شهد العالم سلسلة من الأحداث الكبرى في عام 869 م، والتي تميزت بالصراعات والاضطرابات من الشرق إلى الغرب، وكان أبرزها تمرد الزنج، الذي وُصف بأنه من أهم حركات التمرد الاجتماعي في التاريخ الإسلامي، فبينما كانت القوات الفايكنجية تهاجم الممالك الأوروبية، وتهز شمال اليابان، وتجري عمليات توسع بيزنطية لمواجهة المسلمين في البحر الأدرياتيكي، ظهرت تحديات خطيرة للخلافة العباسية.
ووفقا لما نقله موقع labrujulaverde، اندلعت ثورة الزنج في بلاد ما بين النهرين، تحديدًا بالقرب من البصرة، بقيادة شخصية غامضة تدعى علي بن محمد، والذي ادعى النسب من النبي محمد بهدف حشد العبيد المضطهدين من أصول أفريقية، وخاصة من البانتو، للانضمام إلى ثورته.
كانت كلمة "زنج" تعني في السياق العربي القديم "أرض السود"، وهو مصطلح استخدمه الجغرافيون المسلمون للإشارة إلى شعوب البانتو على السواحل الشرقية لإفريقيا، والتي امتدت من كينيا إلى تنزانيا.
كان هؤلاء الزنج يُعتبرون من أهم مصادر العبيد، إذ استُخدموا في مزارع السكر والمناجم تحت ظروف قاسية، وكان يُنظر إليهم على أنهم قوة عمل أساسية لتحقيق الرخاء الاقتصادي.
ولم يكن هذا استعباداً جديدًا؛ فقد وُصف في نصوص تاريخية قديمة مثل أعمال سترابو وبلينيوس الأكبر وأغاثارشيدس من كنيدوس، بل استمرت هذه التجارة لقرون عديدة، وارتبطت بنقل هؤلاء العبيد إلى أماكن بعيدة مثل الشرق الأوسط وجزر المحيط الهندي وشبه القارة الهندية.
وبالنسبة للخلفاء العباسيين، شكل العبيد الزنج عاملًا حيويًا لتأمين القوة العسكرية والزراعية، لا سيما مع توسع الأراضي وظهور الحاجة إلى استصلاح الأراضي الزراعية الكبيرة التي تخلت عنها الطبقات الفلاحية، خاصة في منطقة خوزستان في إيران الحالية.
كانت دلتا دجلة والفرات بحاجة لعمالة ضخمة لإعادة تأهيل التربة المالحة، وبهذا جاء استخدام العبيد الزنج بكثافة لهذا الغرض، مما خلق ضغوطات شديدة على هؤلاء العبيد وأدى إلى تراكم السخط والاحتجاجات.
على الرغم من شدة القمع، إلا أن حركة الزنج قادتهم إلى تنظيم عدة انتفاضات، كان بعضها ناجحاً، وقد اندلعت أكبرها تحت قيادة علي بن محمد الذي استطاع كسب ثقة آلاف العبيد والسكان المحليين.
أظهر علي بن محمد براعة في إدارة هذه الثورة، إذ استغل مشاعر السخط الاجتماعي والاقتصادي لدى الفقراء والعمال وخصوصاً البدو من حوله.
كان يعلن في خطاباته عن الرغبة في تحقيق العدالة الإلهية، مستخدمًا شعارات دينية تستند إلى المذهب الخارجي، الذي ينادي بالمساواة بين الناس، وبحق أي فرد في الخلافة، بما في ذلك الزنج.
وبفضل هذه الأفكار الثورية، تزايد دعم الزنج من طبقات متعددة، ولم يكن الأمر مقتصرًا على العبيد فقط؛ فقد انضم إلى الثورة الحرفيون الصغار والفلاحون والفقراء ممن عانوا من قسوة الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي.
أظهرت حركة الزنج استراتيجية عسكرية قوية؛ فقد كانوا يقومون بغارات ليلية على المدن المجاورة، حيث يهاجمون الحصون ويستولون على المؤن والأسلحة، وأحيانًا يحررون العبيد أثناء تلك العمليات.
وقد تسببت الثورة في كوارث اقتصادية للخلافة، حيث قام الزنج بإغراق الحقول عبر تدمير السدود، مما أثر على إنتاج الغذاء في المنطقة وتسبب في موجات مجاعة اجتاحت مناطق واسعة.
سقطت مدينة البصرة عام 871 على يد الزنج وتعرضت لتدمير كامل، ولم يكن بوسع العباسيين ترك هذا التهديد دون رد، فتم تكليف الأمير أبو أحمد طلحة، المعروف بالمؤيد من الله، بقيادة حملات مضادة، إلا أن نقص الموارد وصراعات أخرى مع الصفاريين أضعفت الخلافة وجعلت من الصعب عليها توجيه جهودها بالكامل نحو القضاء على تمرد الزنج، ولكن رغم هذه التحديات، بدأت قوات الخلافة بقيادة المؤيد بالله بتنظيم سلسلة من الهجمات الاستراتيجية التي استطاعت في النهاية حصر تحركات الزنج وتضييق الخناق عليهم.
لقد كانت هذه الثورة من أخطر التحديات التي واجهتها الخلافة العباسية، ورغم أن العباسيين نجحوا أخيرًا في إخمادها، إلا أنها تركت أثرًا عميقًا على المجتمع الإسلامي وعلى مسار التاريخ الإسلامي ككل.