د. محمد فتحي فرج - كاتب مصري
كثُر الكلام في الآونة الأخيرة حول الطب البديل Alternative Medicine، الذى يُعرَّف بأنه من الوسائل العلاجية التى لا تنتمى إلى الطب التقليدى بمفهومه الحديث، ومن أمثلته المشهورة العلاج بالأعشاب، والطب الصينى الذى يشمل أيضا العلاج بالإبر، واليوجا، والتنويم المغناطيسى، بالإضافة إلى طرق ووسائل مختلفة تعود فى مجملها إلى الطبيعة، وتبتعد عن استخدام الكيماويات الدوائية.
وبعبارة أخرى فإنه عبارة عن ممارسات الهدف منها تقديم علاج مغاير للطب الغربى بمفهومه الحديث لبعض الحالات بهدف استبداله بشكل نهائى، وليس تكميله كما فى الطب المُكمِّل. وبالطبع لا يعترف المجتمع الطبى أو العلمى بهذه الممارسات كبديل عن التقنيات الطبية التقليدية المعتمدة فى كليات الطب ـ لاسيما فى الغرب ـ وما تنحو نحوها من المعاهد العلمية الأكاديمية فى مختلف دول العالم.
وقد يتضمن هذا النوع من العلاجات: مُكمِّلات غذائية، جرعات معينة من الفيتامينات، المستحضرات العشبية، أنواعا خاصة من الشاى، العلاج بالتدليك، العلاج بالمغناطيسية، العلاج الروحانى. وبناء على هذا فإن الطب البديل يختلف عن الطب التكميلى حيث إن وسائل الطب المكمل تُستخدم جنبا إلى جنب مع وسائل الطب التقليدى فى حين يقدم الطب البديل ـ من خلال اسمه ـ كبديل عن الطب التقليدى المعروف للجميع، وكمثال على ذلك ففي الطب البديل يستخدم نوع معين من الأنظمة الغذائية كعلاج للسرطان بديلا عن الوسائل الطبية التقليدية من الجراحة والعلاج بالإشعاع أو العلاج الكيميائى عن طريق الطبيب.
العلاج بالأعشاب
وقد تعالت ـ شرقا وغربا ـ صيحات المناداة بالعودة إلى الطبيعة سواء فى الغذاء أو الدواء، وقد تستهدف أيضا أسلوب المعيشة ونمط الحياة، ويتصدر التداوى بالأعشاب الطبية قمة هذه التوجهات؛ ذلك أن فاعليتها العلاجية معروفة منذ العصور القديمة. وعلى الرغم من هذا، فإن لبعض الأعشاب أضرارا ومساوئ، فبعضها قد يؤثر على الكبد والكلى أو الجهاز العصبى وغيره من أجهزة الجسم. كما قد تتفاعل بعض الأعشاب مع الأدوية التقليدية وتسبب أضرارا بالجسم، فتناول الثوم النيء مع الزنجبيل مثلا قد يفيد فى علاج الصداع إلا أنهما معا قد يسببان زيادة فى سيولة الدم؛ ومن ثم قد يحولان دون تجلطه فى الوقت المناسب؛ مما يعرض الشخص لحالة من النزيف.
وقد تحتوى بعض الأعشاب على مواد هى عبارة عن عقاقير طبية من أصل نباتى، حيث أن بها مواد فعالة يمكن أن تتداخل مع علاجات أخرى أو مع أمراض كالسكرى diabetes وارتفاع ضغط الدم hypertension؛ لهذا يجب أن يكون تناولها بحرص شديد، كما يجب أيضا أن يكون تناولها بجرعات محسوبة بدقة، وهذا الأمر يعرفه الصيادلة أكثر من غيرهم؛ لأن علم العقاقير من العلوم الأساسية فى دراساتهم التى تؤكد بحوثه على أهمية الجرعة dose، والتفاعل الدوائىdrug interaction، والتأثيرات الجانية side effects، وغيرها، فى حين نجد أن العطارين وتجار الأعشاب قد يجهلون مثل هذه الآثار الجانبية المُدَمِّرة، بل القاتلة فى بعض الأحيان.
الطحالب البحرية
يدرس علماء النبات الطحالب فى إطار علم خاص يعرف بعلم الطحالب Phycology، ويذكر المتخصصون فى هذا المجال أن للأعشاب البحرية ـ فضلا عن قيمتها الغذائية العالية ـ دورا كبيرا فى الحفاظ على صحة الجسم وحيويته، بل إن بعض الباحثين قد اكتشفوا أنّ إحدى جزر اليابان (جزيرة أوكى) يوجد بها أعلى نسبة من المُعَمَّرين، ويرجع السبب فى هذا إلى أن سكان هذه الجزيرة يستهلكون نسبا عالية من الأعشاب البحرية. أما الأمر اللافت حقا فيتمثل فى تميز سكان هذه الجزيرة بانخفاض كبير فى معدلات الإصابة بالجلطات وكذا السكتات الدماغيّة، وبانخفاض نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية؛ الأمر الذى جعل هؤلاء الباحثين يستنتجون أن كل هذا يرجع إلى استهلاكهم العالى للطحالب البحرية التى قد تمثل العامل الرئيسى فى انخفاض معدل الإصابة بالسرطان بأنواعه المختلفة، بدءا من سرطان الدّم، وصولا إلى سرطان الثّدى عند النّساء، كما أرجع الباحثون هذه النتائج المبهرة إلى احتواء هذه الأعشاب على نسب عالية من مضادات الأكسدة antioxidants المختلفة التى تحاصر الشوارد الحرة free radicals وتقضى عليها، ومن أهمها الفيتامينات وجزيئاتها الطلعة التى تتحول إليها، وغيرها.
سبيرولينا أو الطحلب الساحر
لفت طحلب سبيرولينا الذى أخذ اسمه من شكله اللولبي spiral shape كما يراه الباحثون تحت المجهر ـ نتيجة لأهميته الغذائية والعلاجية ـ انتباه الباحثين والمؤلفين العلميين والمهتمين بالثقافة العلمية بشكل عام، حيث سُجِّلت حوله رسائل الماجستير والدكتوراه فى كليات الصيدلة والعلوم، ونشرت حوله الكثير من البحوث العلمية، وكتب الثقافة العلمية المبسطة. فقد توصلت باحثة مصرية فى كلية العلوم بجامعة المنصورة تحت إشراف الدكتور جمال محمد فتحي إدريس إلى الأهمية الطبية والعلاجية لمستخلص الاسبيرولينا فى تخفيف حدة التسمم ببعض السموم. كما أشار كثير من الباحثين كالدكتور مصطفى الشيخ (كلية العلوم بجامعة طنطا) والدكتور حسن الشرقاوى (بمعهد علوم البحار والمصايد التابع لأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بمصر)، وغيرهم، إلى الفوائد الجمة لهذا الطحلب حتى إنهم أطلقوا عليه "الذهب الأخضر". كما سماه البعض الآخر "الطحلب المعجزة"، وأطلق عليه آخرون "صانع العجائب"، إلى بعض التسميات الأخرى التى تشير إلى فاعليته القصوى كغذاء مكمل، ودواء علاجى مفيد فى حالات مرضية واختلالات وظيفية كثيرة ناجمة عن الالتهابات بشكل عام، كالأمراض العصبية، والرئوية، وأمراض القلب الوعائية، والأورام الخبيثة (السرطانات)، ومرض ألزهايمر، والسكرى (من النوع الثاني)، والتهابات المفاصل، وغيرها. فما حقيقة هذا الطحلب وإلى أية كائنات ينتمى؟ وما مكوناته التى ضمنت له هذه الشهادات العلمية والطبية، ورفعته إلى مرتبة المعجزة والسحر وصنع العجائب؟
يحصى علماء النبات من هذا الطحلب (سبيرولينا) حوالى 24 ألف نوع، ولكن لا يصلح منها للاستهلاك الآدمى ـ كغذاء أو دواء ـ إلا نوعان ينتميان إلى الطحالب الخضراء المزرقة (blue-green algae)، والنوعان هما: أرثروسبيرا بلاتينسيس (Arthrospira platensis)، وأرثروسبيرا ماكسيما (Arthrospira maxima). وهما نوعان من الطحالب الميكروسكوبية، ينتميان إلى الهائمات النباتية التى تنمو فى البحيرات المدارية والاستوائية المالحة، اكتشفتهما عالمة النبات الفرنسية الدكتورة كلِيمِنت Clement سنة 1962 فى بحيرة تشاد فى إفريقيا.
فى أول الأمر لاحظت كليمنت أنه على الرغم من ندرة الحيوانات والحبوب فى هذه المنطقة القاحلة فقد وجدت أن سكانها يتمتعون بصحة جيدة أكثر من غيرهم من أولئك الموجودين فى العالم المتحضر. وسريعا ما اكتشفت أن السبب فى هذا يرجع إلى تناول السكان لهذا الطحلب الذى يطفو على سطح البحيرة ويحصدونه يوميا لاستخدامه كمصدر أساسى لإمدادهم بالغذاء. وبعد دراسات مستفيضة قدمت كليمنت فى مؤتمر دولى عقد سنة 1973 حول بروتينات الأحياء الدقيقة تقريرا علميا "عن الفوائد الصحية لطحلب سبيرولينا" أذهلت نتائجه العلماء، وكان بمثابة الإجابة الشافية حول ما كان يثار من نقص غذائى يجتاح العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
أما المحتويات الصيدلانية التى يحتوى عليها هذان النوعان من الطحالب، والتى تُعْزَى إليها القيمة الغذائية والعلاجية العالية لهما فمنها احتواؤهما على أكثر من 100 عنصر غذائى متوازن يجعل هذه الكائنات توصف بأنها من أكثر مصادر التغذية العضوية تكاملا. فإذا قصدنا إلى التفصيل قلنا: إن هذه الطحالب تحتوى على الأحماض الأمينية بنسب تتراوح ما بين 65 – 71% أى على بروتين كامل يحتوى على الأحماض الأمينية الضرورية (أىْ التى لا يستطيع الجسم تخليقها) وغير الضرورية (أىْ تلك التى يستطيع الجسم تخليقها) بما يوازى أكثر من 3 - 4 أضعاف ما يحتويه السمك أو اللحوم الحمراء التى تحتوى على نسب تتراوح من 15 إلى 20%، وأكثر من 20 ضعفا مقارنة بفول الصّويا، كما تحتوى أيضا على فيتامينات A، D، E، ومجموعة فيتامين B المُركب كاملة، فهى تحتوى على فيتامين ب12 (B12) أكثر 4 مرات مما يحتويه الكبد (المخزن الرئيسى لهذا الفيتامين الضروى لتصنيع كريات الدم الحمراء بالجسم)، وتحتوى على مركب البيتا كاروتين بما يعادل أكثر من 25 ضعفا من الموجود بالجزر الطازج، وأكثر من 40 ضعفا مما تحتويه السبانخ، كما تحتوى على فيتامين E بأكثر من 3 أضعاف ما تحتويه بادرات (أجنة) القمح، وتحتوى على عدد كبير من المواد المُلونة المهمة كالكلوروفيل وكزانثين وكريبتوكزانثين، كما تحتوى أيضا على مجموعة كبيرة من الأملاح المعدنية كالبوتاسيوم، والكالسيوم، والكروم، والنحاس، والحديد، والمغنسيوم، والمنجنيز، والفوسفور، والسيلينيوم، والزنك، والصوديوم، ويحتوى كذلك على الحديد بنسب قد تصل إلى 58 ضعفا مقارنة بالسبانخ، و28 مرة قدر ما يحتويه كبد البقر الطازج. وقد استخدمته وكالة ناسا الأمريكية كغذاء جيد لرواد الفضاء، كما يُزمِعُ المخططون مستقبلا لاستزراعه فى المريخ وفى المحطات الفضائية لاستخدامه كغذاء طبيعى فائق القيمة الغذائية، نظرا لارتفاع معدل البناء الضوئى Photosynthesis لديه والذى يصل إلى نسب تتراوح بين 8 و10% مقارنا بالمعدل ذاته الذى يصل إلى 3% فقط فى النباتات البرية كفول الصويا مثلا.
وبناء على هذا فقد يُوصَى باستخدام هذا الطحلب ومستحضراته على نطاق واسع كمقوّ عام طبيعى، نظرا لقابليته للهضم بمعدل يصل إلى 95 % مقارنا بمعظم الأغذية التى قد لا يتعدى معدل هضم بعضها 15 %، ونظرا لاحتوائه على البروتينات بنسب عالية، وكذا الأحماض الدهنية الأساسية، والأملاح المعدنية المهمة، والفيتامينات ومضادات الأكسدة الأخرى الكثيرة بنسب عالية أيضا؛ مما يجعله بالفعل طحلب الصحة والعافية.