السبت 4 مايو 2024

جنّار نامق تؤرخ للـ "الإبادة الجماعية": مصطلح أطلقه الأمريكي رافائل ليميكن ورسخه اليهودي يهودا بور

جنار نامق

ثقافة13-1-2024 | 12:10

محمد الحمامصي

يشهد العالم منذ انطلاق حرب غزة بين المقاومة الفسطينية وإسرائيل ترددا واسع النطاق في الإعلام العربي خاصة لمصطلح "الإبادة الجماعية"، مستهدفا ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من قصف عشوائي أودى بحياة ما يزيد عن 23 ألف مدني وإصابة أكثر 60 ألف مصاب وتدمير آلاف الوحداث السكنية ونزوج أكثر من مليون مواطن، مع قطع الماء والكهرباء منع دخول الغذاء وقطع الانترنت، وهذا الكتاب "الإبداة الجماعية وأساليب التضليل الإعلامي.. نماذج مختارة" للإعلامية والشاعرة العراقية جنّار نامق الذي جاء في فصلين ضما أربعة مباحث، أولها توقف عند مفهوم الإبادة الجماعية، والثاني نماذج للإبادة الجماعية في التاريخ، والثالث التضليل الإعلامي مفهومه وسياقاته وركائزه ووسائله، والرابع التضليل السياسي وأساليب الحرب النفسية التي مورست لتنفيذ جرائم الإبادة الجماعية.  
تقول نامق في كتابها الصادرة دار غيداء أن جريمة الإبادة الجماعية تعتبر من أخطر الجرائم وأكثرها ضررا بالجنس البشري، وقد ارتكبت عبر التاريخ العديد من جرائم الإبادة للجنس البشري ضد طوائف وأقليات معينة تمثلت في الحروب التي دارت في القرون الوسطى، ومن الأمثلة عليها قبائل التسوتسو في رواندا، والهوتو في بروندي، والأكراد في إقليم كردستان، والكامس في كمبوديا، والهيريرو في ناميبيا، واليوكي في كاليفورنيا، والبيكيوتوس في إنجلترا، البراوتولونج في الجنوب الشرقي لاستراليا، والكثير من حالات الإبادة الجماعية لأسباب طائفية وعرقية.
وتلفت إلى أن مصطلح الإبادة الجماعية ظهر رسميا لأول مرة في التوصية رقم 96/1 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ـ 12 ـ 1946 حيث أدانت الجمعية العامة هذه الجريمة بعد أو وسمتها بأنها من جرائم القانون الدولي وبأنها محل إدانة العالم المتمدن، وأول من ابتدع هذا المصلح هو رافائل ليميكن (مستشار وزارة الحرب التابعة للولايات المتحدة وقتئذ) في دراسة أعدها عام 1944 لتوضيح الجرائم المرتكبة من النازيين والفظائع التي مارسوها ضد الإنسانية خاصة تلك الأفعال الهادفة لتدمير دول أوروبا الواقعة تحت الاحتلال النازي وإلى تجريم هذه الدول، وقد ابتدع ليميكن المصطلح وهو مشتق من الكلمة اللاتينية "Gemus" وتعني الجماعة أو الجنس، ومن كلمة "Cide" ومعناها يقتل، وتعني في مجملها قتل الجماعة أو إبادة الجماعة، وقد أطلق ليميكن على تلك الجريمة الجرائم "Crime of crime" لعظم آثارها التدميرية، ثم أورد تعريفا لتلك الجريمة مضمونه أن "كل من يشترك أو يتآمر للقضاء على جماعية وطنية بسبب يتعلق بالجنس أو اللغة أو حرية أو ملكية أعضاء تلك الجماعية يعد مرتكبا لجريمة إبادة الجنس البشري". وقد وضع اتفاقية دولية للقضاء على الوجود المادي للقضاء على هذه الجريمة والمعاقبة عليها.
وتورد نامق أن يهودا بور المرؤخ والباحث الإسرائيلي لمذبحة الهولوكوست ميز في تعريفه للإبادة الجماعية بأنها: التدمير المخطط لمجاميع أثنية أو عرقية أو قومية باتباع الوسائل التالية.. أـ قتل جزء من الجماعية أو النخب السياسية في الجماعية. ب ـ إزالة الثقافية القومية أو العرقية أو الوطنية أو المعتقدات الدينية لجماعية ما يقصد تغييرها أو إزالتها. ج ـ العبودية يقصد تدمير الحياة الاقتصادية للجماعة المستهدفة وجعل أفرادها عبيدا لدى الجماعة المسيطرة. أما بربارا هارف أستاذة العلوم السياسية في الأكاديمية البحرية في أمريكا في ميرلاند عرفت الإبادة الجماعية بأنها إبادة سياسية بحتة، باستخدام الوسائل غير القانونية كافة من أجل بسط نفوذ سياسي على المجموعات المجموعات المحكوم عليها بالإبادة من قبل الجناة. وقد ركزت بربارا في تعريفها على الجانب السياسي الذي يساهم في إبادة وتجريد الناس من الحياة من أجل تحقيق أهداف سياسية وتحقيق المصالح الذاتية . اتفاقية منع الإبادة الجماعية الجماعية والمعاقبة عليها.


وتوضح أن الاتفاقية اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 260 ألف (د ـ 3) المؤرخ في 9 ديسمبر 1948 الذي أدخل حيز التنفيذ في 12 يناير 1951 وفقا لأحكام المادة (13) من الاتفاقية، ووفقا لهذه الاتفاقية تصادق على أن الإبادة الجماعية هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها. ووفقا للمادة (2) منها أن الإبادة الجماعية تعني أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
ـ قتل أعضاء من الجماعة.
ـ إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ـ إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزيا.
ـ فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
ـ نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
وعلى الرغم من وجود التعريفات المختلفة للباحثين والعاملين في مجال جرائم الإبادة الجماعية إلا أن في الآخر توصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تعريف موحد وهو التعريف الوارد في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وتحلل نامق أركان جريمة الإبادة الجماعية ومنها الركن المادي بعناصره الثلاثة "السلوك ـ الفعل أو الامتناع ـ والنتيجة السببية"، الركن المعنوي  المعنوي ويقصد به إرادة الفعل لارتكاب أحد الأفعال المكونة للسلوك الإجرامي مع علمه بأنه فعل مؤثم ومعاقب عليه، حيث لا يكفي توافر الركن المادي ما لم يقترن به الركن المعنوي لكي تكتمل الجريمة. 

الركن الشرعي توضحه نامق وفقا لما تضمنه مختلف المواثيق الدولية ذات الصلة وأهمها كل من ميثاق "نورنمبورغ" وكذا لجنة القانون الدولي ثم الميثاق المقنن لهذه الجريمة والمتمثل في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها

وتشير إلى أن الركن الدولي لجريمة الإبادة الجماعية بمثابة المعيار الأساسي الذي يميزها عن الجريمة الجنائية الداخلية، ويتألف هذا الركن من عنصرين، أولهما شخصي ويتجسد في ضرورة أن تكون الجريمة الدولية قد ارتكبت باسم الدولة لحسابها أو برضا منها، من قبل الشخص أو الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون على اقتراف الفعل المجرم بناء على طلب أو أمر من الدولة باسمها أو برضا منها. وثانيهما: يتمثل في أن المصلحة المشمولة بالحماية تتمتع بالصفة الدولية حيث يعد الفعل غير المشروع انتهاكا لمصالح وقيم تعد أساسية بالنسبة للمجتمع الدولي.

وتتابع نامق أن الجماعات المحمية بمقتضى الاتفاقية أربع جماعات، وهي: الجماعات القومية أو الإثنية أو العنصرية أو الدينية، وعلى الرغم من تحديد الاتفاقيات لهذه الفئات الأربع كفئات محمية بموجب الاتفاقية، إلا أن بعض الدولي قد حاولت التوسع في تلك الفئات ومنها فرنسا إذ أضاف قانون العقوبات الفرنسي 1992 "أي جماعة تحدد على معايير عشوائية". كما أن الأعمال التحضرية لهذا الاتفاقية قد ورد فيها ذكر الجماعات السياسية والاقتصادية كجماعات محمية بموجب هذه الاتفاقية، إلا أنه تم التغاضي عنها بحجة عدم تمتعهم بالثبات، وبالتالي عدم القدرة على تحديد أفرادهم، حيث إن لأفراد هذه الجماعات حرية الاختيار في الانضمام والعضوية والانسحاب منها بتغير الظروف، وبالتالي فقد اقتصرت الفئات المحمية على الجماعات السابقة التي تكون العضوية فيها للأفراد بصفة دائمة وتحدد بالولادة.

وحول دور المحاكم الدولية في التصدي لجريمة الإبادة الجماعية، تقول نامق أنه كان للمحاكم الدولية دور هام في التصدي لجريمة الإبادة الجماعية وقد ظهر ذلك من خلال محكمة جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة ومحاكمة جرائم الحرب في رواندا وأخيرا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة بروما، وذلك على النحو التالي: ففي يوغوسلافيا السابقة أصدر مجلس الأمن قراره رقم 808 لسنة 1993، وضمن فقرته الأولى قرار المجلس بإنشاء محكمة دولية من أجل مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في إقليم يوغوسلافيا السابقة عام 1991. وقد نص في النظام الأساسي للمحكمة الدولية بيوغوسلافيا السابقة على اختصاص المحكمة بالعقاب على جريمة إبادة الأجناس، وعدد التقرير الأفعال التي إذا ارتكبت تعد إبادة الأجناس وتستوجب العقوبة بالمساءلة، وتضمنت الأفعال الأفعال الموجهة ضد فئات اثنية أو وطنية أو عرقية أو دينية، وكذلك يخضع للعقوبة أفعال إبادة الأجناس والتآمر، أو التواطؤ لإبادة الأجناس، والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الجريمة ومحاولة اقتراف أو الشروع في جريمة إبادة الأجناس والاشتراك في جريمة إبادة الأجناس.أما في رواندا فقد أصدر مجلس الأمن قراره 955 لسنة 1994، بإنشاء محكمة جنائية دولية لرواندا وعلى هذا ذات نهج النظام الأساسي للمحكمة الجنائية بيوغوسلافيا السابقة، مع مراعاة ما يتلاءم مع ظروف روندا.

وتبين نامق قائمة علامات الإنذار بحدوث الإبادة الجماعية والتي قام المستشار الأممي الخاص بمنع الإبادة الجماعية بجمعها، وهي تشمل: 
ـ أن تكون للبلد حكومة شمولية أو قمعية لا تقبض على زمام السلطة فيها إلا فئة واحدة.
ـ أن تكون البلد في حرب أو أن تسوده بيئة من عدم احترام القانون يمكن أن تحدث فيها المذابح بدون أن تلاحظ بسرعة أو توثق بسهولة.
ـ أن تكون جماعة أو أكثر من الجماعات الوطنية أو العرقية أو العنصرية أو الدينية هدفا للتمييز أو تستخدم ككبش فداء لتحميلها مسؤولية الفقر أو غيره من المشاكل الاجتماعية التي تواجه البلد حاليا.
ـ أن يوجد اعتقاد أو نظرية تقول بأن الجماعة المستهدفة أقل من مستوى البشر فهي "تجرد من الإنسانية" أعضاء هذه الجماعة وتبرر ارتكاب العنف ضدهم. وتنشر الرسائل والدعاية التي تدعم هذا الاعتقاد من خلال وسائل الإعلام أو في التجمعات (تجمعات الكراهية ورسائل الكراهية).
ـ أن يوجد قبول متزايد للانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان للجماعة المستهدفة أو أو أن يوجد تاريخ من الإبادة الجماعية والتمييز ضدها، ويؤدي هذا الاعتقاد بأنه إذا أفلت الآخرون المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية في الماضي فلن يكون هناك عقاب هذه المرة.  
 
وترى نامق أنه أحيانا ما تبدو الصورة واضحة لدى المجتمع الدولي وهناك تنبؤ بحدوث وارتكاب الجريمة إلا أنه يغض النظر عن الجريمة المتوقعة الحدوث. وخير مثال على ذلك ارتكاب وتنفيذ جرائم الإبادة الجماعية ضد الكورد 1988، حيث كانت الأرضية خصة لوقوع هذه الجريمة والمؤشرات واضحة، كما أن الدولة العراقية كانت سباقة في ارتكاب جرائم مشابهة في نفس العقد الزمني منها إبادة البارزانيين 1983. وجرائم أخرى إلا أنها امتنعت عن الحد منها وإيقافها. ونستطيع تطبيق نفس القول على الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحق العراقيين في القرن (21) منهم الإيزيديين والمكونات الأخرى من شعب العراق. فقد كان متوقعا ارتكاب الجريمة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام نظرا لإحاطة مدينة سنجار وتطويقها والقيام بمراحل ارتكاب الجريمة، والعلم بأن التنظيم يمارس شتى الأساليب البشعة لانتهاك حقوق الجماعات والأقليات الدينية والغير مسلمة لأسباب مشروعة في نظرهم. إلا أنه لم تكن هناك أية جهة تسعى للحد من وقوع الجريمة ومنع وثوع ضحايا أكثر، وقد تم ترك الساحة لتشهد عمليات القتل الجماعي والاضطهاد والرق والاستعباد والاتجار بالبشر في عصر تقد العالم والتطور التكنولوجي وتقدم مفاهيم حقوق الانسان. 

توقفت نامق في كتابها الصادرة دار غيداء بالرصد والتحليل والتوثيق عند نماذج الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، وهي: تهجير الشركس عام 1864 ـ الإبادة الجماعية للأرمن 1915 ـ 1916ـ الإبادة الأشورية 1933ـ هولوكوست ـ هيروشيما وناكازاكي ـ الإبادة الجماعية نموذج: أندونسيا ـ فيتنام ـ يوغسلافيا السابقة 1991 ـ 1995 ـ رواندا 1994ـ دارفور 2003 ـ 2008 ـ الكوردية ـ إبادة البارزانيين ـ إبادة الفيليين ـ إبادة حلبجة بالقصف الكيميائي.

Dr.Randa
Dr.Radwa