الخميس 16 مايو 2024

الثقافة الجديدة ...مفاهيم وأدوات


زياد عبدالتواب

مقالات1-5-2024 | 13:06

زياد عبدالتواب

لعلها الأحداث الكبرى هي تلك التي تجعلنا نعيد النظر في مفهوم وشكل الثقافة، فكما جاء كتاب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والمعنون "مستقبل الثقافة في مصر" بعد سنتين من معاهدة 1936 والذى سرد فيه رؤيته لما يجب أن يكون عليه شكل الثقافة في مصر، فإن بلادنا بعد مرورها بأحداث جسام خلال ثورتي 25 يناير و30 يونيو وما أحدثته من كشف وتوضيح للكثير من المفاهيم والشعارات والقيم والتوجهات، اختلط واحتك فيها المواطن العادي بمفاهيم الليبرالية والسلفية الدينية والقومية وتعرف على العلاقات المحلية والإقليمية والدولية في كل المجالات خاصة السياسية والاقتصادية، كما أعاد قراءة التاريخ مرة أخرى بمنظور واع ورؤية متعمقة متخلصا من السطحية والمباشرة وغياب التحليل العميق، وهو احتكاك وفهم ساهم في تطوره العديد من الأدوات التكنولوجية الحديثة التي ساهمت في اختصار المسافات والحقب الزمنية والخبرات وتقديمها وتناقلها بسهولة ويسر بالرغم من الأخطار الناشئة عن ذلك أيضا.

وخلال انتقالنا إلى الجمهورية الجديدة حدث اهتمام كبير بقضايا الهوية والثقافة والوعي وذلك من خلال العديد من المعالجات التي تتناول كل قضية بصورة منفردة أو نجد معالجات أكثر عمقا تضع في الاعتبار المساحات المشتركة ونقاط التماس الموجودة بينهم، فالهوية وإن كانت تبدأ بالميلاد وتشمل الدين واللغة والتاريخ، إلا أنها أيضا تشمل ما يمكن أن نطلق عليه الهوية الثقافية والتي تشمل الفنون والآداب والموسيقى والعادات والتقاليد ونزيد على ذلك فنقول إن العلوم التطبيقية والإنسانية هي جزء من الثقافة أيضا سواء بشقيها العام أو الخاص وإن امتزاج تلك المعارف معا وإعمال العقل فيها يصل بالفرد إلى درجة الوعى المطلوبة، ولا شك في أن مصر تتميز بتنوع ثقافي وإنتاج معرفي وإبداعي لا مثيل له، ما جعل المتخصصين يستخدمون تعبير «القوة الناعمة» لوصف هذا التأثير، وهو ليس وليد اليوم، لكنه بالفعل تراكم كبير وقديم امتصه الإنسان المصري، وظهر في هذا الكم الكبير من المبدعين ومن الأعمال الإبداعية في المجالات الثقافية والفنية المختلفة، هذا التراكم عبر عنه المفكر الراحل الدكتور ميلاد حنا في كتابه الرائع «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، حيث يمكن تقسيم تلك الأعمدة إلى أعمدة مرتبطة بالجغرافيا وموقع مصر وهى الانتماء العربي والإفريقي وبدول حوض البحر المتوسط، وأعمدة مرتبطة بالتاريخ وهى الانتماء الفرعوني، واليوناني، والروماني معا ثم القبطي والإسلامي أيضا.

وعندما نتحدث عن الثقافة في مصر يتبادر إلى الذهن مؤسسات الدولة المنوط بها هذا الأمر ويأتي على رأسها وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها والتي من بينها المجلس الأعلى للثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب ودار الأوبرا وأكاديمية الفنون وصندوق التنمية الثقافية والبيت الفني للمسرح والمركز القومي للسينما والمركز القومي للترجمة وقطاع الفنون التشكيلية ومعهد الموسيقى العربية والمركز القومي لثقافة الطفل وغيرها من الهيئات، والتي تعمل معا في تكاتف وتضافر للجهود من أجل إيصال المنتج الثقافي إلى كل ربوع الجمهورية من خلال قصور وبيوت الثقافة بالإضافة إلى عدد من المشروعات المتجولة كمشروع المسارح المتنقلة ومسرح المواجهة ومشروع سينما الشعب ومعارض الكتب المدعمة الدولية والإقليمية والعروض المسرحية والسينمائية في المدن والقرى والنجوع وورش تعليم الحرف اليدوية والتراثية والمهرجانات الفنية والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية وكذا أيضا المؤتمرات والندوات وورش العمل والمسابقات والجوائز.

تشمل الحالة الثقافية أيضا ما تقوم به وسائل الإعلام المختلفة بشقيها التقليدي والرقمي الجديد وكذا أيضا الكيانات الثقافية الخاصة كدور النشر والمعارض الفنية ودور النشر الخاصة وكذا أيضا الإنتاج الدرامي الإذاعي والتليفزيوني والسينمائي والموسيقى والغنائي وكذا أيضا المهرجانات والمسابقات التي يشرف عليها وينفذها مؤسسات القطاع الخاص.

فيما يلي نستعرض بعض من المحطات الرئيسية في الحقل الثقافي الجديد والمقصود هنا بالجديد أي الوسط الثقافي بمتغيرات العصر الحديث وتقنياته  المتطورة والتي حملت أنماطا جديدة للثقافة والإبداع ساعدت على انتشار الغث والسمين وفي اكتشاف المواهب وتغير أشكال الصناعات الثقافية أيضا، فالكتاب الرقمي والصوتي حل محل الكثير من الكتب المطبوعة، ودور السينما والمسرح تراجعت أمام المنصات الرقمية وهو ما حدث أيضا في مجال الصحافة والإعلام بصورة عامة، كما أدت تقنيات جديدة كالواقع الافتراضي Virtual Reality (VR)  إلى إتاحة المعارض الفنية الرقمية والافتراضية لأعداد كبيرة من المهتمين والزائرين متخطيين الحواجز الجغرافية والاقتصادية وهو ما ساهم إلى حد كبير في الوصول إلى درجة أعلى من العدالة الثقافية المنشودة وخاصة مع تطور البنية التحتية التكنولوجية من أجهزة وأنظمة فنية وشبكات معلومات وخلافه.

 

مدينة الفنون والثقافة

أُنشئت المدينة على مساحة 127 فدانا بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتضم العديد من الصروح الثقافية والتنويرية المهمة يأتي على رأسها دار الأوبرا الجديدة التي تعد أكبر دار أوبرا في الشرق الأوسط، كما أنها ضمن العشر الأوائل على مستوى العالم من حيث السعة، فالقاعة الرئيسية بها تسع 2200 فردا، أما دار الأوبرا الأكبر على الإطلاق تلك التي تسمى دار الأوبرا متروبوليتان بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تسع 3850 فردا، يليها عدد من دور الأوبرا في أوروبا تبلغ سعتها بين 2000 و2600 فردا ما يجعل دار الأوبرا الجديدة في هذا الترتيب المتقدم.

 تشمل المدينة أيضا مسرحًا للموسيقى يسع 1200 فردا، بالإضافة إلى مسرح الدراما والأداء الحركي الذى يسع 630 فردا، وذلك في إطار طراز معماري فريد وثرى، كما تضم مكتبة العاصمة التي تحتوى على العديد من الكتب والمقتنيات النادرة يتخطى عددها حاليا 70 ألف كتاب، ومن المخطط أن يصل إجمالي مقتنيات المكتبة إلى 5 ملايين كتاب، كما تتميز أيضا باستخدام أحدث أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في عمليات البحث والاسترجاع، وتضم أيضا قسما خاصا بالكتب الإلكترونية والرقمية، كما تحتوى المكتبة على قاعات مخصصة تحمل اسم بعض رواد الأدب والثقافة بمصر منها قاعات: طه حسين، ونجيب محفوظ، وأحمد شوقي، وثروت عكاشة، وغيرهم. كما تشمل كل قاعة من تلك القاعات على كل مؤلفات الكاتب، بالإضافة إلى بعض الكتب الأخرى، وفى بعضها الآخر تمثال لصاحبها. أما فيما يخص المتاحف، فالمدينة بها متحف عواصم مصر الذي يستعرض عواصم مصر المختلفة حيث يحتوي على عدد كبير من الآثار التي تنتمي إلى كل حقبة زمنية مرتبطة ببناء أحد تلك العواصم حيث تبدأ بالعواصم الفرعونية، مرورا بالعواصم الإسلامية وصولا إلى مدينة القاهرة، كما تشتمل المدينة أيضا على متحف الفنون الذي يحتوي على العديد من اللوحات الأثرية والحديثة، وكذا أيضا متحفا للعملات.

 

جائزة الدولة للمبدع الصغير

الجائزة نتاج قانون أصدره السيد رئيس الجمهورية حاملا رقم 204 لسنة 2020 باستحداث جائزة جديدة تحت مسمى "جائزة الدولة للمبدع الصغير" تمنح جوائز سنوية لمن يقدم منتجًا فكريًا أو ماديًا مبتكرًا ولم يتجاوز عمره 18 عامًا في مجالات الثقافة والفنون والإبداع والابتكار وهو أمر يجعلها تختلف عن أي مسابقة للأطفال عقدت من قبل سواء في مصر أو في المنطقة العربية ككل فالرعاية والقانون المنظم وأن تكون تحت مسمى "جائزة دولة" هو أمر مميز وله العديد من الدلالات منها استمرار ريادة مصر في العناية بثروتها الحقيقية من الأجيال الجديدة ووضعهم موضع الصدارة والرعاية على هذا المستوى الكبير كما أنها تعطى رسالة بعدم التفرقة بين الكبير والصغير في التقدير والتشجيع بل على العكس فالأثر الذى أحدثته هذه الجائزة والتي انتهت ثلاثة دورات منها حتى الآن  في نفوس الأطفال وذويهم كبير جدا وملموس، فهي تشجع على الانتباه إلى المواهب وإلى رعايتها منذ البدايات كما أن وقع تلك الرعاية وهذه العملية بما تشمله من إجراءات في غاية الأهمية ويترك أثرا كبيرا في نفوس الأطفال وبالفعل يغير مستقبلهم إلى الأفضل، لكل منا تجربة مع أب أو قريب أو مدرس أعطاه أمل وثقة في قدراته، حببه إلى أحد فروع العلم والثقافة والمعرفة، كثيرا ما نجد هذا في تصريحات الناجحين حين يتذكرون أمهاتهم أو مدرسيهم، أول من آمن بهم وشجعهم.

هنا يأتي التشجيع بصورة رسمية منظمة، مجالات الإبداع متعددة ولذلك فإن فروع الجائزة قد تختلف من عام لآخر ولكن تظل مجالاتها الثلاثة الرئيسية هي الثقافة والفنون والإبداع والابتكار.

مجال الثقافة يشمل القصة والشعر والمسرحية ومجال الفنون يشمل العزف والعناء أما المجال الجديد والمرتبط بالإبداع والابتكار فيشمل عمل تطبيق إلكتروني للحاسب أو التليفون المحمول أو موقع الكترونى تعليمي أو تثقيفي أو لعبة إلكترونية كما يشمل إمكانية ابتكار أو اختراع جهاز مفيد لتبسيط العلوم أو حل مشكلة قائمة أو موفرا للطاقة.. إلخ.

الجائزة مقسمة على فئتين عمريتين الأولى من سن 5 سنوات إلى 12 سنة والثانية أكبر من 12 وحتى 18 سنة وهي شريحة من السكان لا يقل عددها عن 30 مليون طبقا للتعداد الأخير.

الجائزة تتم من خلال تضافر العديد من الجهود منها بالطبع وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة والذي يقوم بالإشراف والتنفيذ وكذا أيضا اللجنة العليا للجائزة ولجان التحكيم النوعية وخلافه، وهو أمر مشابه لما اعتدنا عليه من الإعلان عن شروط التقدم والفائزين بجوائز الدولة التشجيعية والتقديرية وجائزتي التفوق والنيل.

 

الثقافة الرقمية

وإيمانا من الدولة بدور وأهمية التكنولوجيا الحديثة في إنتاج ونشر الإبداعات الثقافية المختلفة نجد أن مصطلح "الثقافة الرقمية" أصبح معتادا في الآونة الأخيرة فعلى سبيل المثال نجد أن المجلس الأعلى للثقافة قام باستحداث لجنة جديدة ضمن لجانه المتعددة تحمل مسمى "لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية الثقافية" والتي بدأت عملها منذ مارس 2020 بالتعريف بالتقنيات الحديثة وكيف يمكن أن تؤثر على المجالات الثقافية والإبداعية المختلفة وهو أمر تزامن مع انتشار جائحة كورونا مما أعطى الموضوع ثقل وأهمية وإقبال واهتمام، فالكتاب أصبح رقميا ومسموعا، والفنون التشكيلية المتعددة أصبحت رقمية، كما انتشرت المعارض الافتراضية وحفلات الأوبرا والحفلات الغنائية كما أمكن لمجموعة من العازفين أن يقومون بتأدية عمل مشترك وكل جالس في منزله ويخرج العمل الإبداعي فيستمع له أو يشاهده الملايين في منازلهم أيضا.

شملت قضايا الثقافة الرقمية أيضا استخدام الميتافيرس والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وسلاسل الكتلة في اقتناء الأعمال الفنية وفى تداولها وبيعها وهذا الأمر فتح المجال للنقاش حول حقوق الملكية الفكرية ومحاولة رسم طريق لأسلوب تعامل الإنسان مع الآلة ومعالجة ما تنتجه من إبداعات مختلفة والإشارة إلى الحاجة إلى العديد من الاستراتيجيات الواضحة لقضايا مهمة مثل الأطفال والإنترنت أو الترجمة الآلية أو الإعلام الرقمي في مواجهة الإعلام التقليدي.. إلخ.

بالطبع شمل الأمر المفهوم العكسي أي "رقمنة الثقافة" وذلك لتحويل الإبداعات الثقافية السابقة إلى الصورة الرقمية، بالإضافة إلى مفهوم هجين لدمج الممارسات الثقافية المعتادة بتلك الرقمية تماما مثلما يحدث في معارض الكتاب ومنها معرض القاهرة الدولي للكتاب حيث يستطيع الزائر التجول في أروقة المعرض افتراضيا والقيام باختيار الكتب وشرائها بنفس السهولة واليسر.

 

خاتمة

من العبث محاولة استعراض ما تم وما سيتم من جهود في المجال الثقافي في هذه المساحة الضيقة، فالأمر كما أسلفنا متشعب ومتداخل مع مفاهيم أخرى كالهوية والوعي والتعليم وخلافه ولكن خلاصة القول إن هذه الجهود قد ساهمت في التعريف والتوعية بالمجال الثقافي والإبداعي وأهميتهما ليس فقط على مستوى بناء الوعى ولكن لما له وما به من فرص اقتصادية كبرى لدولة في حجم وثقل وعراقة بلدنا الحبيب.