الأربعاء 17 يوليو 2024

الإنترنت.. وأثره في حياتنا الثقافية

مقالات13-7-2024 | 11:13

لا يمكن لأحد أن ينكر الأهمية الكبرى للشبكة العنكبوتية العالمية؛ أو ما يُعْرَف بـــ «الإنترنت»، ذلك أن الإنجازات التي تحققت – في كل مجالات الحياة - بفعل هذه الشَّبكة كبيرة جدًا، بحيث لا يستطيع أي شخصٍ تجاهلها أو التَّقليل من شأنها.

وتأتي الدعوة إلى حتمية التَّحول الرقمي في كافة مؤسسات الدولة بُغية التنسيق والتنظيم، وتوافر المعلومات وتبادلها بين الأجهزة المختلفة، لسرعة اتخاذ القرارات المناسبة بشأن الموضوعات المطلوب إنجازها بدقة.

 لنبدأ بأحد نتاجات النت، والمتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، إكس، انستجرام، وغيرهم)، وهي مواقع قرَّبتْ المسافات بين المتباعدين، والتي قد تصل إلى آلاف الأميال، وعَمِلَتْ على التبادل الثقافي والمعرفي بين أصحاب الحسابات، وأتاحتُ الفرصة للاطلاع على مختلف الأفكار والرؤى، وأفسحت الطريق أمام التعددية الأيديولوجية والثقافية والقومية للإعلان عن هُويتها وجذورها.

وسمحت هذه المواقع لإدارة نوع من الحوار بين الأصدقاء؛ سواءً على العام (عبر التعليقات والردود)، أو على الخاص (من خلال الرسائل المتبادلة).

ولكن برزتْ – في هذا الصدد – سلبيةً كُبرى، بحيث أصبح النشر على تلك المواقع متاحًا للجميع من أصحاب الثقافة الهابطة والجهل السافر والمغرضين، وذوي النفوس المريضة التي تنشر معلوماتٍ كاذبة، وشائعاتٍ غير صادقة لهدفٍ أو لآخر.

وركب الكثيرون موجة التواصل على النت دون عِلْم وبغير دراية، فادعى البعض أنه شاعر أو أديب أو مُفَكِّر، دون أن يملك أدنى مقومات ما يدعيه، وقد رأينا ذلك – بوضوح – من خلال منشوراتٍ حفلت بأخطاء النحو والإملاء، واتسمت بالتناقض والخلل الفكري والفني.

وهناك من يكذب ويزيف في بياناته فيصف نفسه – مثلًا – بالطبيب أو المهندس أو المحاسب، وهو لا يملك أي مؤهل لهذه المهن، لذا فالطرح القائل بأن عوالم التواصل ليست سوى عوالم افتراضية هو طرحٌ صادق بنسبةٍ كبيرة، لكن هذه الافتراضية تختفي وتتلاشى حين يصبح التواصل بين صديقين يَعرِف كلٌ منهما الآخر – في الواقع – معرفة حقيقية.

في الوقت ذاته لا ننكر وجود قامات فكرية وأدبية وطبية على هذه المواقع، تنشر ما تراه حديثًا وحداثيًا بُغية إفادة الآخرين بخبراتهم في مجالات تخصصاتهم.

تلك المواقع لها ما لها من إيجابيات، وعليها ما عليها من سلبيات، ولا ينبغي رفضها بكل ما فيها، ولا قبول كل ما يُنْشَر عليها؛ الأمر – إذن – يحتاج إلى تدقيق وتمحيص ودراسة الطروحات قبل الجزم بصدقها أو زيفها.

وإذا انتقلنا إلى "التحوِّل الرقمي" نجد فيه أهمية قصوى، حيث أصبح هذا التحول على نطاق الجامعة يتيح الاطلاع على الرسائل الأكاديمية (ماجستير ودكتوراه)، وتحميلها لقراءتها ودراستها كاملةً.

وفي مجال الثقافة أصبح الإنترنت – بتطبيقاته – يساعد المؤسسة الثقافية في الإعلان عن كافة الأنشطة والأمسيات والمسابقات، وتتلقى – بواسطة الإيميل – الكتب التي يريد الأدباء والمفكرون نشرها وحفظها إلكترونيًا.

وفي وقتنا الراهن صارت لكثير من المجلات والجرائد الورقية مواقع على جوجل، يستطيع الفرد – باستخدام محرك البحث - الوصول إلى هذه الإصدارات بسهولة ويسر، ويمكنه – أيضًا – تلقي الأخبار الحصرية – أولًا بأول – قبل نشرها بالصحف.

وفي مجال الفن يلعب النت دورًا رئيسًا في هذه المسألة؛ فباستطاعة أي شخص الوصول إلى أي فيلم سينمائي أو مسرحية مسجلة أو أي برنامج تلفازي خلال ثوانٍ معدودة.

وكذلك يمكن الوصول إلى كافة المعلومات عن الفنانين وسيرتهم وتواريخ نتاجهم بالاطلاع على البوابات الإلكترونية الموثوقة.

ونأتي لأخطر ما أسفرت عنه الشبكة العنكبوتية، والمتمثل فيما يُسمى بـــ "الذكاء الاصطناعي" كخصائص تتسم بها البرامج الحاسوبية، بحيث تجعلها تحاكي قدرات البشر الذهنية.

فقد رأينا لوحات فنية باستخدام هذا الذكاء، كما قرأنا نصوصًا أدبية ومقالاتٍ صحفية من إنتاجه، وهو – بذلك يلغي مَلَكَة الابتكار لدى الكثير من الأفراد، ويسهم في الإعلاء من شأن الاحتيال والتزييف.

إنه – في هذا الأمر – يشجع على موت المواهب، ويشُل حركة الفِكر والتفكير لدى بعض الباحثين والدارسين ممن يستسهلون الاستعانة هذا الذكاء.

لكن الأخطر باعتقادي حين يُستعان به في الأغراض العسكرية، وهو ما يحدث بالفعل، بل ويتم تطويره بشكلٍ متسارعٍ ومتلاحق، الأمر الذي جعل عددًا من العلماء والباحثين يحذرون من ذلك؛ فقد صرح عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينج عام 2014 بأن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لنهاية الجنس البشري.

وأعرب رجل الأعمال والمبرمج الأمريكي بيل جيتس عام 2015 عن رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حدٍ ما، وأضاف قائلًا: أنا في معسكر مَنْ يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق.

ولنا أن نتصور مدى خطورة هذا الأمر إذا أدركنا أن تلك الروبوتات لا تفرق بين الأهداف العسكرية والمدنية، وهذا في حد ذاته يُعَد كارثةً أخلاقية.

وتصبح المسألة شديدة التعقيد حين تستخدم الجماعات الإرهابية الذكاء الاصطناعي ضد مؤسسات الدول التي يعيشون فيها من خلال طائرات مسيرة تهاجم بعض المواقع الأمنية وارتكازاتها، أو من خلال الاستعانة ببرامج تخترق البيانات الحساسة لهذه الدول.

نعود فنقول إن الذكاء الاصطناعي شأنه شأن كل تطورٍ حضاري؛ فهو سلاح ذو حدين يمكن استخدامه لخدمة الإنسانية، كما يمكن استعماله لفناء البشرية خاصةً إذا تم دمجه بالنووي أو الكيماوي.

لابد أن نسلِّم بأننا نعيش أصعبَ فتراتٍ في التاريخ، وأننا نواجه مأزقًا حقيقيًا صنعناه بأيدينا، وأن الأنفس غير السوية لدى الكثيرين – على كوكبنا هذا – تسهم كثيرًا في تأجيج الوضع والوصول به إلى حافة السقوط أو الانفجار، الأمر الذي يهدد بقاء جنسنا البشري على هذه البسيطة.