الأربعاء 15 مايو 2024

أنت لست ضحية لجيناتك

15-2-2017 | 13:33

 

بقلم –  د. محمد فتحى

حب جديد يحسن ويقلب حياتك أنت بالذات

يحمي من الإصابة بالزهايمر وأمراض القلب والسرطان و...

ياسلملم لو اعتر في حبيب

دا انا أرقص من كتر الإعجاب

كده هُه! كده هُه! كده هُه!

بروس ليبتون أستاذ طب فذ يقلب فلسفة الحياة والطب رأسا على عقب..

يخلصنا من عبودية الاعتقاد في استبداد العوامل الوراثية (الجينات) أو العوامل البيئية (التربية) بمصائرنا: سجايانا وسلوكنا وأمراضنا و...، وينصبنا أسيادا على هذه المصائر. ونؤكد يكشف:

عن أن الجينات لا تتحكم فينا، وأن بإمكاننا أن نتحكم فيها ونصبح أسيادا في تسيير حياتنا.

وعن ضرورة أن نعيش بعقل كامل بدلا من كوننا نحصر أنفسنا حاليا في ٥٪ فقط من إمكانات عقولنا!

وعن إمكانية، وربما ضرورة، أن نعتمد في التخلص من توعكاتنا أساسا على مقدرة الشفاء الفطرية في أجسادنا، بدلا من العلاجات الكيميائية والجراحية و... .

وعن إمكانية عيشنا بالرغبات والمخططات الواعية التي نريدها، بدلا من ثرثرة التقطناها كلشنكان (كل شيء كان) ممن حولنا أيام سذاجتنا الأولى.

وعن...

والطريف أنه - بروس ليبتون - يكشف عن أن كل ذلك لن يتطلب إلا أن يعيش المرء «حالة الحب»، فهي التي تسهم (بهرمونات الدوبامين والإكسوسيتين والنمو و...) في النهاية بعيشنا في سعادة وحيوية ونمو وتدعم مناعتنا الطبيعية في مواجهة الأمراض و...، بينما لا تقود حالة الخوف التي يتخبط معظمنا في دروبها (بأدرينالينها و...)، لا تقود إلا إلى التعثر والمرض و... وتسهم في النهاية بقتلنا..

....................................

كان لقائي الأول مع بروس ليبتون دراميا فقد قرأت في بداية تعرفي على كتاباته سطورا طبق الأصل هي مدخل قصتي «حكاية حب في جنة ساخنة» (روزاليوسف ١٠ مايو ٧١)، تلك السطور التي أوصف فيها «حالة الحب»، قلت في سذاجتي الأولى: هاهو عالم طب أمريكي كبير يقرأ «روزاليوسف» ويسرق منها، وانهمكت في القراءة فهالني وزلزلني ما وجدت.

كان عمره سبع سنوات حين نظر في الميكروسكوب للمرة الأولى وشاهد الأميبيا تتحرك.. قال هذه لعبة ليست كلعبات الأشغال والقص واللزق والدبابيس و... فهذه (الأميبيا) مخلوقات حية تتحرك مثل البشر ولها مقاصد و... . وتنامى معه الاهتمام باللعبة المثيرة حين اشترت له أمه ميكرو سكوب، يمكنه من ممارسة «ألعابه» قدر ووقت ما يريد... . وتنامى اهتمامه حتى صار أستاذ بيولوجيا في جامعة ويسكونسون الأمريكية، متخصصا في مرحلة الدراسات العليا في دراسة تطور الخلية الحية (التي يظل يراها حتى الآن كأميبيا) بالميكروسكوب الإلكتروني.

كان يدرس لطلاب الطب أن الجينات تتحكم في حياة المرء: صفاته الجسدية وسجاياه وسلوكه وأمراضه و... .

وكان يجري تجاربه (١٩٦٧) على الخلايا الجذعية (خلايا الأحياء الأولى التي لم تتخصص بعد لتصبح خلايا تتشكل منها أنسجة الكائن الحي وأعضائه) وزلزلته المفارقة التي وقع عليها.

كان يأخذ خلية جذعية واحدة ويتركها تنقسم في طبق التجارب، ويأخذ بعض الخلايا الناتجة ويضعها في وسط غذائي بعينه فتنتج خلايا عظام، ويضع البعض الآخر في وسط غذائي مختلف فتنتج خلايا عضلات، ويضع البعض الآخر في وسط غذائي ثالث فتنتج خلايا دهون.. كلها خلايا منقسمة من خلية واحدة .. أي أن لها جميعا تكوينا وراثيا واحدا.. ولها نفس طاقم الجينات، لكن ناتجها يختلف مع اختلاف البيئة، أو مع اختلاف الوسط «الغذائي» المحيط.. وهكذا أدرك القيمة العظمى الغالبة للبيئة... .

كأثر خلايا بشرية، وأخذ جزءا منها ووضعه في بيئة غذائية غير مواتية، فمرض هذا الجزء من الخلايا، بينما استمر الجزء الموجود في بيئة طبيعية في النمو والازدهار.. استعاد جزء من الخلايا التي مرضت من البيئة غير المواتية ووضعها في بيئة مواتية، فاستعاد (المريض) عافيته دون أية عقاقير، بينما مات الجزء الذي استمر في البيئة غير المواتية... .

وسبب الزلزال الذي أحسه ساعتئذ كان التباين المذهل، أو المفارقة التي وقع عليها بين تصورين:

التصور الذي يدرسه لطلاب الطب: الجينات تتحكم في حياة المرء: صفاته الجسدية وسجاياه وسلوكه وأمراضه و...، بمعني أن الإنسان يرث جينات الذكاء والبدانة والسكر والسرطان وما لانهاية من السجايا والعيوب والأمراض، وهكذا يصبح الإنسان مجرد عبد وضحية بسبب ما ورثه.

والتصور الذي أوصلته إليه أبحاثه الشخصية: أن هناك ما فوق الجينات يتحكم فيها، وهو الوسط المحيط الذي يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه، وهكذا يصبح الإنسان شريكا في تحديد مصيره، وربما- إذا تمتع بدرجة معقولة من الذكاء- سيد مصيره.

لخمسين عاما ظل الدارسون «مؤمنين» أن الجينات هي المتحكمة في كل شيء.. وظلوا يكررون ذلك حتى أصبح ركنا أو جزءا أساسيا من كل كتاب تعليمي، ناهيك عن كل مادة ثقافية وإعلامية. لكن النتائج الحقيقية التي حصل عليها ليبتون تثبت أن هذه لم تكن بالمرة حقيقة علمية.. فالجهاز الوراثي لمعظمنا يحوي جينات سرطان، لكن قطاعا من هذا المعظم يصاب بالسرطان فعلا، وقطاع منهم لايصاب بالسرطان، والفارق هو العوامل البيئية المحيطة التي تٌفعل أو تكف عمل جينات السرطان.. لم تثبت تجاربه- ولا تجارب غيره- المقننة أن الجينات تتحكم في أي شيء.. أن المعتقد التقليدي بأن «الجينات تتحكم في البيولوجيا» محض خطأ، فوفق تجاربه الجينات لا تستطيع أن تُفعل أو تكف بنفسها (دون البروتينات التي تشغلها) أي تأثير.. فكيف بالله عليك يمكنها أن تتحكم في شيء وهي لا تستطيع أن تتحكم في نفسها؟!... .

وهكذا قرر ليبتون ترك الجامعة، بعد ٢٠ سنة تدريس، حيث رأي استحالة الاستمرار في تلقين الطلاب ما في الكتب الدراسية، مما يخالف أبحاثه ورؤيته واعتقاده وضميره. مقررا مواصلة مسيرته العلمية وفق قناعات الواقع، بعيدا عن أي دوجما أو خرافة، حتى وإن تلفعت برداء العلمية... . والطريف أن التطور العلمي يثبت اليوم أن موقفه هو الصحيح.. فعلي سبيل المثال كانت صورة الجينات على النحو المستبد الذي وصلنا يوم أجرى تجاربه ١٩٦٧، بينما أصبح هناك اليوم علم جديد (Epigenetic control) يدرس التحكم في الجينات، ويرى أن هناك ما فوق الجينات يتحكم فيها... .

المهم أن ليبتون واصل أبحاثه على أساس أن جسد الإنسان يتكون من ٥٠ تريليون خلية، كلها لها تكوين وراثي واحد وتحوي نفس الجينات.. لكن هذه الجينات لا تحدد مصيرها كما أشاعت التخيلات «العلمية» زمنا.. ولكن ما يتحكم فيها حقيقة هو الوسط المحيط بها.. والوسط المحيط بها هو الدم الذي يتحكم فيه المخ... .

كيف يتحكم المخ في الدم؟

يعيش المرء «حالة حب» فيوجه المخ الغدد الصماء لإفراز هرمونات الدوبامين والاكسوسيتن مع هرمون النمو.. ودراسة تأثيرات هذه الهرمونات على خلايا الجسم تقود إلى أنها تشكل وسطا بيئيا (يحرك بروتينات تشغل جينات) يجعل هذه الخلايا تحلق في آفاق الصحة والنمو، كما يتألق الإنسان في حالة من الإقبال على الحياة والسعادة والنشوة و...، كما لا يصعب على أي منا أن يرى في «حالات الحب».. وبالمناسبة من هنا جاء التطابق بين سطور قصتي «حكاية حب في جنة ساخنة» وسطور وصف ليبتون، الذي صورته دعابتي وسذاجتي الأولى سرقة.

ويعاني نفس المرء من شئ يخيفه فيوجه المخ الغدد الصماء لإفراز هرمونات أخرى هي هرمونات التوتر وأهمها الإدرينالين وعوامل الالتهاب و... . مما يقود إلى وسط بيئي مختلف وغير موات (يحرك بروتينات تشغل جينات أخرى)، ودراسة تأثيراته على خلايا الجسم تقود إلى أن هذه الخلايا تتوقف عن النمو وتذوي وتمرض، وتموت في نهاية المطاف، كما يعاني الإنسان من حالات الانسحاب والهمود والخمود والمرض و... .

والمشكلة هنا أن خلايا الجسد (والإنسان عامة) مبرمجة على أن تعيش في واحدة من حالتين.. حالة النمو (والتكاثر في إطارها)، وحالة الحماية والدفاع ضد ما يتهددها. وقد أثبت العلم أن أكبر مثير لحالة النمو هو الحب، حتى أن الأطفال الأيتام، الذين توفر لهم الدول المتقدمة في الملاجئ أفضل ظروف للعيش والتغذية، تقل درجة نموهم العام بنسبة ٣٠٪ عن أقرانهم الطبيعيين، نتيجة افتقارهم لحب الأسرة... .

وهكذا فإن الإنسان إما أن يكون بمجموعه في «حالة حب ونمو»، أو يكون في «حالة خوف ودفاع»، وإدراك (دماغه) هو الذي يقرر ذلك (عن طريق الهيبوثلامس)، ويفرض توابعه عن طريق الأوامر التي يصدرها للغدد الصماء لإفراز الهرمونات المناسبة لتشغيل هذه المجموعة (الحب والنمو) أو تلك (الدفاع) من الجينات... .

وفعل الخوف الذي تعودنا عليها بالفعل ملايين السنين ونحن نعيش في الغابة (والمتمثل في: قاتل أو اهرب) يسحب الدم والطاقة المحدودين من أحشاء مهمة بالجسم، ليضخها في أطراف القتال والهرب: السواعد والسيقان..

كما يسحبهما من المخ الأعلى لأن الإنسان في هذه الحالة (مواجهة الأسد) ليس في حاجة إلى الوعي والأخذ والرد والتقييم و... بل في حاجة إلى رد الفعل التلقائي المتمثل في الجري والهرب.

ويسحبهما من جهاز المناعة، فلا قيمة تذكر لمقاومة الجراثيم والأمراض داخل الجسم أمام تهديد التهام الأسد.

وهكذا تتوقف كل وظائف النمو، فعن أي نمو يبحث الإنسان وهو مهدد بالفناء، و... .

ولك أن تتخيل حال الإنسان لو ظل يعانى من الخوف أزمانا ممتدة، بلا مخ أعلى (أي وهو أغبى من إمكاناته الطبيعية) وبلا مناعة (أي وهو نهب لكل الجراثيم والأمراض الانتهازية).. وبلا نمو أو تغذية لأحشائه الحيوية و ... .

والمعنى هنا أنه إذا فتح المرء عينيه ورأى أمامه وحوله بيئة صحية وسعيدة وداعمة ستكون الكيمياء الناتجة التي تحرك الجينات، مثل هذه البيئة تماما، صحية وسعيدة وداعمة لخلايا وأنسجة جسمه. والعكس بالعكس. وأنه يمكن علاج كثير من الأمراض بمجرد انتزاع الإنسان من البيئة التي تفرض عليه الخوف والدفاع وعيشه في بيئة صحية وسعيدة وداعمة... .

إدراكك غير سليم

وبالطبع يفهم القارئ أن الحديث يدور ليس عن مجرد «غابة وأسد»، بل وليس حتى عن ظروف حياتية ضاغطة فقط، فلربما ينتج الأمر عن إدراك غير صحيح، فقد يتصور المرء أنه يعيش في ظروف ضاغطة ومخيفة، بينما الواقع أنه يعيش في ظروف ليست بهذه الدرجة من السوء، أو حتى يعيش في ظروف طبيعية وجيدة وداعمة، لكن إدراكه يصورها له على العكس من ذلك... .

أي أن معتقدات المرء (أي إدراك عقله لما حوله) تشكل فلترا أو عدسة تقف بين الواقع وبين خلايا جسده، وتسهم بشكل أساسي في التأثير على عمل وصحة هذه الخلايا.. إن بيولوجيا الجسم وصحته ومرضه انعكاس لإدراك المرء. فإذا داوم على أن يقول لنفسه يا إلهي سوف أصاب بالسرطان لأن عددا من أفراد عائلتي قد أصيبوا به، وجينات السرطان في تكوين العائلة الوراثي، أو سأصاب بالزهايمر لأن...، لن تنطلق في دمه المواد الكيميائية الخاصة بحالة الحب، بل ستنطلق- بهذا الإدراك- هرمونات التوتر وعوامل الالتهاب و... وسوف يؤثر ذلك على حياته بشكل سلبي تماما.. فالذي يتحكم في حياة المرء ليس جيناته بل كيف يتفاعل مع الحياة من حوله بعقله.. ومعتقداته (أي إدراك عقله لما حوله) هي التي تغير من كيمياء جسده، التي تغير بدورها بما في ذلك عن طريق بروتينات تفعيل عمل هذه الجينات وكف تلك و... .

وهنا نقاط مثيرة خاصة بعمل الإدراك العقلي ينبغي فهمها، ذلك أن عقل الإنسان ليس حرا في عمله وتصوراته... .

عقلك ليس حرا

من المهم، في البداية، فهم أن عقلك عقلان أو جزءان: العقل الواعي، والعقل تحت الواعي وأن لكل منهما دوره.

العقل الواعي هو الذي يتعامل بالمنطق، وهو الذي تفكر وتخطط به. لكن هذا العقل الواعي يؤدي فقط ١-٥٪ من العمل الكلي للعقل.. فهو مثل سائق رافعة (ونش) جبارة، إنه يوجه ويسيطر على الرافعة، ولكنه لا يقوم بحمل أي من الأحمال الفعلية. فهو مجرد سائق لعقلك «التحتواعي» القوي بشكل لا يصدق. رغم أنه يعمل دون أن تعي ما يعمله، وهو القوة التي تنجز ٩٥-٩٩٪ من كل شيء يحدث لك.. هو الذي يضمن أن يبقى قلبك ينبض، وتستمر رئتاك في التنفس، وتتذكر العضلات الخاصة بك كيفية المشي، وجهازك المناعي كيفية محاربة البكتيريا و... .

عقلك «التحتواعي» ما هو إلا طيار آلى يعمل بجد في خلفية وجودك وحياتك، مما يتيح لعقلك الواعي فرص التفكير والتعلم والنمو و... .

وهل يعني ذلك شيئا بالنسبة لموضوعنا؟

هل حاولت في الماضى تغيير عادة ما مثل الإقلاع عن التدخين أو تقليل وزنك بالاعتماد فقط على قوة إرادتك؟ إذن فأنت تعلم أن قوة الإرادة وحدها استراتيجية فقيرة لخلق تغيير دائم في حياتك. لأن الإرادة تنبع من العقل الواعي، وبالتالي فهي محصورة في قدراته. عند محاولة استخدام قوة الإرادة وحدها لإحداث التغيير، فقد حصرت نفسك في استخدام جزء هين (١-٥٪) من مواردك، وهذا مدعاة لتحقيق نتيجة غير مواتية بالفعل!

لهذا على من يريد تحقيق نتائج إيجابية تعلم الاستفادة بفعالية من العقل الواعي لتوجيه العقل «التحتواعي»، لأن ذلك يتيح للمرء إمكانات وموارد هائلة، مما يجعله يحقق أفضل الإنجازات، ويعيش أفضل حياة يودها.

لكن هنا توجد مشكلة هي أن العقل «التحتواعي» يحوي كثيرا (ما يزيد على ٧٠٪) مما لا يساعد على أن يكون نتاج عمل العقل الكلي في صالح المرء، فكثير من معتقدات «التحتواعي» تنزرع في الإنسان خلال السنين الست الأولى من حياته عبر التقاط ما يحيط به.. خلال هذه السنوات عقول الأطفال تكون مبدئيا في حالة لاقطة جاذبة (نموذج أمواج ثيتا في الدماغ)، وهكذا يتشرب الطفل معتقدات والديه ومن يحيط به بلا تمييز، حيث تتخزن في تحت الوعي لديهم دون مساءلة أو فهم.

ويمكن شرح أداء هذه المعتقدات، بمقارنة المخ بجهاز التسجيل.. فعندما تشتري جهازا جديدا يكون فارغا وليس عليه أية تسجيلات، لذلك أنت لا تستطيع أن تستمع لأية «أغنية» بمساعدته.. لكن حين تحمل عددا من «الأغاني» على الجهاز تستطيع استدعاءها والإصغاء إليها.. وتكون هي التسجيلات الوحيدة التي تستطيع الاستماع إليها، على الرغم من وجود تشكيلة هائلة من «الأغاني» الأخرى، إلا أنك لن تتمكن من الاستماع إليها حتى تقوم بتسجيلها على جهازك.

وبشكل مشابه مهما كان نوع المعتقد الذي قام المرء بتسجيله في تحت الوعي عنده خلال سذاجته الأولى (وعمره أقل من ٧ سنوات)، فإنه يبقى الخيار الوحيد المتاح ليسمع ويرى ويؤثر في جسده.. إننا نستنسخ أوتوماتيكيا معتقدات والدينا والمحيطين بنا ونظل نكرر عاداتهم، إلا في حالة تعرضنا لمعتقدات أخرى، وقيامنا نحن عن قصد بزرع معتقدات جديدة.. عندها فقط سوف نتحرر من المعتقدات القديمة التي زرعت بداخلنا كلشنكان (كل شيء كان) بلا مساءلة أو فهم منذ الصغر... . من هنا يحوي العقل «التحتواعي» كثيرا مما لا يساعد المرء على أن يكون نتاج عمل العقل الكلي في صالحه، الأمر الذي يستدعي تغييره..

تحديث طيارك الآلي

وللأسف، كثير من الناس لا يفهمون مدى قوة العقل «التحتواعي» أو كيفية العمل القصدى المتعمد معه. وبالتالي يسمحون للسلوكيات والأفكار السلبية أن تبقى على طيارهم الآلي لفترة طويلة، على الحالة التي تشكل بها خلال طفولتهم دون تحديث.. إنهم لا يستطيعون تخيل قيامه بأي شيء آخر غير ما تعودوا أن يقوم به. لهذا فعجلات حركتهم وترقيهم «غارزة». إنهم مشلولون عالقون.

إن عقلك تحت الواعي يتصرف بناء على ما اعتدت عمله مرارا وتكرارا. هذا هو ما يجعلك تفضل الكولا أكثر من بيبسي مثلا؟! يتبنى عقلك تحت الواعي التصرفات المعتادة، التي نجمت عن قصد أو غير ذلك، كأمر واقع.

والمشكلة تكمن في أن معظمنا يمضي طوال حياته دون أن يقرر، في أي وقت بشكل واضح، ما يريد هو أن يفعله في حياته أو ماذا يريد هو أن يكون، وليس ما يريده ما يحيطه من مجتمعات. وعن هذا الطريق نسمح لعقلنا تحت الواعي بالسيطرة علينا، وفق الحياة الافتراضية التي بثتها فينا التنشئة الاجتماعية.

لكن يمكنك تغيير حياتك على نحو أكمل وأرقى، تماما كما يتيح لك وعيك وخيالك. تريد أن تصبح بطلا رياضيا؟ تريد أن تصبح مهندسا متفردا؟ تريد أن تكون مليونيرا؟ يمكنك أن تفعل ذلك. تريد أن تبدأ عملا يزيد من ثراء العالم ويخفف جوع الناس؟ يمكنك أن تفعل ذلك. ولكن يجب عليك أن تتخذ، أولا، قرارات القيام بذلك، وأن لا تقف عند مجرد القول.. عليك بذل كل جهد ممكن في زراعة الإيمان المطلق في نفسك وتربية قدراتك ومهاراتك.

للبدء، يجب أن تجدد تشريط عقلك تحت الواعي أو إصلاحه، لينأى عن تصور أنك أفكارك الحالية.

كثير من الناس يعتبرون أنفسهم تتويجا للثرثرة العقلية التي تحتشد باستمرار داخل رءوسهم. هذه الثرثرة تستمر طويلا حتى أننا نفترض أنها واقعنا. لكن عليك تغيير أفكارك حتى تغير حياتك، وفي البداية، عليك مقاومة فكرة أنك ستفقد مع التغيير هويتك.

إذا كنت ستعمل على ضبط وتحديث طيارك الآلي فعليك فهم أن ذلك سيتطلب جهدا ويستغرق فترة من الوقت لتعويده على برامج جديدة، وعليك معرفة أن العقل والهوية الحالية الخاصة بك مستقرة في سرداب. الأمر يحتاج إلى جهد جدي لإخراجها منه.. مثل شعورك في صباح شتوي بارد وأنت تحس بالدفء تحت الغطاء، سيكون التفكير في الخروج من الفراش غير مريح. يتطلب الحافز والدافع والإرادة.

أنت لست أفكارك الحالية.

لكن عليك أن تثابر تثابر على فهم أنك أكبر بكثير من أفكارك الحالية، وأن لديك القدرة على اختيار الأفكار التي سوف تحثك في نهاية المطاف على البدء في إعادة برمجة عقلك تحت الواعي، بالجهاد الجهاد في تبني عادات جديدة تناسب ما تتخيله عن مستقبلك وأحلامك. وأن «حالة الحب» هي جوهر وجودك ونموك..

وكما اخترت أن أبدأ الدراسة بداية ذاتية أود أن أنهيها نهاية جاهينية، لكن قبل ذلك أوضح مغزى البداية والنهاية، وهو أن ما توصل إليه بروس ليبتون ليس إلا فطرة الحياة الكامنة في كل منا، والتي يحسها كل منا في هذا الموقف أو ذاك، وهنا لا يبقى لي إلا أن أتركك مع جاهين:

أنا دبت وجزمتى نعلها داب

من كتر التدوّير ع الأحباب

يا سلملم لو أعتر ف حبيب

دا انا أرقص من كتر الإعجاب

كده هُه! كده هُه! كده هُه!

أنـا قلبي مـزيكا بمفـاتيح

من لمسـة يغنّي لـك تفاريح

مع إنـّي مافطرتش وجعان

ومُـعَـذّب ومُـتَـيّم وجريح

باتنطط واتعفرت واترّقص

كده هُه! كده هُه! كده هُه!

.....

أنا عازمك يا حبيبــى لما الاقيك

على فسحة في جميــع الطرقات

نتنطط نتعفرت نترقص

كده هُه! كده هُه! كده هُه!

كده كده هُه

 

    Dr.Radwa
    Egypt Air