سلّطت صحيفة "العالم الدبلوماسي" الضوء على مرتكزات السياسة الخارجية لسلطنة عُمان ونموذجها للتعايش السلمي والوئام والاستراتيجية الوطنية للسياحة ومقومات السياحة الفريدة وأوجه تطور الإعلام العُماني والمحافظة على القيم الثقافية ومتانة الاقتصاد العُماني والقدرة التنافسية مع تنوع فرص الاستثمار الواعدة.
وأجرت باربرا ديتريش الرئيسة التنفيذية لصحيفة "العالم الدبلوماسي" حوارات مع عدد من والوزراء العمانيين، وقالت في كلمة افتتاحية بأن بلدانًا عديدة تعمل بلا كلل من أجل السلام، وبعد زيارتها إلى سلطنة عُمان عبّرت عن إعجابها بنموذج التعايش السلمي والوئام الذي "ألهمها" حسب وصفها.
ووصفت سلطنة عُمان بأنها "مهندس متحفظ للسلام في الشرق الأوسط" وتشتهر بدبلوماسية الوساطة، مضيفة بأن موازنة المصالح، والتسامح تجاه الاختلافات، والبحث الحازم عن المنافع المتبادلة تشكل بعضا من اللبنات الأساسية للسياسة الخارجية العملية لسلطنة عُمان.
وقال " بدر بن حمد البوسعيدي" وزير الخارجية العمانى في حديث لصحيفة "العالم الدبلوماسي": "إن مبدأ إدارة سلطنة عُمان لعلاقاتها الدولية يتركز في هدف محدد للغاية ويتمثل في الاستماع إلى مصالح الآخرين وفهمها والتعبير عن وجهات نظرنا، وآرائنا، والتحدث عن الحقيقة كما نراها".
وأضاف : "إن السياسة الخارجية العمانية تقدّر بشدة مبادئ الثقة المتبادلة والشفافية والحفاظ على المصداقية في جميع الأوقات، ولا تتبنى أجندة خفية أو ممارسة الحيل... نحن صادقون جدًا فيما نؤمن به، ونتحدث مع أصدقائنا بصراحة، حتى لو اختلفنا مع بعضنا البعض، لا يمكننا أن نكون منافقين".
ووضح أن السياسة الخارجية لسلطنة عُمان تقوم على أساس الحياد البناء وعدم التدخل في شؤون الآخرين كما أنها لا تقبل تدخل الآخرين في شؤونها الداخلية، لافتا إلى أن الواقعية "البراغماتية" والانفتاح وحسن الجوار تشكل مبادئ مهمة في إطار السياسة الخارجية العُمانية، التي تشجع دائما على أهمية الحوار ليضم جميع الأطراف المتخاصمة دون تهميش لأي طرف أو تفضيل أي طرف على آخر.
وأشار إلى أن سلطنة عُمان شجعت التقارب بين السعودية وايران ، منوها بالجهود العمانية في إطلاق سراح المعتقلين في اليمن أو إيران، فضلاً عن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى عكس وضع سوريا في العالم العربي.
وفيما يتعلق بغزة، أشار إلى الانقسام العالمي المتزايد حول الهجوم الإسرائيلي على غزة، مؤكدا أن الإجماع العالمي الذي نشهده حاليا يصب في صالح تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد، قال البوسعيدى: "نحن نشهد دولًا ترى بأن سلوك إسرائيل وداعميها ليسوا فقط منافقين، أو سلوكها غير متناسب، بل هو أيضا سلوك إبادة جماعية، وأعتقد أن الاستراتيجيات التي تنطوي على تصعيد الصراعات، أو إسكات أولئك الذين يختلفون معنا، لا تؤدي ببساطة إلى السلام".
ولفت إلى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها مكافحة التطرف هي وقف دائرة العنف التي لا نهاية لها، ومحاولة فهم وجهات النظر ومشاركة أفكارنا الخاصة على أساس الشمولية والمساواة حتى لو بدت الانقسامات في بعض الأحيان واسعة جدًّا، أو يصعب التغلب عليها، وبهذه الطريقة يمكن أن نرسم طريقا ذا معنى للسلام.
وقال: "أعتقد أن التاريخ يعلمنا الكثير من الدروس التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وعلى وجه التحديد، من الممكن التفاوض مع من نختلف معهم، أو حتى مع حركات التحرر الوطني المسلحة، مثل حركة حماس، وقد رأينا في التاريخ كيف حدث ذلك مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، أو الجيش الجمهوري الأيرلندي في أيرلندا، وحتى في التسعينيات بعد غزو الكويت، ورأينا مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولماذا لا يكون مع حماس اليوم؟"
وأكد أن سلطنة عُمان تدعو إلى تجديد عملية السلام، التي من خلالها ينتهي الاحتلال الإسرائيلي العنيف وغير القانوني لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
وشدد بأن إنهاء الاحتلال غير القانوني وإيجاد حل الدولتين والاستماع إلى المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة هي السبيل لتحقيق سلام وأمن مستدام وطويل الأجل وعادل لجميع سكان المنطقة برمتها.
وتطرق إلى الرؤية الاقتصادية لسلطنة عُمان، فأشار إلى أنها تشبه السياسة الخارجية في كونها تتسم بالواقعية والانفتاح إلى الخارج، ويتمثل الهدف الأساسي لهذه الرؤية الاقتصادية في الانتقال من دولة يرتبط ازدهارها ارتباطًا وثيقًا بالهيدروكربونات إلى دولة تتمتع بمحفظة اقتصادية متنوعة.
كما تحدث عن رؤية "عُمان 2040" واصفًا إياها بأنها رؤية استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى تحقيق الاستدامة المالية والاقتصادية، وتعزيز مختلف القطاعات غير المستغلة في سلطنة عُمان، مثل: التعدين والطاقة الخضراء والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية والسياحة.
وأوضح أن سلطنة عمان - على مدى العامين الماضيين - سنّت تشريعات جديدة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية مثل: قانون استثمار رأس المال الأجنبي، فضلاً عن عدم وجود ضريبة على الدخل، وضريبة منخفضة نسبيّاً على الشركات، واتفاقيات تجارة حرة واسعة النطاق ومعاهدات الازدواج الضريبي مع العديد من البلدان، والبنية الأساسية الحديثة متمثلة في المطارات والموانئ البحرية وشبكة الطرق.
وسلط الضوء أيضا على الموقع الجغرافي لسلطنة عُمان؛ كونه حافزًا مهمًّا للشركاء، إذ تكمن أهمية هذا الموقع في كونه على مفترق الطرق بين الشرق والغرب، علاوة على المستوى التعليمي العالي الذي يتمتع به الشباب العماني المثابر.
وأشار إلى العديد من الخطط والبرامج التي تنظمها حكومة سلطنة عُمان لتحفيز الابتكار من خلال تطوير ورعاية الشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة.
وفيما يتعلق بتغير المناخ، ذكر أن استقرار سلطنة عُمان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستدامة البيئية، وأن إزالة الكربون ليست ضرورية لتقليل اعتماد سلطنة عُمان على النفط والغاز فحسب، بل إنها ضرورية أيضًا لمصير كوكب الأرض وكل المجتمعات على هذا الكوكب، بما في ذلك مجتمعنا.
كما تطرق إلى تمتع سلطنة عُمان بتوفر مساحات الأراضي، وتوفر أشعة الشمس والرياح على مدار العام، الأمر الذي يجعل من سلطنة عُمان في وضع جاهز للغاية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ويتضمن ذلك استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل التحليل الكهربائي، وتقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين.
وأشار إلى أن سلطنة عمان تستعد لافتتاح أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في العالم، ويهدف إلى إنتاج مليون طن على الأقل من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، وبحلول عام 2050 سيصل الإنتاج إلى 8.5 ملايين طن، وبالتوازي مع ذلك، هناك تركيز على احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.
وأضاف بأن سلطنة عمان تعد موطنًا لأكبر محطة تجارية لمعالجة القصب (محطة معالجة المياه في نمر)، والتي تزيل النفط من المياه الملوثة بشكل طبيعي، كما أنها موطن لشركة "44.01 " الحائزة على جوائز، والتي تعمل على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي عن طريق تمعدن ثاني أكسيد الكربون المحتجز في البريدوتيت، وهي صخرة موجودة بكثرة في سلطنة عمان، وبالتالي إزالتها من الغلاف الجوي إلى الأبد بأمان وبسرعة وفعالية من حيث التكلفة.
واختتم حديثه مع صحيفة "العالم الدبلوماسي" بالإشارة إلى أنه من خلال هذه المبادرات، فمن المتوقع أن نصل إلى صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.