تحل علينا اليوم 9 مارس، الذكرى 105 للثورة 1919، والتي حفر شعارها الخالد "عاش الهلال مع الصليب" في آذهان المصريين.
شرارة الثورة
في 13 يناير 1919، أعلن الزعيم الراحل سعد زغلول، في أول خطاب بعد تأليف الوفد، أن الحماية الإنجليزية باطلة بموجب القانون الدولي.
ووضع في هذا الخطاب مبادئ الدستور السياسي لمصر المستقلة؛ تضمنت المبادئ بقاء نظام الامتيازات الأجنبية، بهدف كسب تأييد الدول التي تتمتّع رعاياها بهذه الامتيازات، حتى تعاون مصر في مؤتمر السلام لنيل استقلالها.
حظي ذلك بتأييد حسين رشدي باشا رئيس الوزراء حينها وعدلي يكن وزير المعارف حركة التوكيلات هذه، وطلبا من المعتمد البريطاني السماح لهما وللوفد بالسفر، فجاء الرد بعدم الموافقة، بحجة انشغال اللورد بلفور بمفاوضات الصلح لقرب انعقاد مؤتمر السلام.
في أعقاب ذلك، سافر المعتمد البريطاني السير ونجت إلى لندن في محاولة إقناع حكومته بسفر الوزيرين إلى لندن لكن الحكومة البريطانية رفضت، فبقي هناك ولم يعد.
إلا أن السلطات الإنجليزية تراجعت فيما بعد، وسمحت للوزيرين بالسفر إلى لندن دون غيرهم، في حين أصرّ رشدي باشا على طلبه بالسماح للسفر لمن يطلب السفر من المصريين إلى أوروبا، فرفض الإنجليز، ونتيجة لذلك قبل السلطان استقالتهما، حيث كانا قد تقدما بها في وقت سابق.
وعلى أثر ذلك، تدخل الوفد لأول مرة باعتباره ممثلًا للشعب، وأرسل خطابًا في 2 مارس 1919 للسلطان ليُعلن عن رفضه في قبوله استقالة الوزارة.
تبع هذا الخطاب خطابًا آخر في 4 مارس إلى ممثلي الدول الأجنبية يحتج فيه على منع الإنجليز المصريين من السفر إلى مؤتمر السلام.
في غضون ذلك، استدعى الجنرال "وطسن" قائد القواتْ البريطانية سعد زغلول وأعضاء الوفد لمقابلته، حيث حذرهما من القيام بأي عمل من شأنه أن يعيق الحماية البريطانية على مصر، واتهمهم بتعطيل تشكيل الوزارة الجديدة، ما يجعلهم عرضة للأحكام العرفية.
ضرب سعد بتحذيرات "وطسن" عرض الحائط، حيث أرسل احتجاجًا إلى لويد جورج رئيس الوزارة الإنجليزية، مطالبًا فيه بـ "الاستقلال التام" لمصر، وأشار فيه إلى أن الحماية عملًا دوليًا غير مشروع.
ما كان من السلطات البريطانية في يوم 8 مارس 1919، باعتقال مجموعة الوفد وحبسهم في "ثُكنات قصر النيل" ثم نفيهم في اليوم التالي إلى "مالطة".
ومع انتشار تلك الأنباء، بدأت مظاهرات الاحتجاج في القاهرة والمناطق الكبرى، كان قوام المظاهرات طلبة المدارس الثانوية والعليا ثم انضم لهم بقية المصريين.
أحداث الثورة
بدأت أحداث الثورة، في صباح 9 مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات، ثم تطورت الأحداث بعد ذلك، وفي السياق التالي نسلط الضوء على أبرزها:
- يوم 10 مارس، أعلن طلاب المدارس الأميرية والأزهر الإضراب العام، وشكلوا مظاهرة كبرى وانضم إليهم من صادفهم من أفراد الشعب، أثناء مرور المتظاهرين بشارع الدواوين حيث كان يتواجد بعض الجنود الإنجليز فأطلقوا النار على المتظاهرين، ما أدى إلى وفاة أول أثنين من المتظاهرين.
- يوم 11 مارس، استمر الطلبة في تظاهراتهم وأضرب سائقي سيارات الأجرة، فتعطلت المواصلات في جميع أنحاء القاهرة، وأصدر القائد العام للقوات البريطانية أمرًا بمنع المظاهرات، وبدأت القوات في تنفيذ الأمر بالأسلحة والمدافع وإطلاق النار على من صادفهم من المتظاهرين.
- 14 مارس، تواصل الحراك الشعبي، وتجدد الاعتداء عليه من قبل الجنود البريطانيين، وكان أكثر الاعتداءات فظاعة ما حدث أمام مسجد الحسين فبينما الناس خارجين من صلاة الجمعة أتت مدرعتان إنجليزيتان وأطلق الرصاص على المُصلين ظنًا منهم أنهم متظاهرون.
- 15 مارس، أضرب المحاميين الشرعيين وتظاهروا أمام المحكمة الشرعية، وكذلك عمال السكك الحديدية الذي يزيد عددهم عن 4,000 عامل، وقاموا بإتلاف مفاتيح القضبان والخط الحديدي بالقرب من إمبابة، فتعطلت قطارات الوجه القبلي، فيما أنشّأت القيادة البريطانية محكمة عسكرية، بقسم الأزبكية، وكانت تصدر أحكامًا بالحبس أو الجلد أو الغرامة.
- 21 مارس، بدأت تظاهرات بمدينة بور سعيد، فتصدى لها الجنود البريطانيين وأطلقوا النار على المتظاهرين فقتل 7 وجرح 17 شخصًا.
- 6 أبريل، أصدر السلطان فؤاد قرارًا نُشر في الوقائع المصرية وكافة الصحف، بالكف عن المظاهرات والهدوء والسكينة.
- 7 أبريل، أفرج الإنجليز عن سعد زغلول وزملائه، وتمكين المصريين من السفر للخارج، فقامت مظاهرات كبيرة للابتهاج، وتعدى الجنود البريطانيين على بعض المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد اثنين وإصابة أربعة آخرين.
- 11 أبريل، سافر أعضاء الوفد المصري إلى بورسعيد ومنها أبحروا إلى مالطة حيث التقوا بسعد زغلول وزملائه الثلاثة وأبحروا جميعًا إلى باريس.
وكان من أبرز النتائج التي تمخضت عن ثورة 1919، تصريح 28 فبراير، حيث أنهت إنجلترا الحماية وأعلنت مصر دولة مستقلة ذات السيادة، ولكن كان ذلك الإعلان من جانب واحد، فيما أبقت على بعض الأمور دون تغيير.