الثلاثاء 16 يوليو 2024

المدرسة أسسها جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي

مقالات12-7-2024 | 20:09

بعد أن انتهت الكاتبة التشيلية «إيزابيل الليندي» من إحدى محاضراتها سئلت عن الدور الذي يلعبه الحنين في رواياتها.. فانتابها الصمت للحظات كأنها لم تفكر من قبل في هذا السؤال.. ثم تحركت شفتيها بكلمة «حنين».. حتي تداركت الموقف، قائلة: «هو ألمُ أن يري المرءُ نفسه غائبا عن وطنه، هو الحزن الذي تثيره سعادة مفقودة».

ثم عقبت تشرح حالها المضطربة حينما طُرح عليها السؤال، وهي تفكر بالجواب: "قطع السؤال الهواء عني، لأنني حتي تلك اللحظة لم أنتبه إلي أنني أكتب كتمرين متواصل عن الاشتياق، طوال حياتي كنت غريبة تقريبا، وهو الوضع الذي أقبله، لأنه لا خيار آخر أمامي.. وجدتُ نفسي مرات عديدة مجبرة علي المغادرة، مُحطمة الأغلال، مخلفة كل شيء ورائي، كي أبدأ من جديد في مكان آخر؛ فلقد جبتُ مغتربة طرقا أكثر مما أستطيع تذكره، ومن كثرة ما ودعتُ جفت جذوري، واضطررتُ أن استنبت أخري، استوطنت الذاكرة لعدم وجود مكان جغرافي تستوطنه".

سؤال الهوية والانتماء هو نقطة جوهرية، يصدم المرء منا عند سؤاله، كما لو أن السائل يخيره بين الحياة أو الموت، أو كأن السؤال لم يطرأ من قبل في مخيلتنا، وهذا غير صحيح بالمرة، لأن كل المبدعين تقريبا يبحثون طوال حياتهم، عن ذواتهم وأوطانهم، خاصة الذين هاجروا سواء كانت الهجرة قسرا أو اختيارا، ليبقوا خلف هويتين هويتهم القديمة التي تسكنهم وهويتهم الجديدة التي يسكنوها وتفرض نفسها عليهم، فمنهم من يتجرد من القديمة، ومنهم من يلتبس الامر عليه، ويعيش بهويتين مزدوجتين، غير قادر علي التخلص من تلك أو ذاك.
اليوم زاد عدد الأدباء والشعراء والفنانين العرب المهاجرين في أمريكا وأوروبا، وضف عليهم المتواجدين في دول عربية غير اوطانهم الأصلية، نتيجة الحروب الصراعات، ومنهم الكثير من أدباء وشعراء سوريا واليمن والسودان وليبيا وآخرين، رغبة في البحث عن وطن يحتميهم. 
هذه الموجة الكبيرة من الهجرة التي نشهدها خلال السنوات العشر الأخيرة تجعلنا نتوقف ونعود بالذاكرة الي أدباء وشعراء المهجر الذين سبقوهم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعلي رأسهم جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ورشيد سليم الخوري و إيليا أبو ماضي وأحمد زكي أبو شادي، وغيرهم، عندما قاموا بتأسيس جمعيات ونوادٍ أدبية في بلاد المهجر مثل العصبة الأندلسية أو الرابطة القلمية. 
والحديث هنا عن الصيغة أو الشكل الجديد الذي يمكننا من خلاله النظر لأدباء المهجر الجدد أو المعاصرين إن جاز التعبير، في ظل ظهور مصطلحات حديثة مثل ادب المنفي أو أدب اللاجئين.. وغيرها من المصطلحات التي تحتاج لدراسات أكثر تعمقا لفهم هذه الظواهر، وهل حقا تمثل ظواهر أم هي مجرد تجارب شخصية ينظر إليها بشكل فردي، وهل سنري سرديات معبرة عن اوطانهم الأصلية بكل ما فيه من الألم وانكسارات وأحلام، ام سيذوب هؤلاء المهاجرون الجدد في الأوطان الجديدة التي هاجروا إليها.
وكيف يمكن تقبل مصطلح أدب المهجر بشكله القديم، في ظل الكم الهائل من وسائل التواصل الحديثة والتكنولوجيا الرقمية السريعة، كل هذا يجعل الكاتب يعيش بعينه وقلبه وروحه في الوطن باستثناء الجسد الباقي في المهجر... فماذا سيكون شكل وصيغة المنتج الأدبي الجديد؟
الناقد المصري غالي شكري-1998:1935- يقول في كتاب "مرآة المنفى أسئلة في ثقافة النفط والحرب": إن المنفي بحد ذاته ليس خيرا علي الإطلاق فأية مسافة بين الكاتب والوطن تحرم الإنتاج الثقافي في الغربة من نبض الواقع الحي، وهو الأب الشرعي لأية حرارة وأي صدق، مهما وصلتنا الصحف والإذاعات والكتب والأصدقاء القادمون من الوطن، فأنها لا تغني مطلقا عن المعايشة اليومية للحياة الواقعية.
والمنفى في رأيي هو الغرب فقط، فالحياة في بيروت أو دمشق أو بغداد أو الكويت أو الجزائر أو المغرب أو بنغازي ليست غربة.. وقد عشت شخصيا أربعين شهرا في لبنان نصفها تماما في ظل الحرب، ولم اشعر قط أنني غريب او منفي، فالشارع العربي واحد أينما كان... إذا لم نعد أنفسنا نحن المقيمين في الغرب مجرد امتداد متواضع للداخل، فلا معني لوجودنا، وإذا لم نرتب حالنا علي أساس العودة القريبة إلى الوطن الصغير او الكبير فلا معني لوجودنا.. اما إذا كان البعض منا علي اتصال وثيق بالداخل، لا يزايد عليه بل يضع نفسه تلقائيا تحت امرته، وإذا كان هذا البعض رتب نفسه علي أساس الإقامة القصيرة المؤقتة التي سيعود بعدها مباشرة إلى بلده أو أي بلد عربي، فإنه يستطيع الاستفادة والإفادة من المنفي الاضطراري، يستطيع التفاعل الصحي المباشر مع حضارة قرأ عنها أو سمع بها، ويستطيع ان يكون واجهة إعلامية ووجها اخر لبلاده غير الوجه الذي يعرفه الغرب من أجهزة الإعلام الرسمية ويستطيع أن يدعم النضال داخل وطنه بالكلمة الشريفة الحرة".
أما الناقد العراقي الدكتور عبدالله إبراهيم، فيقول في كتابه "الكتابة والمنفى": إنه آن الأوان لتنشيط جدل ثقافي ينتهي بإحلال عبارة "كتابة المنفى" محل عبارة "كتابة المهجر"؛ وحجته في ذلك أن كتابة المنفى مزيج من الاغتراب والنفور، وتراوح في منطقة الانتماء المزدوج إلى هويتين متباينتين، ثم في الوقت نفسه عدم إمكانية الانتماء لأي منهما، وهي كتابة كاشفة تقوم على فرضية تفكيك الهوية الواحدة، وتقترح هوية رمادية مركبة من عناصر كثيرة، وبهذه الصفة تعد كتابة المنفى عابرة للحدود الثقافية والجغرافية والتاريخية والدينية، وهي تخفي إشكالية خلافية، كونها تتشكل عبر رؤية نافذة، ومنظور حاد لا يعرف التواطؤ؛ فكتابة المنفى تتعالى على التسطيح، وتتضمن قسوة صريحة من التشريح المباشر لأوضاع المنفي، وعلى حد سواء، لكل من الجماعة التي اقتلع منها، والجماعة الحاضنة له، لكنها تنأى بنفسها عن الكراهية، والتعصب، والغلو، وتتخطى الموضوعات الجاهزة، والأفكار النمطية، وتعرض شخصيات منهمكة في قطيعة مع الجماعة التقليدية، وتنبض برؤية ترتد صوب مناطق مجهولة داخل النفس الإنسانية.
وتتسم كتابة المنفى، فضلا عن كل ذلك، بالقلق الوجودي، ويسكنها الحراك، والانشقاقية، والسخط، وفيها تعوم الأسئلة الكبرى، وهي مدونة قاسية تتمثل فيها مصائر البشر حينما تدفعهم نوازع العنف الأعمى إلى تمزيق شملهم، فيلوذون بأماكن بديلة بحثا عن آمان خادع.
وفي ضوء ذلك رأي الناقد العراقي أن الاستبدال بين المصطلحين والمفهومين ضروري بعد مرور أكثر من قرن على استخدام مصطلح "أدب المهجر" لأنه يخلو من المحمول الذي جرى وصفه من قبل، فـ"أدب المنفي" يختلف عن "أدب المهجر" اختلافا واضحا، كون الأخير حبس نفسه في الدلالة الجغرافية، فيما انفتح الأول على سائر القضايا المتصلة بموقع المنفي في العالم الذي أصبح فيه دون أن تغيب عنه قضايا العالم الذي غادره.
وللاقتراب أكثر من الظاهرة تحاورنا مع الكاتبة والشاعرة السورية جاكلين سلام، المقيمة في كندا منذ سنوات طويلة، وهي تحكي عن تجربتها وتجربة من تعرفهم من الشعراء والأدباء المهجرين المعاصرين، فتقول أن "الأدب المهجري" يتجدد في كتابات اللاجئين والمنفيين الذين يعيشون خارج الجغرافية الطبيعية الأولى للوطن الأم، الذين ليس لديهم جوار سفر متجدد لزيارة الأسرة كلما أيقظنهم الحنين والرغبة، هؤلاء الكتاب حالهم يختلف عن حال كتاب يعملون في كندا أو أوربا كسياحة وتحسين وضعهم الاقتصادي والعلمي، ولديهم جنسيات مزدوجة ودخل مادي ميسور، فيستفيدون من خيرات كلا البلدين، وكتاباتهم لا تحمل تجديداً في الأدب المهجري. 
أما عن تجربتها الذاتية فتكشف أنها لم تقم بزيارة سوريا سوى مرة واحدة خلال ما يزيد عن نصف قرن: مات أهلي ولم أرهم، تهدم بيتنا في سوريا ولم يبق لي ما أعود إليه هناك، فهل لذلك أثر في كتاباتي؟! نعم، وإن لم يظهر ذلك فهذا يعني أنني غير صادقة في شعوري وكتاباتي، فدواويني الشعرية وكتبي السردية تكشف جانباً من هذه التجربة المهجرية.
وتضيف الكاتبة السورية أن تجربة الهجرة تكسب الكتابة الإبداعية عمقاً ووعياً إضافياً له إذا امتلك الكاتب مهارات الصنعة الإبداعية، فكتاباتي الشعرية والسردية والبحثية تتفرع على أكثر من مدرا جغرافي وتمتد إحداثياتها في محاور الشرق والغرب، الداخل والخارج، البيت الأول والتالي.. وتختلف تجربة المهاجر من فرد إلى آخر، أنا اخترتُ الاندماج والأخذ من الثقافة الإنجليزية، أسعى منذ قدومي إلى تطوير معرفتي والاطلاع على الإصدارات الأدبية والفكرية التي تصدر في كندا وأوروبا، ربما هذا يختلف مع اخرين.
أما عن ذاتها الداخلية المليئة بتفاصيل يصعب حصرها، وارادت الإفصاح عن بعضا منها: مضى قرابة 27عاما منذ هاجرت من سوريا إلى كندا، وأجد أنني تجددت بصيغ كثيرة. ولدتُ في اللغة الأخرى، وتعلمتُ أبجدية المكان الجديد، الطرقات، المواصلات، العلاقات العامة والخاصة، تواصلتُ أدبياً مع الواقع الثقافي المهجري العربي والكندي من خلال الملتقيات التي شاركت في تأسيسها أو دعمها، وما زلت أتعلم وأكتشف طيات الذات المضمرة، هذه تجربة شائكة لا تخلو من الأسى وبحاجة إلى دراسات نفسية عميقة.. ومازلت عاجزة عن استيعاب قصص السناجب التي تتسلق إلى طابقي في بناية من 20 طابقا وتحضر معها حبات الفستق السوداني، أو تلتقطها من جارة تسكن في الطابق الأعلى وتعود إلى الأسفل. 
الترحال ويقظة الحواس والتلقي تكسب تجربتي غنى وتنوعا رغم أن الواقع اليومي متعب معنوي وجسدى، فالعيش في هذه الأمكنة ليست رحلة رفاهية واستجمام لآلاف اللاجئين، بل صدمات بأبعاد مغايرة لمعاناة الأفراد في البلد الأول، إنها مطحنة ومعركة يومية مع الوقت، مع الماكينة الاقتصادية التي تحاول أن تبتلع أرواحنا وعقولنا، إنها محطة غنية بالمتناقضات، إضافة إلى أن الطبيعة وقسوتها تؤثر بطبيعتنا ونمط العلاقات، فالشتاء الطويل البارد الجليدي، معاناة يومية وتترك أثرها الواضح في كل ما أكتب وأنا أعقد مقاربات روحية بين بيتي وحارتي هنا، وبين وبيت طفولتي وشوارع مدينتي التي تسكن في رأسي.
وإذا عدنا إلى تجربة أجدادنا المهجريين الشرقيين الأوائل أمثال جبران ونعيمة وعريضة سنجد تلك العلاقة بالطبيعة وشظف العيش والحنين ودروس الحكمة ماثلة وشاهدة على التجربة والمكان، لكن لكل نص مكانا وحواسا وتجربة، اليوم أشعر أن هذه الهجرة تبتلع المكان السابق وتقول لي: سيكون لنا هنا قبور بلا زوار.
لتختم "جاكلين" تصورها عن المهجر بهذه الكلمات التي اختارتها بعناية: الحاضر متشابك بخيوط الماضي والغد ملتبس إلى أن يأتي زمن وتتعب ذاكرتي من التدقيق والمقارنة فأصبح كائناً مهاجراً لا يشبه ماضيه تماماً ولا يشبه اللاجئين القادمين من بلاد أخرى يسكنون في البيت المجاور لبيتي.
بينما في حديث سابق مع الكاتبة العراقية إنعام كجه جى، المقيمة في فرنسا، أكدت انها عندما بدأت الكتابة الروائية لم تفكر إلا في حفظ العراق الذي يشغلها، بعد أن تشتت بشكل ممنهج، وتعتبر أعمالها توثيقا وتسجيلا لمرحلة تاريخية دقيقة من عمر وطنها.
وتصر عند تعريفها بانها كاتبة عراقية، ولم تعتبر نفسها يوما علي حد قولها أنها فرنسية، مؤكدة أنها كانت في حاجة لجواز سفر يساعدها في تنقلات مهنتها الصحفية، ثم من هذا الذي يتخلى عن شرف انتمائه إلى أقدم الحضارات؟ وعندما سألتها عن زيارة العراق قالت: أزور العراق ويزورني في المنام بلا انقطاع، وأحلم بالعودة للعراق، سأكون مطمئنة لو أنهيت عمري في غرفة بحي الكرادة في بغداد، حيث ولدت. 
وعن نجاحها في تطويع عالمين متناقضين في العادات والتقاليد، اي التوافق بين الغرب والشرق وتأثيرهم علي أفكارها كشفت أنها تعيش بينهما.. قائلة: لا تنس أنني جئت من بلد شرقيّ عريق ومتحضر ولم أكن بدراستي وتكويني الفكري وعاداتي بأقل من المواطن الغربي الذي يماثل وضعه وضعي.
أما عن ضرورة دراسة ظاهرة الأدب المهجري الجديد يقول الكاتب والناقد السيد نجم، أن أدب المهجر أصبح له دلالات مختلفة، فهل نحن نتحدث عن مهجر لبنان في القرن التاسع عشر، أم عن الفلسطينيين والسوريين واليمنيين والسودانيين الذين تركوا بلادهم الآن.. لأن مصطلح أدب المهجر لم يعد صالحا اليوم، والمصطلح نفسه اختفي، ولا أحد يوظفه الآن، فعندما نتحدث عن المصطلح بدون تردد نذهب مباشرة إلى جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي.
ويستطرد قائلا: في أمريكا وأوروبا صحف ومجلات باللغة العربية ويستكتبون عرب في صحفهم، فقنوات التواصل الجديدة والتكنولوجيا خلقت هذا المجال، حتي قبل ذلك كان البريد وسيلة تواصل وكنت أكتب قصصا قصيرة في إحدى المجلات التي تتبع دار نشر في نيويورك وأرسلها من خلال البريد، وهذا لا نعتبره أدب مهجر.. لكن اليوم أصبح لدينا مصطلح أقرب إلى أدب المهجر وهو أدب المنافي، بمعني أنها ليست هجرة لكنها نفي، حتى لو كانت بإرادة المبدع، لكنها كما لو أنه نفي من بلده بسبب قسوة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعندما طرحنا عليه أن عددا كبيرا من الكتاب العرب متواجدون في أمريكا وأوروبا خاصة في السنوات الأخير، أوضح أن المسالة تتوقف على رؤية المبدع، وهو يكتب وينتقد الوضع في بلاده، فهل هو يكتب برؤية إنسانية عامة، وهل عشقه لوطنه هو الذي يدفعه.. لأن رؤية الكاتب تلعب دورا مهما في هذه النقطة، وهو ما يجعلنا نفصل بين أدب المنفى أو تجارب شخصية، فمثلا كاتب فلسطيني يعيش في فرنسا ويكتب بالفرنسية عن قضايا العرب وفلسطين، وهذا لا نعتبره أدب منافى او أدب مهجر، فقط نعتبره منتميا لأصوله ولقضيته، ويدافع عنها بطرقته، وإذا كان هناك كاتب مصري يعيش في أوروبا وعينه علي مصر وينتقد الوضع من باب حبه لوطنه، هذا لا نعتبره منافى، لكن نعتبره تجارب شخصية ناضجة نتيجة احتكاك بين الشرق والغرب الجديد مع وسائل التواصل الحديثة.
وعن الروابط والجمعيات القائمة الآن والتي أنشأها مبدعون في الغرب، قال عنها أنها تجمعات ثقافية لكن غالبا وراءها بعدا سياسيا، ولا تعبر عن توجه ادبي، ومن ينضم إليها لا ينضم لأنه أديب أو شاعر لكن ينضم إليها لأن لديه رؤية سياسية مع الوطن أو ضده، وبالتالي لايمكن الحكم عليها علي اعتبار أنها ائتلاف أدبي أو تصنيف علي أسس أدبية وتأخذ مصطلح أدبي، لكن ننظر للبعد الأيديولوجي للتجربة.
وأكد أننا في حاجة لدارسات كثيرة وجادة حول هذه النوع من الأدب، وحول هذه الروابط والجمعيات، حتي التجارب الخاصة قابلة للمناقشة والتقييم، ويمكن دراسة كل حالة بمفردها دون التقيد بالإطار العام بأدب المنافي، فدراسة هذا النوع من الكتابات يطرح رؤي جديدة ويضعنا أمام أفكار مختلفة عن الهوية ورؤية الشرق للغرب والعكس في ظل العولمة والتكنولوجيا الحديثة.
بينما اختلف معه الدكتور حسين حمودة، أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب بجامعة القاهرة، لأنه يري أن المهاجرين العرب الذين هاجروا خلال السنوات القليلة الماضية إلى أمريكا واوروبا هم "ادباء المهجر الجديد" وأصحاب تجارب جديدة، علينا النظر إليهم بمفهوم يختلف عما كنا ننظر به في السابق إلى أدب المهجر أيام جبران خليل جبران وإيليا أبوماضي.
ويضيف الدكتور حمودة أن هناك تجارب لمبدعين ومبدعات كتاب وشعراء من مصر والعراق ولبنان وسوريا، واخرون يعيشون الآن في الخارج، وبالتالي من حيث المصطلح فهو مازال موجودا ويمكن إطلاقه عليهم.. لكن من حيث مضمون الظاهرة فهي ليست كما كانت وقت شعراء المهجر أيام جبران خليل جبران كما أشرت، لأن هؤلاء المبدعين يعبرون الآن بطرق مختلفة تماما عما كانوا يعبرون به وعنه في القرن التاسع عشر، يعبرون بطرق أخرى 
عن الهويات الملتبسة.. وبالتالي فالأمر يحتاج لدراسة متأنية عن تعبير هؤلاء المبدعين المهاجرين، ويجب ان نتوقف أمام مشروعاتهم الأدبية، وهناك نماذج يمكن ان نشير إليها مثل الكاتبة مي التلمساني، وميرال الطحاوي، وحاتم حافظ، والروائي التونسي الحبيب السالمي.. فهناك هويات ليست لها ملامح أو لها ملامح ملتبسة، وهناك مبدعون متمسكون بعشق وطنهم مثل الكاتبة العراقية الكبيرة أنعام كجه جي، والعراقية أيضا عالية ممدوح، صاحبة رواية "الأجنبية".
وأكد "حمودة" أنه لا يمكن اعتبار تجارب كل المبدعين تجارب ذاتية، لأن منهم من كان مدفوعا بخروج جماعي، لكن في النهاية حين يعبرون يكتبون عن تجاربهم الشخصية، وليس مثلما كان يحدث في الرابطة القلمية القرن الماضي، وعن الروابط والجمعيات الخاصة بالمبدعين في الغرب قال إنها تجمعات اجتماعية، وليست لها علاقة بالتجارب الأدبية التي تحتاج لدراسة من نوع مختلف، تكون دراسات جادة ومتعمقة حول خصوصية الظاهرة بملامحها الجديدة.
خلاصة ما قاله الدكتور حسين حمودة إننا يمكننا استخدام مصطلح أدب المهجر الآن، مع ملاحظة أن التجربة أصبح لها ملامح أخرى، ولم تعد بها الوضوح في معاني الهوية الذي كان متواجدا في السابق، اليوم هناك التباس في الهويات.