الأربعاء 7 اغسطس 2024

سميحة أيوب.. الطالبة في معهد فن التمثيل العربي


سيد علي إسماعيل

مقالات5-8-2024 | 15:23

سيد علي إسماعيل

تحتفل مصر هذه الأيام بالفنانة القديرة «سميحة أيوب» بوصفها شخصية «المهرجان القومي للمسرح المصري» في دورته السابعة عشرة. وبهذه المناسبة أكتب موضوعي هذا وفقاً لمنهجي، حيث إنه موضوع جديد لم يُكتب من قبل .. مع علمي بأن «سميحة أيوب» نشرت مذكراتها عام 2017، ولكنها لم تؤرخ – أو توثق - فترة دراستها في المعهد بالصورة المكتوبة في هذا المقال .. وبناءً على ذلك، أقول:
في مايو 1944 تم افتتاح «معهد فن التمثيل العربي» التابع لوزارة الشئون الاجتماعية، تحت إدارة «زكي طليمات»، ومقرّه «مدرسة الدواوين الثانوية» بشارع نوبار باشا. وقد التحقت الطالبة «سميرة عثمان أحمد أيوب» الشهيرة باسم «سميحة أيوب» بالدفعة الثانية بالمعهد، وكانت لجنة امتحان القبول متكونة من: زكي طليمات، والدكتور محمد صلاح الدين بك، ويوسف وهبي، ومظهر سعيد، وحسين رياض، وفتوح نشاطي، ونجيب الريحاني - الذي اعتذر - ولم يحضر.

ونشرت مجلة «الصباح» أسماء المقبولين، هكذا: "«طالبات نظاميات»: ثريا زكي، زينب محمد قنديل، عنايات فهمي، فوزية علي إبراهيم، ابتسام محمد، عائشة حمدي، ناهد سمير، نادرة شكري.

و«طالبات مستمعات»: فاتن حمامة، نوال حامد الجمل، سميحة أيوب.

و«طلبة نظاميون»: إبراهيم السيد، أحمد فؤاد عثمان، صلاح الدين سرحان، عبد العظيم السيد، عبد المنعم إبراهيم، عدلي عبد الحميد كاسب، علي الزرقاني، علي فهيم الغندور، كمال ياسين، محمد كمال الطوخي، محمود أحمد حسين، محمود عزمي، أحمد حسين الجزيري، إبراهيم أحمد سكر، محمود همام الهاشمي.

و«طلبة مستمعون»: أحمد مصطفى المصري، عبد المنعم مدبولي، مختار سالم الصبري، لطفي إبراهيم".

ونصح زكي طليمات الناجحات - ومنهن سميحة أيوب - قائلاً لهن: "إني إذ أهنئكن، أهنئ نفسي بكن. على أنني أوجه أنظاركن من الآن إلى أن الوسط الذي سوف تندمجن فيه بعد التخرج، كله مزالق وأشواك، وهو يحتاج منكن إلى حذر وحرص شديدين" .. هكذا نشرت مجلة «الصباح».
وأمام تزايد الإقبال على المعهد، ونجاحه في استمرار وجوده للعام الثاني، قررت الوزارة جعله معهداً عالياً؛ حيث كان اسمه - طوال عامه الأول - «معهد فن التمثيل العربي»، فأصبح الآن اسمه «المعهد العالي لفن التمثيل العربي» نظراً لأن الدراسة التي ستجري فيه، تُعدّ دراسة عالية؛ ولأن أكثرية طلابه يحملون الشهادات التي تؤهلهم للدراسة العالية.

كما جعلت الوزارة مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات بدلاً من سنتين! لذلك انتدبت «أمين الخولي» لتدريس الأدب العربي مع الدكتور «زكي مبارك»، وسمحت للطلبة بتلقي دروس التمثيل العملية على مسرح حديقة الأزبكية مرة في الأسبوع، وجعل مادة «تاريخ الفنون الجميلة» أساسية لطلبة السنة الثانية، وتنظيم محاضرات دورية عامة في أدب المسرح وفنونه تُلقى مرة في كل شهر من محطة الإذاعة.
وبناء على زيادة سنوات الدراسة، وتعديل مسمى المعهد ليصبح عالياً، تم تعديل المنهج الدراسي – الذي طُبق على الطالبة «سميحة أيوب» وزملائها - وبالأخص في توصيف مواد التمثيل وعدد ساعاتها، ومنها مادة «الإلقاء» 6 ساعات، ومادة «فن المسرح» ساعة واحدة، ومادة «أدب المسرح» ساعة واحدة، ومادة «فن الأداء التمثيلي» أربع ساعات، ليصبح مجموعة الساعات 12 اثنتي عشرة ساعة.

والهدف من مادتي «الإلقاء والأداء التمثيلي» "تدريب الطلبة على وسائل الإلقاء والتأدية بما يتبعهما من تعويد النطق في فصاحة وإحكام ومراعاة أصول التنفس وإقرار الصوت، والتنغيم الموسيقي، ودراسة عناصر الإلقاء بما تشتمل عليه من الترتيل والتجويد والتسميع والتلاوة والخطابة والمناظرة والمساجلة والارتجال. وفي مادة «فن المسرح وآدابه» يدرس الطلبة شيئاً عن الأزياء وطرز الأثاث والإضاءة والمكياج، ويوجهون إلى مرآة التمثيليات التاريخية وخاصة اليونانية «مثيولوجيا»". كما وافقت اللجنة العليا المشرفة على المعهد بالسماح للطلبة بالتردد على دار الأوبرا ومشاهدة كل مسرحية تمثل فيها بالمجان، وكذلك مشاهدة المسارح الأخرى ودور السينما بأجور مخفضة، وزيارة المتاحف والمشاهد الأثرية مجاناً.

بهذا التطوير في المناهج ليصبح المعهد عالياً، أصدر المسئولون عنه أول برنامج تمثيلي رسمي في شكل كُتيب صغير - والمعروف باسم «بمفلت» - شمل أموراً توثيقية وفنية وإحصائية عديدة! ولأن البمفلت صدر بمناسبة قيام طلاب المعهد – ومنهم «سميحة أيوب» - بالتمثيل لأول مرة على خشبة دار الأوبرا الملكية، قام زكي طليمات بنشر كلمة عنوانها «للتاريخ»، قال فيها: "يتشرف طلبة المعهد العالي لفن التمثيل العربي، ويزهون بأن يقفوا لأول مرة على مسرح هذه الدار، دار الأوبرا الملكية، مقدمين إلى الجمهور أولى حفلاتهم التمثيلية، ولم يمض على إنشاء المعهد واضطلاعهم بالدراسة فيه عامان دراسيان".

كلمة زكي طليمات كانت تمهيداً للحديث عن السبب الرئيسي لنشر هذا البمفلت، وهو الإعلان عن أول برنامج تمثيلي رسمي لطلاب المعهد - على خشبة دار الأوبرا الملكية - أمام المسئولين في الوزارة، مما يعني أنه امتحان للطلاب وإدارة المعهد أمام المسئولين، والذي تمثل في إقامة حفلتين مسرحيتين: الأولى مسرحية «الجلف» لتشيكوف ترجمة زكي طليمات، والأخرى «البخيل» لموليير ترجمة محمد مسعود، من إخراج زكي طليمات، وقد مثلت فيها «سميحة أيوب» دور «الآنسة ماريان» بجانب كل من: فاتن حمامة، شكري سرحان، عمر الحريري، نبيل الألفي، سعيد أبو بكر، صلاح منصور، نعيمة وصفي، فوزية إبراهيم، أحمد الجزيري، عبد المنعم إبراهيم، علي الزرقاني، أكرم ميداني، زكريا سليمان.

بعد انتهاء البرنامج التمثيلي الأول، انتقلت تبعية المعهد من وزارة الشئون الاجتماعية إلى وزارة المعارف، وجاء شهر يوليو 1946، وأدى طلاب المعهد امتحاناتهم، ونشرت الصحف بعض أسئلة الامتحانات – التي أجابت على بعضها «سميحة أيوب» - ومنها: في مادة «تاريخ الأدب المسرحي» .. طلبت إليك إحدى المجلات لمناسبة زيارة الفرقة الإنجليزية لمصر أن توافيها ببحث عن شخصية «هملت»، وسألتك أن تقدم لبحثك بمقدمة موجزة عن موضوع المأساة، وأن تستعرض بعد ذلك الآراء المتناقضة في شخصية بطلها على أن ترجح آخر الأمر بين هذه الآراء، فماذا عساك فاعل؟ «سؤال آخر»: أجر موازنة بين فني كل من شكسبير وراسين، ضارباً لأمثلة.

أما أسئلة مادة «النقد»، فمنها: لا شك في أنك حضرت التمثيل في المسارح العربية وشاهدت طرفاً من مؤلفات الكُتّاب المصريين في المسرحية، حدد مواطن الضعف في هذا التأليف المسرحي وأرجع أسباب الضعف إلى العوامل. «سؤال آخر»: صف طريقة شكسبير في خلق الشخصية المسرحية ومثّل لما تقول من مسرحية ماكبث.
ولأنه عام دراسي تاريخي؛ كونه عام الاستقرار والتثبيت بالنسبة للمعهد، الذي أصبح عالياً وتابعاً لوزارة المعارف! كل هذا جعل إدارة المعهد تخصص موسماً ثقافياً شاركت فيه «سميحة أيوب» مع زملائها، وتمثل في: إقامة حفلة شاي في يناير 1946 لتكريم أعضاء فرقة الكوميدي فرانسيز التي زارت مصر وعرضت مسرحياتها في الأوبرا. وكانت الحفلة في مقرّ المعهد، حيث قدم الطلبة مشاهد تمثيلية من مسرحيات «موليير، وكورني، وشكسبير» ومقطوعات شعرية من الشاعر أحمد شوقي والشاعر الفرنسى لافونتين. كما اشترك طلبة المعهد في الاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق، وذلك في قصر الأميرة شويكار، إذ قدموا مسرحيتين صغيرتين، الأولى «مدينة الجامعة» وهي لسعادة عزيز أباظة باشا، والأخرى «القهوة البلدي» من وضع الأستاذ بيرم التونسي، وقد تفضل الملك فشمل الطلبة بعطفه إذ كلف مدير المعهد بأن يحمل إليهم رضاءه السامي وإعجابه. كما أن سمو الأميرة تكرمت فوقفت للمعهد مكافأة سنوية قدرها ثلاثمائة جنيه في العام توزع بين النابهين والنابهات بقسمي المعهد. أما حفلة مساعدة جمعية الإسعاف بطنطا، فقد أقامها المعهد في مسرح البلدية بطنطا في أبريل 1946 وقدم المسرحيتين السابقتين مع أخرى من نظم عزيز أباظة. وحفلة الاتحاد المصري الإنجليزي، التي أقيمت في أبريل 1946 أيضاً، قدم فيها الطلبة مشاهد تمثيلية من مسرحيات «ترويض النمرة، ومكبث، ويوليوس قيصر، وعطيل». 
وفي ديسمبر 1946 قدم عميد المعهد زكي طليمات - بوصفه المدير الفني للفرقة المصرية – اقتراحاً بقيام «سميحة أيوب» الطالبة في المعهد بالدور النسائي الأول في مسرحية «العشرة الطيبة»؛ حيث إن ميزانية المسرحية لا تتحمل الاتفاق مع إحدى المطربات! ولكن التاريخ يقول إن هذه المسرحية، قامت ببطولتها المطربة «شهرزاد»، وهذا يعني أن اقتراح طليمات تمّ رفضه، لأنه يخالف لائحة المعهد، التي تنص على أن الطلبة والطالبات لا ينخرطون في سلك الاحتراف قبل الانتهاء من دراسة المعهد، حتى يأخذوا نصيبهم الكامل من الثقافة الفنية!
لم يأت اختيار سميحة للبطولة من فراغ!! فقد كانت نجمة، لذلك أهملت المعهد والدراسة، واتجهت إلى الأعمال الإذاعية والسينمائية بوصفها نجمة مرموقة، حيث كان من المقرر أن تتخرج من المعهد في دفعة 1948، ولكنها حتى عام 1950 كانت مازالت طالبة!! ومن الطرائف التي نشرتها مجلة «الكواكب» عن أسباب هذا التأخر، قولها: فوجئت سميحة أيوب بإنذار تسلمته في مسكنها – 77 شارع روض الفرج – يطلب منها موافاة المعهد خلال ثلاثة أيام بأسباب تغيبها وإلا فسينظر في أمر فصلها. ووقع هذا الإنذار كالصاعقة على رأس سميحة واضطرتها ظروفها إلى عدم مواصلة الدراسة بالمعهد حتى عام 1950 بعد أن وصلت إلى السنة الثالثة، فقدمت التماساً بإعادتها إلى السنة الثالثة بالمعهد مرة أخرى، وجاء في التماسها "مع استعدادي لتأدية امتحان في مادة الإلقاء والتمثيل حتى يتضح لعزتكم بأنني لازلت على مستوى فني يؤهلني بأن أكون بين طالبات المعهد بالسنة المذكورة.
 وكتب زكي طليمات على هذا الالتماس: "إن الطالبة المذكورة كانت من خيرة الطالبات مواظبة على الحضور ومحافظة على النظام ومن أوفرهن استعداداً لتلقي دراسة التمثيل، هذا وقد أجريت امتحانها في مادة التمثيل فوجدتها لائقة بالسنة الثالثة التي كانت بها باعتبار أنها عنصر نافع قد يفيد منه المسرح المصري الذي يفتقر كل الافتقار إلى العنصر النسوي". 
وبذلك عادت سميحة للدراسة في المعهد. وبدلاً من إنهاء الدراسة وجدناها نجمة في أول فرقة مسرحية كونها زكي طليمات من خريجي المعهد وطلابه، وهي «فرقة المسرح المصري الحديث»، التي مثلت سميحة في أغلب عروضها – بوصفها طالبة في المعهد – ومن هذه العروض: مريض الوهم، في خدمة الملكة، المتحذلقات، بنت الجيران، حورية من المريخ، بيت الطاعة، مسمار جحا، كسبنا البريمو، مريض الوهم، كدب في كدب.

وهذا النشاط الكبير أثر سلباً على مسيرة سميحة التعليمية، وقد نشر ناقد مجلة «الفن» في صيف 1951 كلمة بهذا الخصوص، قال فيها: "من الطريف أن ممثلات المسرح الحديث وهن سناء جميل، وانشراح الألفي، وسميحة أيوب قد رسبن في الامتحان ولديهن دور ثانٍ! فسناء جميل لها دور ثانٍ في اللغة العربية وعلم النفس، وانشراح الألفي لها دور ثانٍ في أدب المسرح، وسميحة أيوب لها دور ثانٍ في علم النفس.

فهل يعود هذا الرسوب إلى انشغالهن في فرقة المسرح الحديث وفي الأفلام؟".
وفي عام 1952 تخرجت الطالبة «سميحة أيوب» من المعهد، وخرج معها أستاذها وعميد المعهد «زكي طليمات»، حيث كان هذا العام آخر أعوام عمادته!! ونقل لنا مندوب مجلة «الفن»، تفاصيل امتحان التمثيل لسميحة ودفعتها، قائلاً: "كان امتحان طلبة دبلوم معهد التمثيل بدار الأوبرا الملكية، أو امتحان أربع فتيات وستة شبان، وتخلفت السيدة «روحية خالد» عن الامتحان لمرضها. وكانت اللجنة مكونة من الدكتور محمد صلاح الدين باشا، جورج أبيض، يوسف وهبي، سليمان نجيب، أحمد أحمد يوسف، زكي طليمات، مظهر سعيد، حسين رياض، فتوح نشاطي.

وتقدمت السيدة «سميرة أيوب» لتؤدي الامتحان. ولعلك لم تسمع عن هذا الاسم من قبل، ولكنك سمعت عن «سميحة أيوب» إحدى كواكب فرقة المسرح الحديث، وسميحة أيوب وسميرة أيوب هما شخص واحد. ومثلت سميحة أيوب دور كليوباترا، وكان من المفروض أن تقدم كذلك دور ليلى من مسرحية مجنون ليلى، ولكن الأستاذ زكي طليمات اقترح عليها أن تقدم دور سفروتة من مسرحية «كدب في كدب» وكانت فرصة لا تعوض فقد مثلت هذا الدور بنجاح أكثر من عشرين مرة! واستمر الامتحان، واللجنة تدون ملاحظاتها على المتقدمين. بقي أن نقول نحن ملاحظاتنا.

فقد كان الفارق بعيداً بين سميحة وبقية الممتحنين، فالأولى ممثلة عرفت المسرح وعركته لمدة سنتين. والبقية تلقوا دروسهم بين جدران المعهد. لقد استمع الممتحنون لمواهب تنقصها التجربة ولا يصقلها غير الظهور أمام الجمهور. أدى الجميع واجبهم وإن كان ينقصهم «تشبيع» إلقائهم بالإحساس، وملأ الفراغ الذي يكون بين العواطف المتباينة في الدور الذي يؤدونه. كانت غالبية المتقدمين تنقصهم المرونة، وأكثروا من حركات أيديهم، ونظن أن ذلك ممكن ملافاته.

ومن المنتظر أن يلمع من بين الطلبة الذين لمسنا فيهم استعداداً طيباً عبد العزيز أبو الليل، وأنور السيد".

وفي أوائل يوليو، نشرت مجلة «الصباح» أسماء الناجحين من الدفعة الخامسة «دفعة سميحة أيوب» في قسم الإلقاء والتمثيل، وهم: سميرة عثمان أحمد أيوب [سميحة أيوب]، عبد العزيز أبو الليل، حسين محمد حسين جمعة، قدرية عبد القادر أحمد، نجاح محمد علي الشامي، هدى عيسى أحمد، السيد عبد الخالق السيد زيد، أنور السيد وهبه، أنور محمد محمد، كمال الدين محمد عيد.