الإثنين 29 ابريل 2024

إشكاليتان تلوحان بميزان القاضي

مقالات23-2-2024 | 19:59

حياد القاضي واستقلال هيئة القضاء العادي أو القضاء الإداري وإن كان تحكمه النصوص نفسها من دستور والقانون الأساسي للقضاء، إلا أن له خصوصية تميزه عن القضاء العادي من حيث علاقته بجهة الإدارة.

وضمانات القضاء تنصرف إلى القاضي والمتقاضين على حد سواء فالقاضي يتمتع بالحياد في نظر القضايا المعروضة، والمتقاضون تكفل لهم القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية المساواة أمام النص والقضاء لذلك كان من أهم ضمانات التقاضي لتحقيق العدل بين المواطنين.

ونرى أن هناك  إشكاليتان  تلوحان في الأفق تؤثر بالسلب على حيادية القاضي وأيضا ثقة المتقاضين. 

الأولي:  هي تعارض نصوص القانون الواحد، فنجد المادة ٢٤٣ من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨ في مجال سريانه علي البند رقم ٦ من المادة ٢٤١ من القانون ذاته ويتضمن النص على ( اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم نهائيا بنظر الالتماس في حكمها ).

وهو ما يتعارض مع ما نصت عليه المادة ١٤٦ / ه من قانون المرافعات المدنية التي تنص على أنه "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم في الأحوال الآتية:

- إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كان قد سبق له نظرها قضايا أو خبيرا أو محكماً، أو كان أدي شهادة فيها".

سنوات طويلة يطبق القانون واقعيا بطريقة خاطئة وكانت بعض الأحكام القضائية يكتنفها  الشك وعدم الرضا من أحد طرفي النزاع حيث يحق للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر في الأحكام القضائية الصادرة بصفة نهائية في عدة أحوال عددها المشرع في المادة ٢٤١ من قانون المرافعات :  منها إذا وقع من الخصم غش أثر في الحكم أو إذا حصل بعد الحكم إقرار بتزوير الأوراق التي بني عليها الحكم .. إلخ.

وتصدت المحكمة الدستورية لهذا التعارض في الطعن رقم ٩٥ لسنة ٤٣، دستورية بجلسة ١٠/ ١ / ٢٠٢٤ وحكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة ٢٤٣ من قانون المرافعات لتسدل الستار على هذا التعارض الذي كان يؤثر بالسلب على حيادية القاضي.

وعلي ذلك أصدر رئيس استئناف القاهرة القرار رقم ٢ لسنة ٢٠٢٤  بحظر نظر دوائر محاكم الاستئناف التماسات إعادة النظر في الدعاوى المدنية بجميع أنواعها تنفيذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا فيما تضمنه من النص على عدم اختصاص المحكمة التي

أصدرت الحكم من التماس إعادة النظر في حكمها.

الثانية : 

 المحكمة الإدارية العليا لم تتجه في الواقع  نحو تطبيق  القانون الصحيح وحكم الدستورية، حيث استقر في قضاء هذه المحكمة على أنه في حالة إقامة دعوى بطلان أصليه ضد حكم ما فالأصل أن الاختصاص بنظر دعوى البطلان الأصلية هي ذات الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه بدعوي البطلان الأصلية (الطعن رقم ٣٠٣٣٩ لسنة  ٦٨ حكم جلسة ١٥ /٣ /  ٢٠٢٣).

وأكدت علي ذلك حكم دائرة توحيد المبادئ كما استقر قضائها علي أنه في حالة وجود طعن بالبطلان علي حكم صادر عن دائرة الفحص تختص بنظرة ذات دائرة الفحص وهو ما يتعارض مع القانون وحكم الدستورية.

ونري أن المحكمة الإدارية العليا  تناقض نفسها في الفكرة أو المبدأ ذاته في أحكامها  وجاءت بعكس ما سبق، حيث قضت في أحد أحكامها بأن أعضاء مفوضي الدولة بمجلس الدولة يؤدون واجبهم باعتبارهم أعضاء بمجلس الدولة بتجرد القضاة وحيدتهم، فإنهم يخضعون بالحتم والضرورة للمبادئ العامة الأساسية التي تحتم استقلال القاضي وحيدته وتجرده في أداء واجبه وتحقيق رسالته في إقامة العدالة وإعلاء سيادة القانون ومن ثم فإن إعداد تقرير هيئة مفوضي الدولة في أي دعوي يجعل من يشارك في ذلك من أعضائها غير صالح لنظرها والفصل فيها بذاتها بعد ذلك كقاضي جالس بإحدى محاكم مجلس الدولة وذلك لفقده الصلاحية لأداء رسالة القاضي في دعوى أبدى رأيه  كمفوض فيها مثله في ذلك مثل باقي أعضاء المحكمة التي تفصل في الدعوي (الطعن رقم ٣٨٤٦لسنة ٣٤ ق ).

فهل تحذو المحكمة الإدارية العليا حذو المحكمة الدستورية بشأن دعوى البطلان الأصلية، فالنفس بطبيعتها لا تميل إلى تخطئة تصرفاتها ولا يتصور أن تنظر هيئة المحكمة بذات تشكيلها أو بعض من أعضائها دعوي البطلان في حكمها الذي أصدرته لأن الدائرة التي أصدرت الحكم ستتشبث برأيها الذي أبدته سابقا فيشل تقديرها ويتأثر به قضاؤها وكان من الضمانات الجوهرية للخصوم هي حيدة الهيئة التي تتولي نطر الدعوي.

لا شك أن الشعب المصري ينتظر من أعضاء البرلمان تنقية النصوص القانونية المتعارضة وتطبيق الجهات القضائية المختلفة للنصوص الدستورية وصحيح القانون ومبادئ الشريعة الإسلامية والقضائية للحفاظ على حيادية الهيئة القضائية واستقلاليتها وثقة الشعب.

Dr.Randa
Dr.Radwa