بقلم – محمود الحضرى
كان يوم ١١ فبراير ٢٠١١ تاريخًا مهما فى الحياة المصرية السياسية، وحالة من الحلم الذى أصبح واقعًا، بتنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن الحكم، والرضوخ لإرادة الشعب الذى ظل ١٨ يومًا فى الميادين، واتسعت دائرة احتجاجاته بشكل كبير، مما دفع الجيش إلى الوقوف إلى جانب الإرادة الشعبية.
لم تكن الدلائل واضحة حتى هذا اليوم أن جماعة الإخوان ترتب شىء ما، وإن كان هناك من يعلم بما يخطط له الإخوان، إلا أن الأمور قد دخلت إلى مرحلة الانفلات الكامل للشرطة، ودخول الجيش لاعبًا رئيسيًا فى خروج مبارك من السلطة بشكل هادئ.
أحلام الناس فى مرحلة جديدة، وربما حالة من الرفاء والرفاهية، كانت هى الشاغل الأكبر لعامة الناس، ودخلت حسابات الماديات لاعبًا فى دفع الجماهير العامة إلى الشوارع، تحت وطأة وهم الغنى القادم، واستعادة الأموال المهربة، وحسابات المال العائد «وهمًا» من الخارج، ولعبت التقديرات الوهمية دورا كبيرا فى تحفيز الناس للمواجهة.
ووصل الأمر إلى تفريغ الثورة من مضمونها فى أيامها الأولى، خصوصًا شعارها الأساسى «عيش – حرية – عدالة اجتماعية»، وذلك باللعب على البسطاء، بأن المال «الوهمى» الذى سيعود سيتم توزيعه على المواطنين، وبدأت شرائح تحسب كم ستنال من «كعكة الأموال المهربة»، ليعيش الناس وهما آخر، بعيدًا عن مضمون الثورة فى الحياة الكريمة بمفهومها الشامل.
لاشك أن حلم تخلى مبارك عن الحكم، وزوال فكرة التوريث التى كانت قاب قوسين أو أدنى، هو أهم شىء من إنجازات ثورة ٢٥ يناير، وبالفعل تم اختصار الثورة فى عبارة بسيطة هى «الشعب خلع الرئيس»، وأصبح يوم ١١ فبراير رمزًا لانتفاء سياسة وخطة التوريث التى حاول البعض أن ينفيها بمن فيهم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وبهذا اليوم ماتت فكرة التوريث التى رفضها الشعب المصرى، وسيظل يرفضها على مر التاريخ، لكونها أصبحت جزءًا من ماضى ما قبل ثورة ٢٣ يوليو وبانتهاء عصر الملكية.
وحاول الإخوان إنساب تنحى مبارك وانتهاء عصره إلى أنفسهم، وأنهم أصحاب الفضل فى ثورة ٢٥ يناير، وما تبعها من تطورات، إلا أن الجماهير الثورية، كشفت ألاعيب الإخوان سريعًا، وسطوتهم على الثورة وسرقتها، فأبدا لم يكونوا مفجريها، ولا حتى هم من صنعوها، بل حاولوا أن يصنعوا لنفسهم شيئًا فيها بالقفز عليها.
ولكن وبعد ست سنوات، يأتى السؤال الجوهرى، هل فعلًا تنحى مبارك ونظامه، وسياساته؟!، والإجابة على الجزء الأول من السؤال، تقول أن الواقع يؤكد أن الشعب وثورة الجماهير التى فجرها الشباب نجحت فى أن يتنحى مبارك جسدًا، وذهبت معه كل أحلامه وأحلام عائلته، وكل من حوله فى الاستحواذ الأبدى على مصر، واختفى معه كل شخوص نظامه، وأقصد هنا المعنى الحرفى للشخوص، وستفشل كل محاولاتهم للعودة إلى الظهور العلنى جسدًا وروحًا فى الحياة السياسية العامة بالبلاد، وتجربة أحمد عز أمين التنظيم فى الحزب الوطنى المنحل خير دليل على ذلك، حيث فشل فى التواجد على الحياة السياسية من خلال البرلمان.
أما الإجابة على الجزء الثانى من السؤال، فالأمور مليئة بالشكوك، وجزء من الإجابة، أعود به إلى تصريحات لوزير المالية الأسبق دكتور يوسف بطرس غالى فى عهد مبارك، وفى آخر اجتماع قبل الثورة مع لجنة الموازنة بمجلس الشعب وقتها، حيث قال فى هذا الاجتماع «إن بقاء الدعم فى مصر أصبح صعبًا، ولا يمكن أن تتحمل الحكومة الدعم بصورته الحالية – وقتها- ولابد من إعادة النظر فى دعم الطاقة بمختلف أنواعها، ومنظومة الدعم للسلع الغذائية، وأن إلغاء الدعم يجب أن يتم يوماَ».
وانتهت وقتها كلمات الوزير، وحينها قلت فى أحد المقالات أن «كلام الوزير كارثى» لأنه يمس فقراء هذا الوطن، وأنه سيكون بداية حالة من الغلاء فى كل أسعار السلع والخدمات، وإلغاء الدعم سيجر باقى السلع لأتون الغلاء، وفى نفس الوقت كانت لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل تناقش نفس القضية، وكيفية التخلص مما كانت تسميه «عبء الدعم»، إلا أن ثورة ٢٥ يناير جاءت أسرع لتطيح بكل ما كان يفكر فيه وزير المالية ولجنة السياسات، بعدما أطاحت بهؤلاء الشخوص وتنحى رئيسهم عن الحكم.
والإجابة على الجزء الثانى من السؤال مازالت مستمرة، فبعد ٦ سنوات من تنحى مبارك وشخوص نظامه، هل تنحت سياساته، أستطيع القول أن هذا لم يتم فى جوهر ما نعيشه، فقبل شهور قليلة، تم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، باتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولى، والذى أسفر عن تطبيق نفس السياسات التى كان يفكر فيها يوسف بطرس غالى، ومن خلفه لجنة السياسات والحزب الوطنى المنحل، وببيع القطاع العام «الخصخصة» يتم بصورة جديدة.
حتمًا الأوضاع تؤكد أن ست سنوات مرت على التنحى، ولكن بقيت السياسات، والأفكار، ولم يحدث تغيير فى جوهر ما كان يفكر فيه اقتصاديو نظام مبارك.. فطحن المواطن الغلبان والمقهور فقرًا مازال هو النهج، ليتحمل وحده فاتورة وأعباء المشاكل المتراكمة، دون توزيع عادل - حتى الآن - لهذه الفاتورة، فذهب الدعم مع الريح، وغول الأسعار يزداد شراسة، ويطال الأخصر واليابس، حتى كاد ينخر عظم الناس.
مؤكد ذهب وتنحى مبارك جسدًا عن الحكم، والحديث عن التوريث جزء من الماضى، رغم وجود محاولات يائسة لإطلال بعض شخوصه برأسهم، ولكن الأفكار والسياسات هى ذاتها التى تحكم وتتحكم بالعباد.