الثلاثاء 4 يونيو 2024

ماذا لو اختفى العرب ؟!

19-1-2017 | 11:46

بقلم –  حمدى الكنيسى

- فى البدء لابد أن أعترف أننى لست صاحب هذا السؤال المقلق، تماما كما أعترف أننى قررت أن أقوم باقتباس ماجاء بالمقال الذى نشره الكاتب الفلسطينى «أكرم عطا الله» لدى سعيه للتوصل إلى أية إجابة على من يتساءل «ماذا لو اختفى العرب»؟!

وقد يبدو أننى من خلال ماتضمنه المقال المثير أرفع راية «التشاؤم» وفقدان الثقة فى أمتنا العربية التائهة المغيبة، لكننى وإن كنت شخصياً أقاوم بشدة الانزلاق إلى هذه الحالة القاتمة ، إلا أننى أرى من واجبى إطلاق مااعتبره «التشاؤم الإيجابى» بمعنيأننا نرى الظلال السوداء حول صورتنا لكننا يمكن أن نتحدى واقعنا هذا ونسعى بأقصى مالدينا من إمكانيات بشرية ومادية وجغرافية وتاريخية خاصة أننا كنا من قبل أصحاب النظريات العلمية والأفكار الخلاقة التى التقطها الغرب واستثمرها بالصورة التى جعلته يزهو حاليا بانجازاته وإبداعاته التى نتسول نحن استخدامها وندفع ثمنها الباهظ مادياً ومعنوياً كما يوضح المقال الذى يفجر أخطر سؤال يقول «ماذا لو اختفى العرب جميعاً؟!» ماذا لو أفاق العالم فجأة واكتشف أننا لم نعد موجودين؟! بالتأكيد لن يخشى العالم من خسارة أى شىء فلن ينقطع الإنترنت ، ولن تتوقف الأقمار الصناعية ولامصانع السيارات وقطع غيارها، ولن تتوقف أسواق البورصة. ولن يفتقد أى مواطن فى أنحاء العالم أى نوع من الدواء ولا المعدات الطبية وأجهزة الأشعة ولاحتى السلاح الذى يقتل به بعضنا بعضا، ذلك لأننا لم نقدم للعالم أى خدمة سوى «الكلام وصورة قتل بعضنا فى الصحف ونشرات الأخبار» وقد تطل سيدة فرنسية من شرفتها لتقول لسيدة أخرى «لقد اختفى العرب جميعا» وستسأل الأخرى : «هل تتحدثين عن هؤلاء الذين يقتلون بعضهم ليل نهار؟!» فتجيبها قائلة : «نعم هم أولئك»، ويتأكد رد السيدة بالدعوة إلى محاولة التوقف على مسافة فى أية عاصمة خارج الوطن ومراقبة خيط الدم الذى يتدفق من ليبيا حتى العراق مروراً بسوريا واليمن ومابينهما من أمة نصفها يسبح على بطنه من شدة الجوع، ونصفها الآخر يسبح على كرشه من شدة الشبع، وكلهم عالة على البشرية!!

والمؤكد أنه لن يتوقف أى شىء فى حياة المواطن اليابانى ، ولن يفتقد المواطن الأوربى أى شىء ، ولن يخشى الماليزى أو التركى أو الأمريكى من تعطل حياته اليومية فليس لنا نحن العرب أى دور فى الإنتاج الحضارى ولا المعرفى ولا الصناعى ولا الإنتاج المادى ولا الاكتشافات أو الاختراعات، فنحن فقط نتناول ماينتجه الآخرون.

وكثير من هذا الإنتاج نستهلكه بشكل ضار وخاطئ. ولن يفتقدنا فعلا أحد سوى أصحاب مصانع الأسلحة التى نشتريها بمليارات الدولارات لأننا الأكثر استهلاكاً لما تنتجه تلك المصانع ولن نتوقف عن عقد الصفقات الضخمة فى سوق الدم بأسلحة القتل والفتك والدمار. وهكذا..

الآخرون ينتجون كل شىء، ونحن نستهلك كل شىء ولاننتج سوى «الكلام» ونعيد تفسيره وتأويله وتدويره عن التحريض والكراهية، حيث لاتتوقف صراعاتنا فدول تكره بعضها وقبائل تتربص لبعضها وميليشيات تنتشر بلا حساب فى ساحات المعارك ، حتى الشعب الفلسطينى انخرط فى الأوركسترا العربية الملتهبة وفتح صراعا بين فصائله وهذا كل يؤكد أننا نحن العرب فى ذيل القائمة فى كل شىء ومع ذلك نقول فى نهاية كل سنة «كل عام وأنتم بخير» ، ويتساءل الكاتب الفسلطينى «أكرم عطا الله» قائلا : «على إيه تكونوا بخير؟» ، ثم يطلق قذيفته المرعبة قائلا : أليس اختفاؤنا نحن العرب ما سيجعل العالم أفضل؟ .

هكذا وضعنا كاتبنا أمام صورة واقعنا المخزى ، لكننى أختلف معه فى إغلاقه باب الأمل نهائياً ، وكأنه يدعونا إلى الإحباط والتشاؤم الذى يؤدى إلى «الاختفاء» أو «الفناء» ، وهذا مايتمناه وينتظره الأعداء ، بينما مازال فى أيدينا مانستطيع به «البقاء» لو أننا استوعبنا جيدا الدرس القاسي، فنبدأ بأسرع مايمكن فى تدارك ماانزلقنا إليه من خلافات وصراعات، ونحتكم إلى صوت العقل والمنطق متجاوزين حساسياتنا وحساباتنا القطرية والشخصية مرتفعين إلى مستوى المسئولية التاريخية فى آخر اختبار أو آخر فرصة لنا قبل البكاء على اللبن المسكوب حيث لايجدى البكاء ولايفيد الدعاء لحظة الاختفاء التى تتربص بنا، والكلام طبعا لقادتنا وزعمائنا الذين يحملون قدراً من المسئولية عن صورتنا ونحن نقتل بعضنا بعضا .. ونطلق جرثومة الطائفية والحرب الأهلية .

إنكم ياقادتنا وزعماءنا الأشاوس لو استوعبتم جيدا نتائج ماانحدرت إليه الأمة .. ومن ثم توقفون نزيف الدماء وتوفرون الجهود والأموال لتطلقوا ثورة تعليمية وثقافية حقيقية .. تستطيعون فعلا الرد العملى على السؤال المنطقى بأن العرب لن يختفوا بل سينجحون فى استعادة ماسجله التاريخ قديما باسمهم من إنجازات هائلة حققها أجدادنا العظام عندما كانت «أوربا» التى تسخر من وجودنا الآن .. تعيش عصور الظلام إلى أن تلقفت نظرياتنا العلمية وحولتها إلى منتجات عملية عوضت فيها وبها مافاتها .. وانطلقت بقوة مبهرة على طريق التقدم بكل أشكاله ونحن قابعون فى مستنقع الصراع والتخلف .

مرة أخرى وأخيرة .. لاتدعوا ياقادتنا وزعماءنا الفرصة الوحيدة تفلت من أيدينا نحن العرب الذين صرنا موضع السؤال الخطير عن «الاختفاء» أو «البقاء» .