الإثنين 27 مايو 2024

قناة السويس .. تاريخ حفرته الهلال

24-9-2017 | 14:18

محمد شلبى أمين

المصريون هم أول من شق قناة لربط البحرين الأبيض بالأحمرعن طريق النيل وفروعه، وأول قناة أنشأها سنوسرت الثالث أحد ملوك الأسرة الثانية عشرة عام 1874 ق.م، فكانت السفن القادمة من البحر المتوسط تسير فى الفرع البيلوزى من النيل وهذا الفرع كان أول فروع النيل القديمة من ناحية الشرق فتظل السفن فى السير حتى “بوبست” الزقازيق حاليا، ثم تتجه شرقاً إلى “نيخاو” أبو صوير حالياً بجوار مدينة الإسماعيلية، ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة التى كانت فى ذلك العهد خليجاً متصاً بالبحر الأحمر.

واستمرت قناة سنوسرت الثالث تقوم بعملها مدة طويلة حتى امتلأت بالأتربة والرمال،ومع مرورالسنين تدهورت حالتها، وردمت بالكامل،كما تكون سد أرضى، عزل البحر الأحمر عن البحيرات المرة، وأعيد افتتاحها عدة مرات تحت عدة أسماء منها: قناة سيتي الأول عام 1310 ق.م، ثم تلتها قناة نخاو الثانى ) 610 ق.م( ، ثم قناة الملك الفارسى دارا الأول ) قناة الفرس ( عام 510 ق.م، ثم قناة الإسكندرالأكبر ) 332 ق. م( ،ثم قناة الملك الإغريقى بطليموس الثاني ) قناة الإغريق (عام 285 ق.م، وقناة الرومان ) 98 ميلادية( في عهد الإمبراطور تراجان، وقيل عام 117 ، وفى عام 22 هجرية، 642 ميلادية وبعد الفتح الإسلامى لمصر أعاد عمرو بن العاص قناة تراجان إلى الملاحة من الفسطاط أوالقاهرة فيما بعد إلى القلزم أو “السويس”، وسميت ب” قناة أمير المؤمنن”،كان ينقل عبرها خراج مصر لمقر الخلافة في الحجاز، وفى أعقاب إعادة افتتاحها خطرلعمرو بن العاص أن يشق قناة مباشرة بين البحرين الأحمر والأبيض، لكن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب أثناه عن هذا الخاطر اعتقادا منه بأن شق البرزخ قد يعرض وادى النيل لطغيان مياه البحر الأحمر.

وظلت قناة أمير المؤمنن مفتوحة لقرن ونصف من الزمان،استخدمت فى التجارة بن الدول الإسامية وأوروبا من جهة والهند والصين من جهة أخرى،كذلك فى نقل الحجاج إلى الأراضى الحجازية، إلى أن أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردمها سنة 767 م ،حتى لاتستخدم فى نقل المؤن والإمدادات من مصر إلى أهالى مكة والمدينة الثائرين على حكمه، ومن ثم أغلق الطريق البحري إلى الهند وبلاد الشرق، وبذلك تعطلت الملاحة بن البحرين الأبيض والأحمر أحد عشر قرنا، وأصبحت البضائع تنقل عبر الصحراء بواسطة القوافل، حتى سنة 1820 م .

ظلت كل القنوات التى حفرت قبل قناة السويس مجرد جزء من الحلم الكبير بحفر قناة تصل مباشرة مابين البحرين المتوسط والأحمر،وظل هذا الحلم جنينا فى رحم الأفكار حتى جاء نابليون بونابرت على رأس الحملة الفرنسية على مصر ) 1798 –1801 م ( ، وأراد نابليون وعلماء الحملة تحويل الحلم إلى واقع ،لكنهم أخطأوا الحسابات فظنوا أن أحد البحرين أعلى من الآخر مما يمثل خطورة كبيرة فى شق مثل هذه القناة،وباءت الفكرة بالفشل.

وتوقف الحلم حتى جاء )السانسيمونيون( بعد تولية محمد على حكم مصر سنة 1805 م، وحلموا رغم الدراسات الكثيرة التى أعدوها لكن الحلم توقف حتى استطاع فرديناند ديلسبس سنة 1854 م أن يسطو بطرق ملتوية على دراسات حفر قناة تربط بين البحرين واستغل وجود الوالى سعيد على رأس الحكم فى مصر لينفذ هذا )الحلم المستحيل( مستغلاً علاقته القديمة بالوالى سعيد واستطاع بالفعل أن يقنعه بالمشروع ، وحصل على موافقة الباب العالي،واستطاع أن يخدع محمد سعيد باشا بكتابة عقد أقل مايوصف به أنه )عقد إذعان( حيث تتحمل مصر كل شىء تقريباً ،وبموجبه يمنح الشركة الفرنسية امتياز لمدة 99  سنة .

وعندما حاول الخديو إسماعيل تعديل هذا العقد الجائر لم يجد أمامه إلا الاحتكام إلى نابليون الثالث ملك فرنسا.. الذى وقف فى صف ديليسبس على حساب مصر.

بدأ الحلم يتحول إلى واقع مع أول ضربة فأس بيد الفاح المصرى البسيط الذى أخذ من القرى والنجوع ليعمل بالسخرة فى مشروع حفر قناة السويس، وانفرد دي ليسبس وحده بوضع لائحة العمال وحاز على توقيع الخديوي سعيد عليها، والتي ضمنت لشركة قناة السويس البحرية )الفرنسية في ذلك الوقت( الموارد البشرية الهائلة من خلال تعبئة المصرين لحفر القناة، وجاءت المادة الأولى من اللائحة لتنص على أن تقدم الحكومة المصرية العمال للشركة طبقاً للطلبات التي يتقدم بها كبير مهندسي الشركة وطبقاً لاحتياجات العمل، وحددت المادة الثانية أجور العمال التي تراوحت ما بن قرش ونصف القرش وثلاثة قروش في اليوم، وإذا كان العامل دون الثانية عشرة من عمره يتقاضى قرشاً واحداً في اليوم، والتزمت الشركة بتقديم الخبز المقدد إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره، ونصت اللائحة على فرض عقوبات على العمال الهاربن من الحفر، فالعامل المهمل يخصم من أجره بما يتناسب مع مقدار إهماله، أما العامل الذي يهرب فيفقد أجر الخمسة عشر يوماً المحفوظة بخزينة الشركة، ونصت اللائحة أيضاً على عمل مستشفى ميداني بمنطقة الحفر ومراكز للإسعاف مزودة بالأدوية.

بدأت فصول معاناة العمال من خلال نقض الشركة لوعدها بحفر قناة ماء عزب لمد العمال بمياه الشرب مما أدى للتضحية بآلاف العمال الذين أنهكتهم شدة العطش والانهيارات الرملية. ثم توالى سقوط الآلاف بسبب انتشار الأوبئة، كما خالفت الشركة وعدها بتوفير وسائل متطورة في الحفر وأكره العمال المصريون على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على سواعدهم وعلى الفأس والقفة.

في شهر ديسمبر 1861 م ذهب سعيد باشا بنفسه إلى منطقة الحفر، وأمر بحشد 20 ألف شاب لزيادة معدلات الحفر، فشهدت بذلك سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت في سنة 1862 م ما بين 20 ألف و 22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهن القبلي والبحري، وكثر تمردالعمال وهروبهم وأظهر عمال الوجه القبلي تحدياً سافراً للشركة مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم.

كانت مدينة الزقازيق هي منطقة فرز العمال التي كان يستبعد بها أصحاب الأجسام النحيلة ويختار منهم الشبان الأقوياء، الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيراً على الأقدام في أربعة أيام وهم مقيدين بالحبال يحمل كل منهم قلة ماء وكيس خبز جاف، فيصلون إلى ساحات الحفر منهكي القوى، فيتبع وصولهم إصدار الأوامر بتسريح العمال القدامى الذين أمضوا شهراً كاملاً وهي المدة المقررة لبقائهم. وكانت عمليات الحفر من المشاهد المثيرة التي يحرص على رؤيتها السائحون الأجانب في هذا العصر. وتمادت الشركة في تعنتها ولم تدفع أجور العمال، واستمر نقص المؤن والملابس والأحذية، كما أنشأت معتقل يُرسل إليه من يسيء السلوك، وأنشأت إدارة طبية ومركزاً لإسعاف المرضى لرعاية العمال، ولكن صدرت الأوامر بأن تركز هذه الإدارة جهودها فقط في رعاية العمال والموظفن الأجانب، ومما عرض العمال بشكل مجحف للموت من شدة فتك الأمراض بهم. وطبقاً للتقارير الطبية المحفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية كان أكثر الأمراض انتشاراً بن العمال هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد والدوسنتاريا وأمراض الكبد والجدري والسل، ثم جاءت الكوليرا في صيف سنة 1865 م وعصفت بالعمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالاً يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم في الصحراء، وتلاها ظهور مأساة تعرض العمال خلال الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما أدى إلى إصابة الآلاف بالأمراض الغامضة التي أدت إلى وفاتهم على الفور، والغريب أن الحكومة الفرنسية منحت في 19 يناير 1867 م وسام الشرف من طبقة فارس للدكتور أوبير روش كبير أطباء الشركة الفرنسية تقديراً لجهوده التي قيل إنه بذلها في حماية العمال المصرين من الموت.

شارك في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، مات منهم أكثر من 120 ألف نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة. ورغم كل حياة الظلم والقهر والبؤس التى عاشها الفلاحون المصريون مما أدى إلى وفاة عشرات الآلاف منهم إلا أنهم نجحوا فى شق قناة السويس بطول 170 كيلو مترا من السويس جنوباً وحتى بورسعيد شمالا، كما نجح العمال المصريون فى شق ترعة الإسماعيلية لتصبح شرياناً حيوياً يمدهم بالمياه العذبة أثناء الحفر الذى استغرق 10 سنوات من ) 1859 - 1869 م (.

تحولت قناة السويس إلى )دينامو( يولد إشعاعاته فى جميع المجالات، كما أكدت على العلاقات الوثيقة بين الشعب المصرى ومشروع حفر قناة تربط البحرين المتوسط والأحمر خاصة بعد قيامه بالفعل بحفر العديد من القنوات التى استخدمت فى الملاحة لقرون عديدة.

وفي سنة 1905 م حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عاماً إضافية إلا أن المحاولة فشلت .

وفي يوليو عام 1956 م قام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس، والذي تسبب في إعان بريطانيا وفرنسا بمشاركة إسرائيل الحرب على مصر ضمن العدوان الثلاثي والذي انتهى بانسحابهم.

تسببت حرب 1967 م في إغلاق قناة السويس لأكثر من 8 سنوات، حتى قام الرئيس السادات بإعادة افتتاحها في يونيو 1975 م.

وشهدت القناة بعد ذلك محاولات لتوسيعها بدأت عام 1980 م وكذلك فكرة تحويلها إلى منطقة خدمات لو جستية .

أغلقت قناة السويس أمام الملاحة خمس مرات.. كان أولها إبان الاحتلال الإنجليزي لمصرسنة 1882 م، لأقل من أسبوع في أعقاب الثورة العرابية.

وأغلقت للمرة الثانية ليوم واحد سنة 1915 م خال الحرب العالمية الأولى.

وللمرة الثالثة لمدة 76 يوماً خلال الحرب العالمية الثانية.

وأغلقت للمرة الرابعة خمسة أشهر عقب العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 م.

وأعيد فتحها سنة 1957 م. وكان الإغاق الخامس والأخير بعد حرب يونيو 1967 م مع إسرائيل، واستمر لمدة 8 سنوات حتى سنة 1975 م.

فى كل ماسبق من تاريخ قناة السويس..حفرت الهال أمجادها فى أعدادها التى امتدت بطول عمرها،كما أفردت لها أعدادا كاملة كما فى ديسمبر 2013 “ قناة السويس ملحمة شعب تاريخ أمة”.

وفى حفر قناة السويس الجديد كانت الهلال حاضرة فرصدت بدايات الحفر والخطة الزمنية له ،وحاورت الفريق مهاب مميش،لعملية حفر تفريعه جديدة لقناة السويس من الكيلو 61 إلى الكيلو 95 )طبقاً للترقيم الكيلو متري للقناة( بطول 35 كم بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والباح بطول 37 كم ليصبح الطول الإجمالي للمشروع 72 كم من الكيلو متر 50 إلى الكيلو متر .122

فتصبح قناة موازية للممر الملاحي الحالي بطول 72 كم، لتمكين السفن والناقات من عبور القناة في كلا الاتجاهن في ذات الوقت، وتافي المشكلات الحالية من توقف قافلة الشمال لمدة تزيد عن 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، وتقليل زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، ويسمح باستيعاب قناة السويس للسفن العملاقة بغاطس 65 قدم بتكلفة بلغت 4 مليار دولار، تمت عمليات الحفر من خال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي استعانت ب 17 شركة وطنية مدنية عملت تحت إشرافها. وفي 6 أغسطس 2015 م، تم افتتاح المشروع .

قناة السويس ليست مجرد شريان مائى مهم اختصر الجغرافيا،لكنها )شريان نضال( أكدت على عبقرية الجغرافيا المصرية التى عملت طوال الوقت على تثوير وإثراء التاريخ المصرى لأنها ومنذ بداية حفرها تحولت إلى شريان من دماء المصرين بعد الآلاف الذين استشهدوا عند حفرها والآلاف غيرهم الذين استشهدوا فى الحروب والمعارك التى دارت على ضفافها طمعاً فيها وفى مصر كلها،لذلك تحتل قناة السويس درة التاج فوق جبن كل المصريين، فكل مصرى لابد وأن يكون حفيدا لشهيد استشهد فى حفر القناة أواستشهد فى إحدى المعارك التى دارت بسببها أو على ضفافها .