الجمعة 7 يونيو 2024

أسياد وعبيد!

15-1-2017 | 10:55

لم نفق من كوميديا حرمان الصعايدة من دخول «إعلام القاهرة»، وقصر كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة على طلاب القاهرة الكبرى والقناة فقط، إلا وفوجئنا بقرار تمييزى آخر من وزير التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات، باستثناء أبناء القضاة والضباط من قواعد التوزيع الجغرافي في الالتحاق بالجامعات، وهو قرار غريب يضع تلك الفئات وأبنائها فوق القانون ويدمر قواعد المساواة بين المواطنين.

ورغم خروج تظاهرات طلابية؛ اعتراضا على هذا التمييز الفج إلا أن وزير التعليم العالي سيد عبدالخالق يجادل ويسوق مبررات واهية ومطاطة من نوعية الأمن القومى وتكريم أبناء الشهداء، وهو حق يريد به الوزير باطلا.

الوزير بهذه القرارات يغذى الفتنة، ويقنن التمييز، ويؤجج الصراعات داخل المجتمع، بين صعيدى وقاهري، وبين ابن ضابط وابن مواطن عادي. عبدالخالق يدمر أيقونة «الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة” التي ظهرت في ثورة ٣٠ يونيه، يفتئت على حق الطالب المتفوق دخول كليتى الإعلام والاقتصاد في جامعة القاهرة بدعوى التوزيع الجغرافي، بينما يحلل التوزيع الجغرافي لأبناء القضاة والضباط.

قرار عبدالخالق يضرب بالدستور عرض الحائط، فالدستور نص على المساواة بين كل أبناء الشعب فى الحقوق والواجبات، فكيف أفرق بين أبناء العاصمة والأقاليم بهذا القرار الذى لا يليق بمصر، كما أنه قرار غير منطقي، فلا توجد دولة فى العالم تحرم طلاب الأقاليم من الدراسة فى جامعات العاصمة.

قولا واحداً.. من حق الطالب المتفوق الالتحاق بالكلية التى يرغب بها، وليس من حق المجلس الأعلى للجامعات أن يتحول لسلطة قاهرة على الطلاب، وأداة لقتل أحلامهم، وزيادة الفجوة بين السلطة الحالية والشباب، فنحن بحاجة لقرارات تعيد الثقة بين الطرفين ولا تزيد الأزمة.

الغريب أن هذه القرارات صدرت بليل ولم تتم مناقشتها مناقشة عميقة، ولا طرحها للحوار المجتمعى مثلها مثل العديد من القوانين التي صدرت في الفترة الأخيرة وآخرها قانون الخدمة المدنية، وحتى لم يتم استطلاع رأى المختصين فيها، مثل الدكتورة هالة السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة التي أعلنت أنها تفاجأت بقرار الوزير الخاص بتطبيق التوزيع الجغرافي على الكلية.

ما يثير الشفقة أنه حتى في أيام المخلوع مبارك الذى قامت عليه ثورة يناير، لم نرَ هذا التمييز في دخول الجامعات، وكان فتح أبواب هاتين الكليتين - اقتصاد وإعلام- أمام جميع المصريين دون تمييز، على أساس المجموع فقط، بغض النظر عن المحافظة التى ينتمى إليها الطالب، كما لم يصدر من قبل قرار مشابه باستثناء أبناء الضباط والقضاة من التوزيع الجغرافي.

انتقلنا من مرحلة «ابن الزبال لا يلتحق بسلك القضاة» إلى “اللي مش قاهري ميدخلش كليات القمة، واللي أبوه مش ظابط ولا قاضى مش من حقه يحول لكلية قريبة منه”.

وحسناً فعل المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء الذي تدخل وأجبر وزير التعليم العالي على تجميد التفويض الذي حصل عليه من المجلس الاعلى للجامعات والذي يمنح الوزير استثناءات من قواعد التوزيع الجغرافي عند التحويل بين الكليات ، وذلك لأن هذا القرار لا يضر فقط بالتعليم والجامعة، وإنما أيضا بالمجتمع والدولة، وتجعل لأهل القاهرة وأبناء الضباط والقضاة مزايا جديدة إضافة إلى المزايا التى يتمتعون بها، مقارنة بالأقاليم وأبناء المواطنين الآخرين.

لا بديل عن إسقاط كل أنواع التمييز إذا كنا نريد أن نبني دولة لكل أبنائها على قدم المساواة، وإن كنا جادين في تطبيق العدالة الاجتماعية التي يتم إهدارها كل يوم تحت أقدام المسئولين.

كتب : محمد حبيب