السبت 23 نوفمبر 2024

ثقافة

الكاتبة المسرحية ناهد الطحان: من يقرأ الأعمال الدرامية تتفتح أمامه خبرات إنسانية خلاقة| حوار

  • 4-11-2024 | 17:34

د.ناهد الطحان

طباعة
  • دعاء برعي

تنطلق الكاتبة والباحثة الدكتورة ناهد الطحان في تجربتها المسرحية من وعي إنساني وجمالي وفني بقضايا المجتمع، وخاصة قضايا الواقع الاجتماعي وما يجري فيه من تناقضات وأحداث، هذا الواقع يشغل حيزًا كبيرًا من همومها الإبداعية. وقد فازت أخيرًا مجموعتها المسرحية "دمية ومسرحيات أخرى" بجائزة اتحاد كتاب مصر "محمد سلماوي للنص المسرحي" عن أفضل نص مسرحي لعام 2024، ويأتي من بين أعمالها الفائزة "دمية"، و"بروفايل"، و"رفات بلا وطن".. "دار الهلال" حاورتها للتعرف على تجربتها المسرحية ومراحل تطورها وأهم القضايا التي تشغل مسرحها فإلى نص الحوار..

-بداية نود التعرف على تجربتك المسرحية ومراحل تطورها؟

بدأت علاقتي بالمسرح في الجامعة حيث كنت مغرمة بالعروض المسرحية التي كانت تقدم على خشبة مسرح جامعة عين شمس، وتقديم المسرحيات العالمية والعربية لكبار الكتاب، وتطور الأمر لمشاهدة عروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي قبل أن أقرر دخول معهد الفنون المسرحية قسم الدراما والنقد والتتلمذ على يد أساتذة كبار في فن التأليف المسرحي والإخراج والنقد، فقرأت لكتاب المسرح العالميين أمثال شيكسبير، وموليير، وإبسن، وسترندبرج، وتشيخوف، وتوفيق الحكيم، وألفريد فرج، ويوسف إدريس، ونعمان عاشور، ومحمود دياب، وصلاح عبد الصبور، وعبد الرحمن الشرقاوي، وغيرهم، ومن هنا بدأت الكتابة للمسرح كطالبة أولًا وشهدت تلك الفترة أولى تجاربي المسرحية التي لاقت ترحيبًا من زملائي وأساتذتي.

وعندما درست في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية قرأت روائع المسرح العالمي وزاد تعلقي بالمسرح وبالكتابة، لكن الانطلاقة الحقيقية  كانت بعد عملي مخرجة بالإذاعة المصرية، حيث اعتمدت مؤلفة  للدراما بعد تعييني بسنة واحدة وكتبت العديد من السهرات الدرامية الإذاعية لإذاعة البرنامج الثقافي، وتم إخراجها من قبل أساتذتي المخرجين، وأخرجت بنفسي بعضها، فكانت الدراما الإذاعية امتدادًا لموهبتي في المسرح بل ونتيجة لها، والدراما الإذاعية هي أصعب أنواع الدراما لأنها تعتمد على الصوت في التعبير عن مشاعر الشخصية، وكانت أكبر تحدي لي في كتابة الدراما، فقدمت حوالي مائة سهرة درامية إذاعية مؤلفة ومخرجة وهو ما صقلني كثيرًا في تكنيك الكتابة الدرامية والإخراج الدرامي، لكن المسرح كان دائمًا شغفي الكبير فاستأنفت الكتابة له فضلًا لحرصي على مشاهدة العروض المسرحية، وتمت إجازة نصوصي في هيئة المسرح لتقديمها على مسرح الدولة.

-فوزك بجائزة محمد سلماوي للنص المسرحي عن أفضل نص مسرحي من اتحاد الكتاب.. كيف سيؤثر على مسار تجربتك؟

فوزي بجائزة تقترن باسم الكاتب الكبير محمد سلماوي يعني الكثير لي، لأنه منحني الثقة في قدراتي على الكتابة للمسرح، والقدرة على الوصول لجمهور من القراء المتخصصين الأمر الذي سيجعلني أكرس جهدي الفترة المقبلة للكتابة  للمسرح.

-ما أهم القضايا التي تشغل مسرحك خاصة في المجموعة الفائزة؟

تدور مسرحيات المجموعة في أغلبها عن المرأة وقضاياها ففي المسرحية المونو درامية "دمية" نجد مراحل الأنثى المختلفة طفلة وصبية وعجوز، تعاني الطفلة انفصال أمها عن أبيها وقسوة الأب وزواج الأم من رجل آخر ووحدتها إزاء العالم، وتعاني الصبية ظلم الأب لها عندما يزوجها من رجل كهل وغني وكأنها سلعة تباع وتشترى، ثم تعاني العجوز جحود أبنائها وقرارهم إيداعها في دار للمسنين، وكلهن يجمعهم شعور الوحدة والظلم، أما في ديو دراما "بروفايل" نجد أيضًا قضية امرأة يهجرها الزوج، وأخرى يستغلها زوجها ويفرض عليها أن تتحمل أخطاءه، بينما في مسرحية "قرية النساء" نجد أن القرية كلها لا يسكنها إلا النساء الذين أنشأت القرية من أجلهن يجمعهن معاناتهن في مجتمع يفرض أعرافه الموروثة دون مراجعة، ليقع الظلم على المرأة وحدها، وعندما يلجأن لقرية النساء يعانين مرة ثانية وحدتهن ومشاعرهن المكبوتة، وفي مسرحية "عودة نفرتيتي" تتجسد نفرتيتي مطالبة أن تعود إلى الوطن من خلال شاب مصري يزورها في المتحف، فيما تعالج مسرحية "رفات بلا وطن" مفهوم التاريخ والجذور من خلال أجدادنا الذين يحملون بداخلهم الذكريات والأحلام، فهي دعوة للحفاظ على التراث لأنه أصل وجودنا وامتداد له أيضًا، وربما تعرضت المجموعة لقضايا المرأة لأنها في نظري لا تزال تعاني رغم التشريعات وغيرها من القوانين الموضوعة إزاء مجتمع متمسك ببعض التقاليد التي تتنافى وحقوق الإنسان وأحقية المرأة في أن يصبح لها رأيها المستقل، خاصة في الريف وغيره من المناطق البعيدة عن مركزية القاهرة، الأمر يحتاج لمراجعة أنفسنا وما اعتدنا عليه دون تفكير ودون مساءلة .

-ما تأثير دراستك للمسرح على رؤيتك ومعالجتك المسرحية؟

دراسة المسرح هي دراسة للحياة ككل، فالأمر لا يعود لقواعد جامدة تدرس، ولكن أيضًا لخبرات ومعارف متنوعة، فدراسة المسرح تقدم لنا الإطار الدرامي على  مستوى الشكل والمضمون من خلال طريقة الكتابة مثلًا أو عناصر البناء الدرامي، لكن قدرة الكاتب على تصوير العالم الدرامي من خلال المسرح هي التي تصنع خصوصيته، وقد كنت محظوظة بدخولي معهد الفنون المسرحية وقراءتي لروائع المسرح العالمية والعربية ودراستي على يد أساتذة أجلاء، ما شكل مخزونًا ثقافيًا كبيرًا بالنسبة لي، ومن يقرأ الأعمال الدرامية تتفتح أمامه خبرات إنسانية خلاقة تشكل فلسفة حياتية، تساعده من جهة على اتخاذ القرارات الحكيمة في حياته، وتمنحه الخبرات المطلوبة للكتابة من جهة أخرى، وقد تعرفت من خلال دراستي على أساليب مختلفة في الكتابة للمسرح وأشكال مختلفة من المسرح الكلاسيكي، والرومانسي، والواقعي، والطبيعي، والمسرح الوجودي والعبثي وغيرها،  هذه الأنواع المختلفة ممتدة امتدادًا زمنيًا كبيرًا منذ المسرح الإغريقي قبل الميلاد وحتى الأن، وهو ما يشكل رحلة من التحولات المتزامنة مع فترات تاريخية واجتماعية متنوعة، لهذا فقد تعلمت أن لكل زمان ومكان أسلوبه الخاص، ولهذا كانت كتاباتي تتجه نحو المعاصرة والقضايا الراهنة ودون مباشرة مبتذلة، مما يصبح معه النص المسرحي صالحًا لكل زمان ومكان، لهذا فإن أهم درس تعلمته هو معالجة أفكاري من خلال الشخصيات والمشاهد المسرحية معالجة فلسفية ومنطقية ولغوية، بما لا يخل بطبيعة شخصيات المسرحية، فكل شخصية لها فلسفتها الخاصة بها حتى لو كانت شخصية ثانوية أو شخصية ليست ذات  حيثية وهو أهم درس في كتابة المسرح بشكل خاص والدراما بشكل عام.

-ما طبيعة مشروعك النقدي وهل جاء ارتباطه بالإذاعة والتليفزيون نتيجة لعملك إعلامية؟

ارتباطي بالنقد بدأ من الجامعة، ودراستي في كلية التجارة جامعة عين شمس في بداياتي، حيث التحقت بالنادي الأدبي وهناك تعرفت على الشاعر عماد غزالي الذي حصل في ذلك العام 1991 تقريبًا على جائزة سعاد الصباح الكويتية، وكتبت مقالًا عن الديوان الفائز "أغنية أولى"، فاستحسنه ونشره دون علمي في جريدة المساء، وكان الأديب والصحفي الكبير محمد جبريل مشرفًا على الصفحة الأدبية فيها، وبعد تخرجي شعرت برغبتي في تكرار التجربة وبالفعل عملت في جريدة المساء بالصفحة الأدبية صحفية بالقطعة وكان الدكتور فتحي عبد الفتاح رحمه الله هو المشرف عليها في ذلك الوقت، وقد أعطاني الفرصة للكتابة، فكتبت التحقيقات الأدبية والمقالات النقدية عن الشعر والرواية، وتمرست في كتابة الخبر الصحفي، بعدها درست الدراما في المعهد العالي للفنون المسرحية وحصلت على دبلومة معهد النقد الفني، فالماجستير كان بعنوان الخطاب السياسي في الدراما الإذاعية المصرية، والدكتوراة كانت عن المعالجات الدرامية لأدب ماركيز في الإذاعة المصرية، من هنا عاودت الكتابة مرة أخرى، وقد كنت طوال هذه الفترة مخرجة ومؤلفة للدراما ومذيعة أيضًا، فكتبت في النقد الأدبي والنقد الفني لأعمال كثيرة، وفي دوريات متعددة، ووجودي في إذاعة البرنامج الثقافي بالإذاعة المصرية مخرجة أعطاني فرصة احتكاك بلا حدود مع الأدباء من خلال برامج كثيرة أعددتها وأخرجتها وقدمتها أيضًا.

-بحكم متابعتك للحركة الأدبية كيف ترين تجليات المشهد السردي؟

المشهد السردي الآن يتسم بغزارة الإنتاج أكثر من أي وقت مضى، فالرواية الآن تتبوأ صدارة المشهد في الوطن العربي كله، كما ازدهرت القصة القصيرة والقصة  القصيرة جدًا، وتميزت بتعدد الرؤى وقدرتها على التوغل داخل النفس الإنسانية في عالم يموج بالصراعات الداخلية والخارجية، فالقصة القصيرة تناسب عصرنا المتسارع، مع تعدد الصالونات الأدبية والندوات، الأون لاين، فضلًا عن دور الجهات الثقافية في إثراء الحركية السردية، لهذا وجد السرد طريقه للتعبير عن هموم الإنسان العربي، خاصة في بلاد عانت من أهوال الحروب والتقلبات السياسية في الفترة الأخيرة، وقد قدمت كتابين لمرايا الفضاء السردي تناولت فيهما مقالات نقدية لعدد كبير من الأعمال الروائية والقصصية عبر أجيال مختلفة، رصدت فيهما الحركة السردية في الدول العربية، وعلى رأسها مصر، والعراق، وسوريا، وليبيا، والسعودية، فوجدت أن الحركة السردية وإن تنوعت في أساليبها فقد ركزت على قضايا بعينها اجتمع عليها كل الكتاب، ما يشي بأن مجتمعاتنا العربية تعاني أغلبها من أوجاع متشابهة وهو يعكس حالة من القلق والترقب واجترار الألم والمعاناة.

الاكثر قراءة