الإثنين 17 يونيو 2024

اليوم .. الأزهر يصدر إعلان العيش الإسلامى المسيحى المشترك

1-3-2017 | 11:40

تقرير يكتبه: طه فرغلى

المواطنةَ – فى الإسلام - حقوقُ وواجبات ينعمُ في ظلالها الجميع، وفق أُسسٍ ومعاييرَ تُحقِّق العدلَ والمساواةَ: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ «لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فالمواطن المسلم في بريطانيا - مثلًا - هو مواطن بريطانى مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، وكذلك المسيحىُّ المصري هو مواطن مصرى مواطنة كاملة فى الحقوق والواجبات

 

فى خطوة مهمة وفى إطار ما تشهده المنطقة من أزمات طائفية متلاحقة، يصدر مجلس حكماء المسلمين والأزهر الشريف -اليوم الأربعاء- «إعلانِ الأزهرِ للعَيْشِ الإسلاميِّ المسيحيِّ المشترَكِ»، الذى يَقتَضِي العيشَ سويًّا في ظلِّ المواطَنة والحريَّة والمشارَكة والتنوع وهي الرسالةُ التي يُوجِّهُها الأزهرُ ومجلسُ حكماءُ المسلمين، ورؤساء الكنائس الشرقية وكذلك عُلَماءُ الدِّينِ ورجالُه، وأهلُ الرأيِ والخِبرةِ والمسؤوليَّةِ إلى الشُّعوبِ كافة وصُنَّاع القَرارِ فيها.

ويأتى إعلان الأزهر فى إطار المؤتمر الدولى لمجلس حكماء المسلمين والأزهر الشريف، والذى بدأت فعالياته أمس الثلاثاء تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وعقد تحت عنوان «الحرية والمواطنة .. التنوع والتكامل»، بمشاركة وفود من أكثر من ٥٠ دولة وسط حضور واهتمام عربي ودولي كبير.

وشارك فى المؤتمر، الذي ترأسه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، قداسة البابا تواضروس الثاني ورؤساء الكنائس الشرقية وعلماءُ ورجالُ دِينٍ ومُفكِّرون ومُثقَّفون وأهلُ رأيٍ ومعرفةٍ وخِبرةٍ من المسلمين والمسيحيِّين، ووُجَهاؤُهم وشَخصياتُهم المدَنيَّةُ؛ وتداولوا في قضايا المواطنةِ والحريَّاتِ والتنوُّعِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ .

كما ناقش المؤتمرُ أيضا الأبعادَ المشرقيَّة والعالميَّة للتجربة العربيَّة الإسلاميَّةِ والمسيحيَّةِ في العَيْشِ المشترَكِ والمُتنوِّعِ، وقضايا هذا العَيْشِ ومُشكِلاته وتحدياته؛ وذلك للنظرِ في الإمكانيَّاتِ المتجدِّدةِ للحاضِرِ والمستقبَلِ، والعملِ مَعًا على التفكيرِ بعقدٍ توافقيٍّ جامعٍ ومُتَكافِئٍ يَتَمتَّعُ بمُقتَضاه الجميعُ بالحريَّةِ والمسؤوليَّةِ والانتماءِ الحُرِّ ، والحقوقِ الأساسيَّة، والرُّؤيةِ الواعدةِ للمُستقبلِ.

وكان شيخ الأزهر وقبيل انعقاد المؤتمر قد أكد أن مصطلحَ الأقلياتِ المسلمةِ وافدٌ على ثقافتنا الإسلامية، وقد تحاشاه الأزهرُ فى خطاباتِه، وفيما صدر عنه من وثائق وبيانات؛ لأنه مصطلحٌ يحمل فى طياته بذورَ الإحساسِ بالعزلةِ والدونيةِ، ويمهد الأرضَ لبذورِ الفتنِ والانشقاقِ، بل يصادر هذا المصطلح ابتداء على أية أقلية كثيرًا من استحقاقاتها الدينية والمدنية، وفيما أعلم فإن ثقافتَنا الإسلامية لا تعرفُ هذا المصطلحَ، بل تنكرُه وترفضُه، وتعرفُ بدلًا منه معنى المواطنةِ الكاملةِ كما هو مقرَّرُ فى وثيقة المدينة المنورة.

وقال « إن المواطنةَ – فى الإسلام - حقوقُ وواجبات ينعمُ في ظلالها الجميع، وفق أُسسٍ ومعاييرَ تُحقِّق العدلَ والمساواةَ: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، فالمواطن المسلم في بريطانيا - مثلًا - هو مواطن بريطانى مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، وكذلك المسيحىُّ المصري هو مواطن مصرى مواطنة كاملة فى الحقوق والواجبات، ولا محل مع هذه المواطنة الكاملة لأن يوصف أى منهما بالأقلية الموحية بالتمييز والاختلاف في معنى المواطنة.

وفى اعتقادي أن ترسيخَ فقهِ المواطنةِ بين المسلمين فى أوربا، وغيرها من المجتمعات المُتعَدِّدة الهويات والثقافات - خطوةٌ ضروريةُ على طريق «الاندماج الإيجابى» الذى دعونا إليه فى أكثرَ من عاصمة غربية، فهو الذى يحفظُ سلامة الوطن وتماسكه، ويرسِّخ تأصيل الانتماء الذى هو أساس الوحدة فى المجتمع، كما يَدْعم قبول التنوع الثقافى والتعايشِ السِّلْمى، ويقضى على مشاعر الاغتراب التى تؤدِّى إلى تشتُّت الولاء الوطنى، وتذبذب المغترب بين وطن يعيش على أرضه ويقتات من خيراته، وولاء آخر غريب يتوهمه ويحتمى به فرارًا من شعوره بأنه فردٌ فى أقليةِ مُهَدَّدةِ.

ولا مفرَ لنا فى ظل أنظمة الحكم المعاصرة من أن نعمل على ترسيخ فقهِ المواطنةِ فى عقولِ المسلمين وثقافاتِهم، فهو السدُ المنيعُ أمام الذرائع الاستعمارية التى دأبت على توظيف الأقليات فى الصراعات السياسية وأطماع الهيمنة والتوسُّع، وجعلت من مسألة «الأقليَّات» رأسَ حربةِ فى التجزئة والتفتيت اللتين يعتمد عليهما الاستعمار الجديد.

إن المفهوم الحقيقى للمواطنة لا يتوقفُ عند اختلافِ دينِ أو اختلافِ مذهبِ، فالكلُ متساوون في الحقوقِ والواجباتِ، والجميع سواسية أمام القانون فى الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن هذا الوطن ويتحملوا المسؤولية الكاملة»..