عام مضى على بدء العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، التي تضع في مقدمة اعتباراتها القضاء على أي قدرة للفصائل الفلسطينية، التي قد تشكل تهديدًا لـ"تل أبيب" مستقبلًا، بما يمنع تكرار أي سيناريو مشابه لـ"عملية طوفان الأقصى"، التي قادتها حركة حماس في الـ7 من أكتوبر 2023، ورغم أن عام مضى، مارست إسرائيل خلاله حرب إبادة جماعية، هي الأبشع في تاريخنا المعاصر، ضد أهالي قطاع غزة، إلا أن أبنائه يواصلون الزود عنه حتى الرمق الأخير.
ولا تلبث إسرائيل أن تخرج من منطقة في قطاع غزة، معلنة القضاء على أي بؤرة للمقاومة، إلا عادت مرة أخرى تلملم أوراقها، متفاجئة بأن قدرات الفصائل لم تتأثر، وما زالت المعارك تسيير بنفس وتيرتها منذ عام، رغم إطباق القطاع على أهله.
عام مضى ولا زال جيش الاحتلال يروح يمينًا ويسارا، فمن "جباليا" شمالًا إلى "خان يونس" جنوبًا، مرورًا بوسط القطاع حيث "النصيرات"، انتهاءً إلى رفح حيث محور "فيلادلفيا"، تلك كانت جولته في غزة، التي باتت تتكر بشكل أسبوعي، وهناك من يطرح، هل باتت مخلفات الحرب الإسرائيلية إحدى أسلحة الفصائل الفلسطينية، فمرارًا شاهدناها تعيد تدوير تلك الأسلحة ضد جيش الاحتلال نفسه، في رسالة مفادها "بضاعتكم ردت إليكم"، ولكن لتقتلكم.
زكي الألفي: «الكمائن» السلاح الناجع لفصائل المقاومة ضد العدو
في غضون ذلك، يؤكد اللواء محمد زكي الألفي، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن فصائل المقاومة الفلسطينية عبارة عن "تنظيم" يقاتل بشكل "حرب العصابات"؛ حيث لا تتجمع بمنطقة واحدة، كالجيوش النظامية، بل يكون عملها على شكل مجموعات صغيرة في مواجهة هذا العدو.
ويأتي هذا بالإضافة إلى أن "الفصائل" تمتلك القدرة على القتال "تحت الأرض"، وذلك من خلال شبكة الأنفاق التي تمتلكها في مختلف أرجاء القطاع، وفي الوقت نفسه، تعطي لها القدرة على الخروج من أي منطقة في الوقت الذي تريده، بشكل يتفاجئ به العدو، بحسب ما يذكره "الألفي" في حديثه لـ"دار الهلال".
كما يوضح أن "الفصائل" تفعل نظام "الكمائن" ضد العدو، فضلًا عن أنها قادرة على صنع أنواع مختلفة من العبوات والذخائر، التي تصنع بشكل يدوي، وأنها تمتلك مخزونها من الأسلحة، لكنها في المقابل أغفلت الوقاية والتأمين لـ شعبها.
ويشدد الخبير العسكري والاستراتيجي، على أن معظم الأسلحة التي تمتلكها "الفصائل" هي إسرائيلية في الأصل، حيث تهرب بواسطة الإسرائيليون أنفسهم إلى القطاع، هذا بالإضافة إلى قدرة "الفصائل" على إعادة تدوير مخلفات الحرب الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال "من الممكن أن يفكك لغم أو غيره؛ ليحصل على العبوات التي بداخله، ويجعلها عبوة متفجرة".
ولفت إلى أن دخول العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، عامها الثاني؛ لا يعكس إلا أن السيناريو القائم هو "حرب استنزاف" ليس لـ إسرائيل فحسب، بل لكلا الطرفين، لكن للأولى بشكل خاص؛ لأنها استهلكت الكثير من مواردها، لا سيما اقتصادها.
المدن مقبرة الغزاة
ومن ناحية أخرى، يوضح اللواء أركان حرب الدكتور، سمير فرج، أن الفصائل الفلسطينية تقاتل قتال مدن في غزة، ما أعطى لها القدرة على الاستمرارية في القتال لمدة عام، ودائمًا يقال "المدن مقبرة الغزاة".
وأضاف "فرج" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن هذا النوع من القتال يقوم على مجموعات تقوم بقنص الدبابات، وهذا هو الحاصل اليوم، وشاهدناه في غضون الفترة الماضية.
وأشار إلى أن الفصائل الفلسطينية نجحت بالفعل في إعادة تدوير مخلفات الحرب الإسرائيلية، فأحيانًا يفر الجندي الإسرائيلي ويترك سلاحه وراءه، فلا شك أنهم استفادوا من تلك النقطة بشكل جيد.
ومضى موضحًا أن القتال الدائر لمدة عام أضعف بالفعل قدرات "الفصائل" بما في ذلك حركة حماس، مشيرًا في الوقت نفسه، إلى أن القتال قد يستمر لفترة طويلة على النحو الدائر في هذه الأثناء، أما في لبنان طبيعة الأرض جبلية، وهذا يجعل جيش الاحتلال عاجز عن الحركة هناك، ولم يحقق حتى الآن أي نجاح هناك، في مقابل ذلك، حزب الله على دارية بتلك الدروب جيدًا، وهذا يعطي له الأفضلية، بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي، الذي أشار إلى أن تلك العملية التي تشنها إسرائيل في جنوبي لبنان لن تكون نزهة لها.
وكشف أن إسرائيل تستهدف من وراء عمليتها تلك السيطرة على الجزء الجنوبي من لبنان، بجانب تدمير قدرات حزب الله.
المقاومة تستميت في الدفاع عن أرضها
ومن جانبه، قال اللواء محمد رشاد، وكيل المخابرات العامة الأسبق، إن فصائل المقاومة الفلسطينية، تستميت في الدفاع عن أرضها، في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، لأن المعركة المستمرة على مدى عام كامل، هي معركة "وجود"، وأنه لا خيار آخر أمام المقاومة، حيث إن قطاع غزة تحت الحصار، ما يحول دون أي منفذ آخر لهم.
وفي رأي "رشاد" الذي صرح به لـ"دار الهلال"، أن المعركة ستتواصل حتى الرمق الأخير بالنسبة للمقاومة أو إلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي في القطاع، يحقق وقف إطلاق النار.
ويؤكد أن إسرائيل فشلت حتى الآن في تحقيق أي هدف من عمليتها العسكرية في القطاع، ولن تحقق، وهذا ما سيحدث على الجبهة اللبنانية أيضًا، موضحًا أن "نتنياهو" يتعمد إطالة أمد الحرب من أجل مكاسب سياسية فقط.
وأشار إلى أن الأسلحة الإسرائيلية التي تظهر في أيدي المقاومة الفلسطينية، قد تكون وصلت إليها عن طريق "مافيا" تهريب السلاح الإسرائيلية، وهي لا تمانع أن تعطي السلاح لأي شخص، بما في ذلك العرب.
وأضاف الخبير العسكري، أن إسرائيل تستهدف تحويل شمال غزة إلى منطقة عسكرية، لأن في اعتقادها أن "حماس" وغيرها من حركات المقاومة بدأت تعيد توازنها هناك.
وأوضح، أن إسرائيل فقدت القدرة على الردع، وأصبح هناك قوة أخرى في المنطقة تتخاطها، وهي "إيران"، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن الحرب الدائرة منذ عام أثرت عليها بشكل يحول دون عودتها إلى سابق عهدها.
الاجتياح كان من المفترض ألا يتم
وفي الأصل كان من المفترض ألا يتم اجتياح قطاع غزة، وذلك في رأي الدكتور الدكتور محمد شاكر، أستاذ العلوم السياسية، حيث يوضح أن إسرائيل اجتاحت القطاع بقوة غاشمة، لا تتناسب مع ما حدث.
وتواصلت تلك العملية في قطاع غزة، على مدى عام كامل، لم تراعي فيه إسرائيل أي حرمة، بما في ذلك الأشهر التي لها قدسية خاصة، بحسب ما يذكره شاكر في حديثه لـ"دار الهلال".
ويؤكد أنه لا مفاوضات مع إسرائيل إلا من منطلق قوة، حيث أنها لم ولن تعرف أن تجلس على طاولة مفاوضات، إلا إذا أرغمت على ذلك بالقوة، وذلك معلوم تاريخيًا، لذلك نحن نؤكد على خيار "المقاومة".
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أنه سواءً كانت الفصائل الفلسطينية، شنت هجوم السابع من أكتوبر أم لا، فإن ما يحدث في قطاع غزة، كان مقرر له أن يحدث، وهذا ما أثبتته الأيام، مشيرًا في السياق ذاته، إلى أنه ربما دفعت حركة حماس إلى هذا المخطط دفعًا.
وأردف أنه سواءً كانت حماس أم غيرها فإنها حركات مقاومة لا تُسأل عما تفعل، فهي تقاوم محتل غاصب، وبناء عليه، يؤكد على أن الاجتياح البري للقطاع لم يكن له مبرر، حيث رتبت إسرائيل لذلك مسبقًا.
وتابع: "إسرائيل دخلت إلى قطاع غزة لتعاقب حركة حماس على هجومها في السابع من أكتوبر 2023، ولم تعاقبها بمفردها، بل عاقبت القطاع بأكمله، لذا من المفترض أن يتوقف هذا العدوان الغاشم"، قبل أن يستدرك، أن إسرائيل لا تستجيب للمجتمع الدولي وتضرب بقرارته عرض الحائط.
وحول تمسك المقاومة الفلسطينية بتحقيق مطالبها، رغم دخول العدوان عامه الثاني، يوضح شاكر، أنه طالما كان هناك مقاومة في قطاع غزة، قادرة على تكبيد عدوها الخسائر، كان لها حق التمسك بمطالبها، ولا ترضخ، وذلك بناءً على ما نوهنا إليه، حيث لا تستجيب إسرائيل إلا بالقوة.
أما إذا كانت قد فقدت المقاومة قوتها على الأرض، فلا يصح له أن تتمسك بتلك المطالب، وهي لا تمتلك من أسباب القوة شيئًا، وفقًا له، مشيرًا إلى أن الفترة الماضية أثبتت أن إسرائيل لا تستجيب للمفاوضات، وأنها عازمة على المضي قدمًا في مواصلة العمل العسكري بالقطاع.
ماذا حدث؟
في الـ7 من أكتوبر العام الماضي، هاجمت حركة حماس 11 قاعدة عسكرية، و22 مستوطنة إسرائيلية بمحاذاة غزة، في إطار الرد على جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى، حسبما ذكرت.
وقد كبدت العملية إسرائيل خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم، ومثلت ضربة قاصمة للجيش، الذي لطالما ادعى بأنه لا يقهر، ، كل ذلك جعلها تشن حرب مدمرة ضد قطاع غزة، تحت ذريعة القضاء على "حماس" خلفت حتى الآن ما يزيد عن 144 ألفًا بين شهيدًا وجريح، جلهم من النساء والأطفال.
بينما بدأت عمليتها البرية في القطاع في الـ27 من أكتوبر العام الماضي، بعد قصف دام استمر نحو 3 أسابيع على مختلف أرجاء القطاع من البر والبحر والجو، وكان في اعتقاد إسرائيل أن أيام قلائل كافية لإنهاء كل شئ هناك، بما يعيد لها "قوة الردع"، لكن باتت غزة في غضون عام كامل مستنقع تعجز عن الخروج منه.