الجمعة 19 يوليو 2024

عظماء مصر| «إخناتون».. ملك التوحيد

إخناتون

ثقافة18-7-2024 | 17:48

همت مصطفى

لكل تاريخ صناعه، خلفوا من ورائهم  حضارات أنشأها عظماء، ولتاريخنا العريق ولحضارتنا المصرية صدى  وصل إلى العالم كله، أسسها وبناها ملوك مصر منذ العصور القديمة، وحتى ما نشهده بعصرنا الحالي، و لايزال ينعم  الشعب المصري، وأبناء مصر حتى يومنا هذا بتاريخنا المجيد  وحضارتنا التي لامثيل لها أبدا.

ومن خلال بوابة دار الهلال نستعرض في سلسلة «عظماء مصر» أشهر من صنعوا التاريخ المصري،  وحكموا مصر واليوم نلتقي مع امنحوتب الرابع «إخناتون» 

حكمَ  الملك المصري «إخناتون» مصرَ القديمةَ لمدّةِ  14 عاما بينَ عامَي 1352ق.م-1338ق.م؛ وبداية كان اسمه وكانَ  آنذاك «أمونحوتب الرابع» حيث تولّى الحكمَ بعد والدِه «أمونحوتبَ الثالثِ»، وعُرِفت الفترةُ التي حكمَ فيها باسمِ «العمارنة»، وامتدّت مرحلةُ العمارنةِ لتشملَ حُكمَ  الملك «سمنخارَ»، و«توت عنخ آمون».

بدء الحكم من طيبة

وبدايةُ حكمِ «إخناتون» فقد كانت في مدينةِ طيبةَ، ثمّ انتقلَ منها ليتّخذَ لنفسِه عاصمةً في مدينةٍ تُدعى «أخيتاتن» ويعني هذا الاسم في اللغةِ المصريّةِ القديمةِ: «أفقَ قرصِ الشمسِ، وهيَ منطقةٌ واقعةٌ على طولِ الساحلِ الشرقيِّ لنهرِ النيل،  وكان إخناتون» حرص على بنائها، وتجهيزِها بسرعةٍ باستخدامِ كُتلٍ حجريّةٍ صغيرةٍ نسبيّاً يسهُل رفعُها.

 

وكان «إخناتون»  غير معروف في التاريخ حتى اكتشاف «تل العمرانة»، أو «أخيتاتون» والذي  اكتُشف في المدينةِ عامَ 1887م وتم اكتشاف رسائلُ وصلَ عددُها إلى 350 رسالةً سُمِّيت «رسائل العمارنة»؛ و مثلت مُراسلاتٌ دبلوماسيّةٌ بين «إخناتون»، والملوكِ في غربِ آسيا؛ و ظهرَت في تلكَ الفترةِ إمبراطوريّةُ «الحثيّين»  والتي تمثل في تركيا حاليّا، وخاضت حروبا ضدَ حلفاءِ المصريين القدماء، وحاولت إيجاد الاضطراباتِ، وعدمِ الاستقرارِ في منطقةِ سوريا، وحاولَ الملوكُ ردعَهم بتوجيه حملاتٍ عسكريّةٍ نحوهم، و يذكر أن« إخناتون» تُوفِّيَ في ظروفٍ غامضةٍ، وخلفَه في الحكمِ «توت عنخ آمون» الذي يُعتقَد بأنّه كانَ ابنَه، وبعدَ بضعِ سنين هُجِرت عاصمتُه «أخيتاتن».

ثورة التوحيد 

و اشتهر «إخناتون» بالتخلي عن الدين التقليدي في مصر وإدخال الديانة الآتونية، أو العبادة التي تتمحور حول آتون،التي توصف أحيانًا بأنها ديانة توحيدية أو هينوثية،  ويُعَدّ أخناتون أوّلَ من وضعَ ديناً مُحدَّثاً يُوحّدُ الطقوسَ نحو جهةٍ واحدةٍ؛ فقد أسَّسَ في فترةِ حكمِه عبادةً تعتمد على تقديسِ الإله «آتون»، والذي كانَ يُصوَّرُ على أنّه قرصُ الشمسِ؛ فقد ظهرَت في بعضِ الآثارِ القديمةِ نقوشٌ تُصوّرُ الإله آتون على أنّه قرصُ شمسٍ في السماءِ يمدّ أشعّةً منه نحو الأسفلِ لتصلَ إلى العائلةَ الملكيّةَ

 

وكرّسَ «إخناتون» جهودَه على العبادةِ الجديدةِ، مؤكدا عقيدة التوحيد متمؤدا على من سبقوه، في هذا الاتجاه فبنى العديد من المعابدِ الجديدةِ المُخصَّصةِ لعبادةِ الإلهِ «آتون»، مثل: المعابدِ في الكرنكِ، وتلّ العمارنةِ، كما قُدِّمت أعدادٌ كبيرةٌ من طاولاتِ القرابينِ؛ للاحتفالِ بالإله آتون، ولم يكتفِ بتقديسِ إلهه الجديدِ، بل دنَّس الآثارِ التي تحملُ صورةَ، أو اسمَ الإلهِ السابقِ «».

 

الفن  الجديد في عهد «إخناتون»

اتَّخذَ الفنُّ في فترةِ حكمِ  «إخناتون»  سمات جديدة ومغايرة  عن الفترةِ السابقةِ؛  حيث صُوِّرت العائلةُ الملكيّةُ بأجسادٍ ذاتِ رقابٍ ممدودةٍ، وأذرعٍ، وأرجلٍ طويلةٍ، ونحيلةٍ، ومن أشهرِها الصورةُ المنحوتةُ التي تُبيِّن «إخناتون» ، وزوجتَه نفرتيتي، والأطفالَ يلمسون الأشعّةَ القادمةَ من الإلهِ آتون، وقد فُسِّرت هذه الصورةُ عبرَ عدّةِ نظريّاتٍ؛ إحداها وضّحَت أنّ الهدفَ من الاستطالةِ هو إظهارُ التحوُّلاتِ التي تحدثُ للبشرِ عندَ ملامستِهم لأشعّةِ آتون التي تحملُ القوّةَ، أمّا التفسيرُ الثاني فيذكرُ أنّ العائلةَ الملكيّةَ كانت تعاني من اضطرابٍ وراثيٍّ يُدعى مُتلازمة« مارفان»

صور جديدة ومغايرة

واختلفَت الصُّور في فترةِ «العمارنةِ»؛ لكونِها تُظهر العائلةَ الملكيّةَ في صورٍ مغايرة، بينما كانت صُوَرُ الفراعنةِ من قبلُ صوراً شخصيّةً يظهرُ فيها  المصري القديم وهو يمارسُ نشاطَ الصَّيدِ، أو يظهرُ كمحاربٍ في المعاركِ، أو يقفُ بصحبةِ إلهه، أو ملكتِه في مشاهدَ مهيبةٍ.

تحليل البصمة الوراثية

واستمر البحث عن مقبرة الملك إخناتون منذ العثور على أولى مقابر وادي الملوك في القرن الـ19 وفي القرن العشرين دون الوصول إلى نتائج واضحة وحاسمة، حتى بدأت الدراسات التي أجراها المجلس الأعلى للآثار وجامعة القاهرة على المومياوات، وأعلن في فبراير 2010م أن الفريق قد اكتشف عبر تحليل البصمة الوراثية وتحليل الجينات أن «مومياء في المقبرة 55 في وادي الملوك هي مومياء والد الملك الذهبي «توت عنخ آمون»، وكان يعتقد أن المومياء تعود لرجل توفي بين سن 20 و25 عاماً، إلا أنه تبين من نتيجة الأبحاث أنه توفي بين سن 45 و50 عاما، وهو ابن لأمنحتب الثالث والملكة تيي، مما يشير إلى أنه هو نفسه إخناتون»

 

و بينت فحوصات المجلس الأعلى للآثار في مصر أنه من المرجح أن يكون «توت عنخ آمون» ابن «إخناتون» من زوجته الثانوية التي كانت تدعى «كيا»، . وقد أعلن المجلس الأعلى للآثار المصرية في شهر أبريل عام 2010م أنه بناء على اختبارات الحمض النووي المعروف اختصاراً ب الدنا تبين أن توت عنخ آمون هو ابن الملك أخناتون.