلى محب لنفسه، فلا تشعر معه بصفاء ولا برفقة حياة، وهناك الحبيب الذي غدر بتاريخ المحبة وتركها.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة