الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الخامس «الإرادة تحقق المستحيل» (6-6)

  • 26-10-2024 | 12:06

جرجي زيدان

طباعة
  • بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الخامس من هذه المذكرات القيمة، وهي كما يرى القارئ درس لشباب الجيل في العصامية، وقد وقف مؤسس الهلال في الفصل الرابع عند أمنيته وهو صغير في أن يصبح من أهل العلم، وفي هذا الفصل يروي كيف تحققت له هذه الأمنية.

الفصل الخامس: الإرادة تحقق المستحيل

وقد رأيت قبل كل شيء أنه لا بد لي من تلقي بعض الدروس الاعدادية في العلوم التي يجرى فيها امتحان القبول، وكان صديقي (المعلم اسكندر) عند حسن ظني الآن إذ أنجز ما وعدني به من إعطائي هذه الدروس.

وقد شعرت في الأسبوعين الأولين بصعوبات كثيرة كادت تثني عزمي، إذ أنني لم أكد أفهم شيئا من مصطلحات تلك العلوم، ولكني مع ذلك واصلت الدرس، فأخذ الأمر يسهل علي شيئا فشيئا، وكنت في سبيل ذلك أنتقل كل يوم من بيتنا في «الأشرفية» إلى مسكن «البارودي» في «رأس بيروت» غير عابيء باشتداد الحر بعد الظهر حينذاك، ولا بطول الطريق.. لأني لم أكن أبالي بالتعب في سبيل تحقيق أمنيتي.

ولم يمض الشهر الأول وبعض الشهر الثاني حتى كنت قد انتهيت من دراسة أكثر العلوم المطلوبة، بين دهشة معلمي وإعجابه، ثم أخذ يدرس لي فوق ما هو مطلوب من تلك العلوم، مثنيا على اجتهادي، في حين أنني لا أرى فيما قمت به شيئا غير عادي، ثم حدثني يوما بأن أحد الطلاب الثلاثة الذين درسوا تلك العلوم سنتين من قبل، ما زال يدرسها على بعض الأساتذة استعدادا مثلي للامتحان، ولكنه برغم ذلك كله لم يحصل منها على مثل ما حصلت، فشكرت له هذا الاطراء وأنا أحسبه مجاملة منه لي غير أنه أكد لي ذلك، والباني باسم ذلك الطالب وبأسماء بعض أساتذته وحاولت بعد الشهر الأول أن أعرف مقدار الأجر الذي أدفعه للمعلم اسكندر، ولكنه لم يشأ أن أحدثه في هذا الأمر حتى تنتهي مدة الدراسة، فلما انتهت ولم يبق إلا تقدمي للامتحان، أبى أن نتحدث في شأن الأجر.

حتى تظهر نتيجة الامتحان، فأكبرت فيه هذه الأريحية وأخيرا، دخلت الامتحان، وأعطاني الأساتذة إجازة القبول بمدرسة الطب، فسارعت إلى منزل معلمي والدنيا لا تكاد تسعني من الفرح، وكأنما كان ينتظر حضوري إذ وجدته واقفا خلف نافذة مطلة على باب الدار، وشدما كانت فرحته حينما علم بنجاحي في الامتحان.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة