تحتفي الأوساط الثقافية، بذكرى رحيل الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي رحل عن عالمنا في 30 أغسطس 2006، حيث يعد واحدًا من أهم الأدباء في النصف الثاني من القرن الـ20، وحصل على جائزة نوبل للآداب، وأصبح رمزًا ثقافيًا ومنهجًا فكريا ضخمًا في تاريخ مصر الفني والأدبي.
أثارت أفكار وكتابات الأديب نجيب محفوظ الجدل في طرح العديد من القضايا، وشهدت حياته معارك ثقافية وفكرية شرسة، أشهرها وصلت إلى تكفيره ومحاولة اغتياله - بطعنة في الرقبة - عندما أثارت روايته «أولاد حارتنا» أزمة كبيرة في الشارع المصري.
محاكمة نجيب محفوظ (المحاكمة السابعة)
نشرت مجلة الهلال، في عددها الصادر في 1 فبراير 1970م، تحقيقًا أدبيا أعده الصحفي والإعلامي ضياء الدين بيبرس، الذي أسس هيئة قضاء أدبية مكونة من أكبر الصحفيين والنقاد ليحاكموا نجيب محفوظ، ويوجهوا له الاتهامات والأسئلة بشأن أدبه وأفكاره، وأساليبه في الكتابة.
وسوف تعيد «بوابة دار الهلال» بمناسبة ذكرى وفاة نجيب محفوظ الـ17، نشر هذا التحقيق الرائع الذي أصبح نادرًا وتراثًا قيمًا، وذلك على مدار «عشر أيام» بدءًا من اليوم، حتى يتثنى للقراء سهولة القراءة والاطلاع على هذا التحقيق ومعرفة الاتهامات والأسئلة التي وجهها كبار الصحفيين والنقاد للأديب الكبير نجيب محفوظ.
10 نقاد و10 قضايا في محاكمة نجيب محفوظ
من الطبيعي أن يثير أدب نجيب محفوظ قضايا نقدية وفكرية عديدة.. وفي هذه «المحاكمة» يقف نجيب محفوظ أمام هيئة تتكون من 10 نقاد وأدباء، قدم كل منهم اتهاما أو سؤالا إلى الفنان الكبير وتولى نجيب محفوظ الرد – بقلمه – على هذه الاتهامات أو الأسئلة المختلفة.. بصراحة ووضوح..
المحاكمة السابعة:
دكتورة لطيفة الزيات (أنت.. ومن بعدك!)
عزيزي الأستاذ نجيب محفوظ:
عبرت في كتاباتك عن مصر الثلاثينات بنفس القدرة الفنية التي تعبر بها الآن عن مصر الستينات، فكيف تأتي لك أن تحتفظ طول المدى بروح المعاصرة..
هل هو التجدد الدائم في الانغمال وفي الرؤية للأشياء، أو هو هذا بالإضافة إلى استيعاب دائم للأساليب الجديدة في التعبير عالميا ومحليا، تلك الأساليب التي تعكس دائمًا وأبدًا رؤية جديدة للأشياء..
وإن كان الاحتمال الثاني صحيحًا فإلى أي مدى استفدت وتستفيد في هذا الاتجاه من الأجيال اللاحقة من القصصيين المصريين؟
(الإنسان في موقف ما)
رد نجيب محفوظ على دكتورة لطيفة الزيات:
عزيزتي الدكتورة لطيفة الزيات..
اعترف لك بأنني لست معاصرًا إلا في النطاق المحلي ومع بعض التحفظات.. إني قارئ لا بأس به، أتابع خلاصات العلم الحديث والفلسفات الحديثة، ولكن قدرة العقل على التكيف تفوق قدرة الشخص ككل، وقد كاد عصر الاقطاع يحولنا إلى «أشياء» والصناعة الحديثة بدورها حولت الإنسان الغربي فيما يقال إلى شيء أيضًا ولكن ما أبعد الهوة بين هذا الشيء وذاك..
أما قصتي مع الأساليب الفنية فإنني أرى فيها نبض تجربتي الشخصية، وأختارها أو هي تختارني بحسب الأحوال والمقامات، وأذكر الآن إنني كتبت زقاق المدق بالطريقة التي كتبتها بها وأنا على علم بجويس وكافكا وبروست وكان النقد يوجه لي - في كازينو أوبرا - من الأستاذين بدر الديب ويوسف الشاروني بأنني أكتب بأسلوب القرن التاسع عشر ولكني وجدت الشجاعة أن أكتب الثلاثية بنفس الأسلوب فشعوري بأنه المناسب للتجربة التي أقدمها..
بعد ذلك تغير ذلك الشعور.. لم يعد يهمني الفرد كفرد له خواصه في زمان معين ومكان محدد، ولكني جعلت أبحث فيه عن الإنسان في موقف ما، ودون تردد وجدتني أنتقل إلى أسلوب جديد مناسب سواء في القصة القصيرة أو المتوسطة.
حققت في عام 1959 وما بعدها ما طالبني به الديب والشاروني في الأربعينات وأبيته، ولكن لأسباب ذاتية جوهرية غير مجرد الإطلاع والثقافة.
ونحن في الأساليب مسبوقون كما تعلمين، ولذلك لم أجد مناسبة للأخذ من الأجيال اللاحقة أو المعاصرة لي ما دمت أستقي من النبع الذي من يستقون، والحق أن الحظ لم يسعدني بالتعرف على جيل الشباب إلا قبيل النكسة بعد أن أنجزت جل أعمالي.
ولا اقول ذلك ترفعا، فإنني على استعداد طيب للإفادة من أي زميل مهما يكن عمره لو أحدث في الفن جديدا وجدت فيه اشباعا لحاجة أبحث لها عن شكل مفتقد وثابت إنني ملت إلى تجربة الأساليب الحديثة بدءًا من عام 1959 قبل أن يشرع أغلب الشبان الجدد في نشر شيء من أعمالهم..
هذه حقيقة لن تقلل من مجهود الشباب الذي احترمه وأعجب به، كما ينبغي الاعتراف أيضًا بان كثيرين منهم يجربون أساليب ثم اقترب -وربما لن أقترب - منها على الاطلاق.