لا أتردد للحظة أن أكتب عنوان هذه الكلمات بوصف يليق بلبنان وجنس الرواية الأدبي، باعتبارها حالة ثقافية خاصة، وبها بيان كيف تجلت اﻹشارة ﺇلى كون لبنان لعبت دور الجسر المرئي وغير المرئي الذى امتدت وتشعب منها نحو أرجاء البلدان العربية، بعد أن تواصل وتعرف على معطيات العطاءات الغربية، التي بدت جديدة، ومعطى متقدم عما نال شعوب المنطقة بعد الاحتلال العثماني والمملوكي من قبل.
أظن أن اعتماد ملف حول دور لبنان الثقافي بمجلة الهلال الغراء العريقة، يعد إنجازا ثقافيا مقدرا للبنان، فالثقافة دورها المتطلع نحو العطاء الحضاري الجديد، مع التمسك بعروبة الهوية مع التمسك بالأرض ومجموعة القيم التي جبلت عليها شعوب المنطقة.
لعل للبحث عن بداية تبدو مناسبة تاريخية ومقدرة لإبراز هذا الدور، يبدو من المناسب تناول بعض من مجموعة اللبنانيين الأوائل مثل: فرح أنطون، حيث راجت حواراته الثقافية مع الشيخ محمد عبده، حول ملامح الدولة العصرية وعلاقتها برجال الدين، فضلا عن ضرورة تبنى دراسة العلم الحديث للأجيال الجديدة.. ثم من بعد كتب رواية "الدين والعلم والمال" 1903م وأخرى "أورشاليم الجديدة 1904م" وكليهما حول ما تبناه من أفكار حضارية متقدمة. أم ترى نتوقف قليلا مع "جرجى زيدان" مؤسس مجلة الهلال التى أصبحت صرحا ثقافيا داخل مصر وخارجها، كما نرصده ككاتب للرواية التاريخية، ولعله رائدها فى العالم العربي.
قد يبدو من المناسب التوقف أمام قضية ثقافية جديرة بالنظر، ألا وهى التحقيق العلمي بقلم "د. شربل داغر" الذى أشار فيه ﺇلى ما كتب حوله الناقد السورى "محمد يوسف نجم" من أن أول رواية عربية هى رواية "أوي.. إذن لست بافرنجي" للكاتب اللبنانى "خليل الخوري".. بينما الشائع أن رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل هي الأولى عربيا.. يبدو أنها قضية يجب أن يتناولها النقد، خصوصا بعد نشر الرواية اللبنانية في القاهرة مصورة عن الأصل، أي كما نشرت في صحيفة "حديقة الأخبار" للخوري مع مقدمة قصيرة وذلك كدراسة لمحمد سيد عبد التواب قدم لها الدكتور سيد البحراوي.. (طبعة القاهرة صدرت سنة 2007 عن المجلس الأعلى للثقافة في 168 صفحة متوسطة القطع، وجاء عنوانها وغلافها كما يلي: "اول رواية عربية "وي.. اذن لست بافرنجي 1859" تأليف خليل افندي الخوري. دراسة: محمد سيد عبد التواب. تقديم: سيد البحراوي")
ربما من المناسب الآن التوقف مع فكرة محورية، لبيان الدور الثقافى حولها فى لبنان، ألا وهي فكرة بيان شكل ودور المرأة فى الرواية البكر خلال العقود الاولى من القرن العشرين. .لعل اختيار المرأة وشكل التعامل معها في الصياغات والعناوين الروائية، تضيف فكرة حول عطاء القلم اللبنانى فى مجال الرواية ومن ثم الثقافي.
ففي المرحلة الأولى من بداية كتابة الرواية العربية ومن ثم اللبنانية، وقفت النصوص إلى جانب المرأة معادلا للموقف في مواجهة سلبيات وفساد المجتمع والطموح إلى الأفضل. لذا كانت الروايات التاريخية التي جعلت من المرأة البطولة والشخصية المحورية.. كما في رواية "زنوبيا" للكاتب اللبنانى "سليم البستاني"، وهى ملكة تدمر التي اعتلت كرسي العرش , حكمت وحمت وأدارت دفة أهل حضارة من أقدم الحضارات في العالم العربي والإنساني .
.. كما كتب "جرجى زيدان" فى اطار الفكرة نفسها.. فهو أول من صاغ وأسس للرواية التاريخية. بدأ محاولاته منذ سنة 1894م. اعتمد على تيمه وحيدة في صياغة أعماله.. تناول مراحل التاريخ العربي , مستعينا في ذلك بكتب التاريخ , مع الالتزام بوقائعه الأساسية, كما يبدو اطلاعه على السير وكتب الرحلات, مع مزج قصة عاطفية مفتعلة. قد يؤخذ عليه الجانب التعليمي والاهتمام بالتفاصيل التاريخية وكأنه يسجل لكتاب مدرسي, وكذا إقحام القصة العاطفية بغرض جذب القارئ. ومع ذلك يذكر له ريادته, حيث ترجع أهميته إلى أنه رصد للقريحة العربية خصائص وملامح فترة تحول هامة في الوطن, وحاجة العامة والخاصة إلى كل ما يعضد الذات.
و مع عقد الأربعينيات من القرن العشرين, بدا جليا ظهور جيل من الروائيين رسخت على أيديهم تقنيات جنس الرواية الادبى, ومنهم انتقلت إلى الرواية ورؤيتها للمرأة إلى مرحلة جديدة من مراحل الروائي العربي والرواية نفسها، حيث حظيت "المرأة" في الإنتاج االعربي حيزا لافتا يمكن الغوص فيه واستحضار الجهد الانسانى الثقافي.
.. لقد عبر الناقد السوري "شاكر مصطفى" في كتابه "القصة في السوريا (ضمن الرواية اللبنانية) حتى الحرب العالمية الثانية" عن تلك الرؤية ص61 قال: "فمع تقدم الطبقة البورجوازية إلى زمام القيادة في المجتمع, تقدمت أيضا مثلها, ومبادئها الاجتماعية, فتطور تكوين الأسرة من الطراز الأبوي ... وظهرت المرأة بعض الظهور... لقد كان الحب خطيئة, فوجد من يدافع عنه, وكانت الحرية فكرة من الأفكار فوجدت السدنة أو الضحايا".
& لعل الحصر والدرس للروايات التي عنونت بأسماء بذاتها لمرأة و اعتمادا على ببليوجرافي الرواية العربية إعداد د.حمدي السكوت, وحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين يكشف على جملة ملامح وهى:
.. ظن الروائي في البداية أن إضافة اسم امرأة قد يجذب القارئ/ بعض الروايات ترجمات لروايات أجنبية/ غلبة الفكر الأخلاقي مع إقحام أحكام الوعظ والإرشاد وحضور المرأة مشوه./ بعض الأعمال (القليلة) تجد في المرأة رمزا للوفاء/ البعض يطلق اسم امرأة على أغلب أعماله الروائية, مثل "سليم بطرس البستانى/.. بعض الروايات يكون العنوان باسم امرأة ذات دلالة فنية/ هناك العديد من الروايات تحمل صفات نسائية وتوحى بأن البطولة لامرأة.
.. يمكن الاشارة الى بعض الروائيين اللبنانيين الذين شاركو هذا الزخم اﻹبداعي: "زنوبيا"- "بدور"-"أسماء"-"سلمى"-" وغيرها للكاتب "سليم بطرس البستانى" أعوام 71و72و73 و1878 : أيضا "أنيس وأنيسه" للكاتب "نعمان عبده القساطلى" 1881م. : أيضا "هيلانة" للكاتب "نجيب غرغور" عام 1885م.: أيضا "إدوارد وميليا" للكاتب "عزيز الزند" عام 1886م.: أيضا "أرمانوسة المصرية" للكاتب "جرجى زيدان" عام 1896م.. وغيرهم.
نخلص مما سيق ﺇحتفاء البيئة اللبنانية منذ بدايات القرن الماضى بالعطاء الثقافى الغربي، وهو ما تجلى مع التوقف بالنظر ﺇلى جنس الرواية باعتبارها من المعطيات الابداعية وليدة القرن الاخير ةجنس له معطياته فى الثقافة الغربية ومنقول عنهم، على الرغم من مقولة أن للرواية جذور فى الابداع العربى متمثلا فى "المقامة"..
كما كشف التحليل لفكرة صور حضور المرأة فى المتن والعنوان للرواية، عن فدر غير قليل من صور المتغييرات على الذهنية العربية.. ولا يفوتنا اﻹشارة ﺇلى أن الدور اللبنانى ما كان لينجز ويذكر حتى اليوم لولا المناخ الثقافى فى مصر، وليس فى هذا شىء من الشوفينية، فيه استكمال الصورة الثقافية بالضرورة بتكامل الدول العربية معا .
**********