الثلاثاء 21 مايو 2024

د. سهير القلماوي أول مشرف على المعرض وأطروحتها الأكثر جدلا به


حنان أبو الضياء

مقالات5-2-2024 | 11:38

حنان أبو الضياء
  • فى احتفال القاهرة بعيدها الألفي 1969، قرر ثروت عكاشة أن يكون الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب
  • ترى سهير القلماوي في دراستها الرائدة أن كتاب ألف ليلة وليلة اكتمل في مصر بعد أن تشبع بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية

 

 

لست أحب تحسرا على ماض ولا تمنيا لرجعته فلولا سلطان الزمن ولولا هذا السحر الذي يسبغه على الماضي ما تحسر ربع هؤلاء المتحسرين ولا تمنى أقل منهم رجعته. تلك مقولة سهير القلماوي؛ مفسرة عشقا للماضى، وهو الشئ الذى يجعلنا نحتفى بأحداث مهمة مرت ببلدنا؛ ومنها إقامة معرض الكتاب الدولى في عام 1969، حيث كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب. لهذا احتفلت دورة 2008 بالقلماوي باعتبارها شخصية العام. معرض القاهرة الدولي للكتاب 2019، اختار اسم الكاتبة الراحلة سهير القلماوي، لتكون شخصية الدورة الذهبية من المعرض.

وأنا هنا أحتفى بالأستاذة الدكتورة سهير القلماوي، أول مصرية تحصل على رخصة الصحافة في مصر لتكتب مقالاتها فى مجلتي «اللطائف المصورة» و«العروس»، وفي أثناء دراستها الجامعية تحصل على شهادة الدكتوراة في الأدب لتكون أول امرأة تحقق ذلك. وأخترت الكتابة عن تك الرسالة لأنها تناولت فيها كتاب "ألف ليلة وليلة"، وهو من أكثر الكتب مبيعا فى دورات المعرض؛ وأكثر الكتب المثارة للنقاش فيه.

الرائع أن طه حسين قدم الدراسة؛ قائلا: (هذه رسالة بارعة من رسائل الدكتوراة التى ميزتها كلية الآداب فى جامعة القاهرة. وبراعتها تأتى من مؤلفتها فهى السيدة سهير القلماوى .. فهى قد عرفت نفسها بأحاديث جدتى .. وإن كنا نحن أساتذتها قد عرفناها بجدها فى الدرس ودقتها فى البحث وإتقانها للاستقصاء حين تعرض لموضوع من موضوعات العلم. "ألف ليلة وليلة فى الشرق والغرب" من أهم الأبحاث التى كتبت عن حكايات ألف ليلة وليلة, ولا يزال هذا البحث يتمتع بالجدة والعمق حتى بعد مرور ما يربو على سبعين عاما على كتابته. وترجع أهمية هذا الباب إلى أنه يحتوى على أهم أبحاث المستشرقين الأوربيين وغير الأوربيين التى خاضت فى موضوع أصل كتاب ألف ليلة وليلة وتفنيد الباحثة لكل رأى. وهو عمل فى حد ذاته استقصائى مرهق, وهو ما كان يخشاه أستاذها من أن يحيل الكتاب الشيق الممتع إلى نص علمى مرهق للقارىء. ويرى طه حسين أن سهير القلماوى قد تغلبت على هذا التخوف بفضل حسها الدقيق وذوقها الرقيق ومزاجها المعتدل).

ويحمل الباب الأول من الكتاب عنوان (ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب) ويدرس أبحاث المستشرقين حول اصل الكتاب حيث كان للمستشرقين دور كبير في حفظ هذا الكتاب من الضياع مشيرة إلى أن أهم طبعة للكتاب هي طبعة بولاق التي طبعت بمصر وقام أنطوان جالان بترجمة الكتاب للفرنسية وبسبب النجاح الذي لاقته هذه الترجمة قام جالان بطباعتها أكثر من مرة بمعاونة (جوتيه، برسفال، درلاكروا)..وجالان لم يعتمد على نص كامل للكتاب ولذلك أضاف نصوصا لم تكن في الحكايات الشفهية، خاصة العربية حيث نقل عن اللغات الفارسية والهندية لتناسب الذوق والعقلية الأوروبية. ثم ترجمت تلك النسخة للعديد من اللغات. لسنا نبالغ إذا قلنا إن ألف ليلة وليلة كانت الحافز الأهم لعناية الغرب بالشرق عناية تتعدى النواحي الاستعمارية والتجارية والسياسية.

تعترف د.سهير فى البداية بدورالمستشرقين الذين كان لهم فضل التنبيه على وجود النص ثم ترجمته، فأصل الحكايات كما ذكر ابن النديم فى (الفهرست) بهلوى اسمه (هزار أفسان) أو(الألف خرافة) ومن بينها قصص لها أصول هندية قديمة، ولأنّ النص الأصلى تمّتْ ترجمته عن الفارسية، لذلك اهتمّتْ د.سهير بالرد على مزاعم من ادّعوا أنّ الأصل عربى، خاصة وأنّ ظاهرة تحول الحيوان غريبة عن العرب وعن المعتقدات الإسلامية. أكدتْ د. سهير على أنّ ((الليالى التى بين أيدينا قسمان منفصلان: قسم بغدادى يدخل فيه القصص الهندى أو الفارسى زمن العباسيين. وقسم مصرى ما كـُتب فى مصر وسوريا أيام المماليك وتحت حكم الأتراك)) . تقول سهير القلماوى إن ألف ليلة وليلة مثال لنصوص شعبية تشَّكلت في صورة كتاب، وهو نص بلا مؤلف، صدر عن الخيال الشعبي ثم تبلور ليتخذ صورته الحالية التي صدرت في كتاب يتداول بعد عمليات إضافة وحذف وإعادة ترتيب للحكايات تمت عن طريق ناقلي حكايات ألف ليلة وليلة لا الرواة فحسب وإنما لعبت الترجمة دورا من اللغات الأخرى من بعضها البعض والى العربية حيث شهدت ألف ليلة وليلة رحلة من الشرق إلى الغرب..

ترى سهير القلماوي في دراستها الرائدة أن كتاب ألف ليلة وليلة اكتمل في مصر بعد أن تشبع بالحياة المصرية والشخصية المصرية ولغة الحياة الشعبية ومن ثم أصبحت تفيض بالروح المصرية وأن النص الشعبي عندما تكتمل صيغته الأدبية في زمان ومكان يخلّد لقيمته التاريخية ويظل مؤثرا في هذا الزمان والمكان ويمتد أثره عبر العصور.

ترى أنه فى الطبعات العربية تأثر الرواة بما ماتخلق به الشعب بنوع من الحذر الذى يُفضى إلى الجُبن. والمرأة ((لاتأمننّ على النساء/ ولاتثق بعهودهن/ يورين ودًا كاذبًا/ والغدر حشو ثيابهن)) وتنتشر ظاهرة (كيد الجوارى) مثلما حدث فى قصة (الوزراء السبعة) حيث زعمتْ جارية الملك أنّ ابنه راودها عن نفسها. وللمرأة في تلك الليالي صورتان: صورة استمدها القاص من حياته داخل الطبقة الوسطي وصورة استمدها من خياله.. وصورت تلك الليالي أنماطا من المرأة وليست شخصية بعينها مثل الجارية والعالمة والعجوز الماكرة. ومن الأدوار المهمة التي لعبتها المرأة دور العاشقة ودور الكائدة صاحبة السحر وهناك أدوار ثانوية لها وهي المرأة المحاربة والمرأة العالمة والمرأة الجنية وهذه الأدوار من خيال القاص وبعيدة عن حياته في تلك الطبقة. وتشير الى  (تخاريف الليالى) عن ((المحاربات من الجن)) ولعلّ هذا ما جعل ابن النديم يكتب عن (الليالى) أنه ((كتاب غث بارد)) . إن الإنسان يبدأ في التفكير في الخوارق بسبب خوفه من المجهول- مثل الموت- حيث ينشأ الخوف من قوة لا يعلمها، ومن هنا يبدأ في الاعتقاد بالجن والسحر، لكن الإنسان المسلم يخشي تلك الأفعال لذلك جمع الكتاب بين المعتقدات الشعبية والروح الإسلامية القوية.

 أنّ صورة سوق العبيد كانت الصورة الحية أمام كاتب الليالى، حيث كان المُشترى يمتحن الجارية فى كل ما يتعلق بمزاياها المعروضة للبيع. وأنّ الوصف المادى لجسد المرأة، كان من أهم أسباب رواج الليالى.

وأن الليالى جعلت المسلمين فى القصص إخوة على غيرهم، فالنصارى واليهود والمجوس كل هؤلاء مثلوا الشر كثيرًا فى الليالى، ولا يكاد يوجد غير مسلم فى القصة إلاّ وهو عنصرالشر فيها. بل إنّا لا نكاد نجد الخيرممثلا من غيردين المسلمين. وكاتب الليالى عندما تعرّض للأديان، فإنّ الحجج ضعيفة أنه أظهرتعصبه للإسلام فقلما يجتمع مسلم ونصرانى إلا ّوالمسلم مثال الصدق والنصرانى مثال للخداع والغش.

 أكدت أنّ ذوق العامة فى العراق هو ذوقهم فى الشام أو مصر؛ وأن المصريين قد تأثروا بالعرب لكن لم يمح مزاجهم الذى توارثوه، فأى بذورعربية ما لبث المصريون أنْ صبغوها بصبغتهم؛ لقد أحبّتْ عزيزة عزيزًا وهو ابن عمها، ولكنه حب على نحو مصرى حديث بعيد كل البعد عن حب العربى لابنة عمه فهو أقرب إلى جو الجوارى منه إلى جو الأحرار...أغانينا الشعبية وقصصنا الشعبية بل حياتنا الشعبية بكل ما فيها من مظاهر الفن، مواد وفيرة يتجلى فيها الروح المصرى وتبرز فيها الشخصية المصرية الحية التى طاولتْ الزمن.

وجدت أن القصص تأثرت بالتراث المصرى ومنها قصة (على الزيبق)، وأشار العالم (نولدكيه) إلى أنها وُجدتْ فى القصة المصرية القديمة (كنز رامبسينت) كذلك التشابه بين قصة (القرد الكاتب) المصرية وقصة (الصعلوق) فى الليالى. وأشار العالم (شبيجلبرج) إلى أنها تذكرنا ب (توت) الإله المصرى الذى يُصوّر فى صورة قرد. أما رواية الحكاية أمام أحد الملوك فنجدها كثيرًا فى الأدب المصرى القديم  وإذا كانت الليالى تناولتْ دورالحيوانات فى بعض قصصها، فإنّ الأدب المصرى سبق الليالى بآلاف السنين، كما ورد فى قصة (الأخويْن) عن غواية المرأة حيث نجد البقرة تحذر(بيتو) من العودة للبيت لأنّ أخاه سيقتله. وكذلك يفعل التمساح فى قصة (الأمير) وفى الأساطيرالمصرية نجد الأسد يحرس ممر الشمس. وتوجد بردية محفوظة فى المتحف البريطانى يرجع تاريخها إلى سنة1200ق. م عن قصة (الأسد والفأر) والتى تهدف إلى أنّ كل كائن حى له مزاياه وقوته.

وتقول سهير القلماوي إن ألف ليلة وليلة مرت بثلاث مراحل أولها كانت مرحلة الحكي فكانت الحكايات تلقى على ألسنة العامة وثانيها مرحلة التدوين أي أن يقوم المدونون بالاستفادة من تلك النصوص الشفاهية ويدونوها أما المرحلة الثالثة فجاءت مع استقرار تلك الحكايات في مجاميع تتفق أو تختلف مع بعضها البعض.