في الثلاثينيات من هذا القرن شهدت مصر حملة عارمة من التنصير قام بها بعض المبشرين الأوربيين وقد تصدى لهذه الحملة جمع كبير من العلماء والمفكرين ورجال الدين الإسلامي والمسيحي على السواء. فقد كان الشعب المصري لا يزال يعيش عبق الوحدة الوطنية العظيمة التي ظللت سماء مصر خلال ثورة الشعب 1919م وما تلاها من سنوات.
وبعض المتعصبين وقصار النظر يتهمون طه حسين في دينه ويرمونه بأفظع تهم التكفير والتفسيق استناداً إلى قضية الشعر الجاهلي التي تراجع فيما بعد عن اكثر ما أحاط بها من شبهات، ولا يعلم هؤلاء المتعصبون وقصار النظر أن طه حسين الذي عرف بأنه متزوج من مسيحية لم يقبل أن يهان الإسلام في بلد الأزهر الشريف وحمل حملات عنيفة ضد أولئك المبشرين الذين أرادوا بالإسلام وبمصر كل سوء.
اتفقت آراء طه حسين في هذه القضية [التبشير الذي انتشر في مصر في الثلاثينيات] مع آراء الشيخ محمد مصطفى المراغي الذي ولي مشيخة الأزهر بعض الوقت ثم أقصي عنها ثم وليها مرة ثانية، وكان الشيخ المراغي حين نشبت فكرة التنصير خارج السلطة ولكنه كان علماً بارزاً من أعلام الأزهر ، فأسس جماعة سماها "جماعة الدفاع عن الإسلام" تبنت قضية التنصير وأبلت فيها بلاءً حسن.
وقد تقدم الشيخ المراغي إلى نائب رئيس الوزراء بمذكرة باسم تلك الجماعة يطالب الحكومة فيها أن ترد عن المصريين عدوان تلك الهيئات الأجنبية التي تنهض بأعمال التبشير، وكتب طه حسين يناصر هذا الموقف في مقال بعنوان واجبات (جريدة كوكب الشرق يوم ٢٩ يونيو ١٩٣٣م.) :
“ فالأستاذ (يقصد المراغي) ومن ورائه جماعة الدفاع عن الإسلام لا يذود عن الإسلام وحده، ولكن يذود عن المسيحية أيضاً، بل هو يذود عن الحرية المصرية كلها. وما كان لعلماء الإسلام غير هذا الطريق أو يتحدثون بغير هذه اللهجة ، فدينهم يلزمهم الذود عن حرية الرأي، ودينهم يلزمهم أن يتوخوا الحق في كل ما يقولون وما يعملون. والحق أن الإسلام دين الدولة، ودين كثرة المصريين، فيجب أن يحميه المصريون جميعاً، وأن تكون الحكومة أول من يحميه، والحق أن المسيحية دين جماعة من المصريين وأن الكنيسة القبطية مظهر من مظاهر المجد المصري المؤثر ، فيجب أن يحميها المصريون جميعاً، وأن تكون الحكومة أول من ينهض بحمايتها. والحق أن لا إكراه في الدين فيجب على المصريين جميعاً أن يحموا كل دين قائم في مصر من الإكراه مهما يكن. يجب أن تحمى الديانات من أن يخرج الناس منها مكرهين. ويجب أن يستبين للناس جميعاً أن الإكراه في نفسه أثم يمقته الدين ويمقته القانون ”.
يقول طه حسين في مقالته نفسها: “ ولو أن عدوان هؤلاء المبشرين وقع من المسلمين على الأقباط أو من الأقباط على المسلمين لما ترددت الحكومة في أن تنفذ القانون، وترفع أمر الآثمين إلى القضاء، لأن هؤلاء الآثمين سيكونون يومئذ من المصريين الذين لا تحميهم الامتيازات ولا تتحرج الحكومة من أخذهم بالشدة حتى يقضي العدل بذلك.
وليس من شك في أن وزارات الخارجية والمفوضيات السياسية لم تنشأ لتكون زينة وإنما لتحقق الصلات الصادقة المتينة بين الأمم والشعوب، فإذا جنى الأجانب في مصر جناية أو اقترفوا إثماً وأخلوا بواجبات الضيافة، فمن الحق على وزارة الخارجية المصرية أن تستخدم نفوذها السياسي لتقوم هذا العوج وتصلح هذا الفساد”.
وفي محاولة لعلاج ظاهرة التبشير واستخدام المدارس الحكومية لخدمة أغراضه، دعا طه حسين إلى ضرورة خضوع جميع المدارس الأجنبية لإشراف الدولة. فقد كان للمدارس الأجنبية في مصر قبل عام 1592م وضع خاص يجعلها فوق المساءلة، ففي مقاله بعنوان " علاج(2) كتب طه حسين معلقاً على موقف الوزارة التي اكتفت بنفي بعض المبشرين خارج البلاد عندما استفحل أمرهم يقول:
“ وبعد هذا كله نستأذن الوزارة في أن نلفتها إلى أن ما اتخذت من إجراء إلى الآن مهما يكن حسناً منتجاً، فهو بعيد كل البعد على أن يكون علاجاً صحيحاً مغنياً لهذه المشكلة الثقيلة مشكلة التبشير والمبشرين. فمهما نفت الحكومة من المبشرين والمبشرات فلن تستطيع أن تغلو في ذلك، فسيكون خطرا عظيما، وهناك تعليم حر ينشره قوم من رجال الدين الأجانب على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم يقصدون به ظاهر الأمر إلى التعليم والتثقيف وهو من هذه الناحية نافع حقاً، مفيد حقاً، ولكنه لا يقف عند التعليم والتثقيف، وإنما يشارك التعليم الأجنبي في إضعاف القومية المصرية، وبسط النفوذ الأجنبي وينفرد بدعاية دينية ظاهرة أو خفية، مقصودة أو غير مقصودة، لها في الشعور الديني للأطفال أثر بعيد، فلابد إذن من أن تنهض الدولة من مراقبة هذه الأنواع المختلفة من التعليم لتعصم الأخلاق والقومية والدين ومن هذا الفساد الذي يسعى إليها سعياً قوياً ملحاً لا أناة فيه. وقد همت الوزارة القائمة بإصدار تشريع يمكنها من مراقبة التعليم الحر ، وجدت في ذلك حتى هيأت مشروع القانون وأذاعته في الناس لتعرف رأيهم، ولكنها سكتت عنه فجأة، وانصرفت عن المضي فيه لأسباب غير ظاهرة. وأكبر الظن أنها لم تفكر حين وضعت هذا التشريع أو جدت في إصداره إلا في شيء واحد سياسي، هو بسط سلطانها على المدارس الحرة المصرية فقيض الله لها من أشار عليها أن تبسط سلطان هذا القانون على المدارس المصرية والأجنبية. وهناك كفت عنه وأهملته إهمالاً وأثرت أن تترك هذا القانون على أن تقف من الأجانب موقفاً لا يرضونه، وأنت تعلم مقدار ما أظهرته وزارتنا القائمة من الحرص على رضى الأجانب منذ نهضت بأعباء الحكم”.
تطور أمر هؤلاء المبشرين الذين يرتدون مسوح الدين المسيحي السمح وكشفوا من نفسيات غير سوية فأشاعوا الفساد الخلقي في المؤسسات التربوية التي يعملون بها فأخذوا يغررون بالفتيات الصغيرات فيغرونهن بالحب ثم يتزوجوهن بعد أن يرتددن عن الإسلام أو يغتصبوهن ثم يتركوهن، وقد كشف طه حسين هذه الأفاعيل الدنيئة في مقال ساخن عنوانه "فتنة"(3) فقال :
“وقصرت الحكومة أو عجزت عن النهوض بواجبها فلم تحم دين المصريين ولا كرامتهم ولا عزتهم القومية حتى انتهى الشر إلى غايته وبلغ عدوان هؤلاء الناس أقصاه فإذا بالصبيان ينصرون جهرة، ويصرفون عن دينهم في وضح النهار” .
وعندما ييأس طه حسين من تحرك الحكومة يلجأ إلى استنفار البرلمان بمجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، فيستثير حفيظتهم ليذودوا عن دينهم المضطهد في عقر داره فيقول:
“وأخبار هذا كله تنشر في الصحف مفصلة مطولة، والناس يستكشفون في كل يوم شراً، ويفضحون في كل يوم سراً، والرسائل تبلغ الصحف كثيرة متصلة ملحة مستنهضة للهمم، مستثيرة للعواطف مستغلة ما تبذله الصحف من جهد، منكرة صمد الصحف الصامدة وفتور الصحف الفاترة . ونحن نلقي هذا كله صابرين متحفظين مبالغين في الصبر والتحفظ، لأن لا نزال نعتقد أن هذا الأمر فتنة لم يكن ينبغي أن تثار ، وأن هذه الفتنة بعد أن أثيرت يجب أن تخمد وأن يرد شرها عن الناس.
لذلك لا نزال نلح على الحكومة في أن تبحث عن نصيب آخر من الشجاعة غير هذا النصيب الذي ظفرت به في الأسبوع الماضي فقد ظهر أن شجاعة الأسبوع الماضي لا تكفي وأن حزم الأسبوع الماضي أضعف من أن يفي بالحاجة ويبسط سلطان الحكومة ، لا أقول على المبشرين، بل أقول على هؤلاء الفتيات المصريات اللاتي يغتصبهن المبشرون اغتصاباً.
يجب أن تبحث الحكومة عن نصيب جديد من الشجاعة والحزم لعل الله أن يفتح به عليها فتشعر هؤلاء المبشرين بأنهم يقيمون في بلد متحضر، في دولة قائمة، ولهذه الدولة نظم لابد أن تحترم وحرمات يجب أن ترعي، وقوة يجب أن تطاع . فمن تعدى حدود هذه النظم وهذه المحرمات وهذه القوة فإن هذه الدولة قادرة على أن تأخذه بالحق في ذلك أخذاً عنيفاً.
ومن الأشياء التي لا تقبل شكاً ولا نزاعاً أن لمصر دستوراً ، فمن أنكر ذلك عاقبه القانون، أن هذا الدستور قد أنشأ في مصر برلماناً من أنكر ذلك ساقته النيابة إلى القضاء، أن لهذا البرلمان شيوخاً ونواباً قد رزقهم الله قوة وبأساً وآتاهم بسطة من العلم والجسم ، ومنحهم ألسنة تقول فتكثر القول، ومنحهم أيدياً لا تمتنع عن الحركة ولا تتردد في الامتداد بالبطش أحياناً، ومن المحقق الذي لا يقبل شكاً ولا نزاعاً أن هذا البرلمان قد أظهر في غير مرة حرصاً على الدين وغضباً للإسلام”.
وطالب الحكومة غير مرة بحماية هذا الدين والذود عن الإسلام ، وقد وصلت أصداء قضية المبشرين إلى البرلمان الإنجليزي والصحف الإنجليزية وتناقلت الصحف المصرية أخبار تلك القضية كما عرضها الإعلام الإنجليزي وكتب طه حسين مقالاً عنوانه "إذن "(4) جاء فيه :
“ سأل سائل في مجلس النواب الإنجليزي عن أمر المبشرين أمس فأجابه وزير الخارجية جواباً نحب أن نقف عند آخره، لأن آخره خليق بالتفكير ، جدير بأن يزيل بعض الغموض الذي يحيط بموقف الوزارة المصرية من مسألة التبشير . فالناس يذكرون أن المبشرين أثاروا غضب الناس في العام الماضي وأن هذا الغضب استطاع أن يصل إلى البرلمان وأن يثير لنفسه صدى في مجلس النواب. والناس يذكرون أن رئيس الوزراء أراد أن يرد على هذا الصدى فأعلن أن الحكومة تفكر في إصدار قانون يمكن الدولة من مراقبة التعليم ويمكنها بعد ذلك من اتقاء التبشير .
وانتظر الناس أن يصدر هذا القانون في الدورة الماضية فلم يصدر ، وانتظر الناس أن يذكر هذا القانون في خطبة العرش في هذا العام البرلماني فلم يذكر ، وانتظر الناس أن يعرض هذا القانون على البرلمان في دورته الأخيرة فلم يعرض .
وأثار المبشرون غضب المصريين مرة أخرى وكان غضب المصريين في هذه المرة عنيفا ، وكان إجماعياً . فلم يكن بد أن يصل إلى البرلمان ، ومن أن يحدث لنفسه صدى في المجلسين ولم يكن بد من أن تتكلم الوزارة ومن أن تعمل لتسكت غضب المصريين وترد على صداه في البرلمان.
وانتظر الناس أن تتحدث الحكومة عن هذا القانون الذي وعدت به منذ عام فلم تتحدث، وكتبنا نحن وكتبت الصحف الأخرى تطلب إلى الحكومة أن تصدر هذا القانون فلم تقل الحكومة شيئاً، ولكن صحيفتها لامتنا على ذلك أشد اللوم وأنبتنا على ذلك أشد التأنيب، وزعمت أننا نطالب الحكومة بما لا قبل لها به وأننا نتحداها ونتعمد تعجيزها وإحراجها.
ونسيت أن رئيس الوزراء نفسه هو الذي وعد بإصدار لهذا القانون ، ثم ألح المصريون في المطالبة بهذا القانون ووضع الوزراء أصابعهم في آذانهم وأعرضوا عن هذا الأمر إعراضاً. فالآن يخيل إلينا أن وزير الخارجية البريطانية قد حل بجوابه أمس هذا اللغز ، وأزال بجوابه هذا الغموض فهو يعلن إلى سائله في مجلس النواب الإنجليزي أنه أذن للمندوب السامي في أن يتحدث إلى ولاة الأمور من المصريين في إمكان وضع نظام لمراقبة مركزية على بعض النواحي لأعمال المبشرين ومعنى ذلك أن فهمنا لغة السياسة البريطانية أن المندوب السامي المفوض من حكومته في أن يدرس مع حكومتنا أمر هذا التشريع الذي وعد به رئيس الوزراء منذ أكثر من عام والذي انتظره الناس منذ صدور هذا الوعد عن رئيس الوزراء ، فلم يظفروا به حتى الآن ، والذي كانت صحيفة الوزارة ترى مطالبة الحكومة به إسرافاً عليها وتعجيزاً لها ، وتعمداً لدفعها إلى الحرج والضيق .
حتى خطر هذا الرأي لوزارة الخارجية البريطانية بعد ما رأت من غضب المصريين وإلحاحهم فكلفت مندوبها السامي في أن يتصل بالحكومة المصرية ويتحدث معها في أمر هذا القانون، ونحب أن نعلم بداية المندوب السامي بالفعل هذا الحديث أم لا يزال صامتاً يراقب المبشرين من كثب وينتظر ؟ وقد ظهر تصريح وزير الخارجية في الصحف أن تقول للوزارة: لقد نشرت الصحف أن وزير الخارجية في مجلس النواب بأنه أذن لك في كيت وكيت، وقد وقع هذا الخبر من النفوس موقعاً حسناً، لأنه سيمكننا من أن نقول للمعارضين: هانحن أولاء نقبل المعركة ونجد في إصدار القانون الذي كنتم تطلبونه تعجيزاً لنا وإحراجاً . فهل تسمح بأن نبدأ الحديث في هذه المراقبة كيف تكون وإلى أي حد ينبغي أن تتسع وإلى أي حد ينبغي أن تضيق ؟ كل هذه الأشياء يجب أن نتبينها وأن نعلم وجه الحق فيها ، ونريد أن نعتقد أن الحكومة المصرية هي التي بدأت الحديث في أمر هذا القانون وأن أذن وزير الخارجية لم يصدر إلى المندوب السامي إلا إجابة لطلب الحكومة المصرية. نريد أن نعتقد هذا ولكننا نأسف حقاً لأن الحكومة المصرية أثرت هذا الصمت العميق وتركت صحفها تذكر التعجيز والإحراج وتظهر هذا القانون وكأنه شيء لا سبيل إليه، ولا أمل فيه حتى ساءت الظنون وشعر الناس بعجز الحكومة عن الوفاء لوعد رئيس الوزراء للبرلمان . وأنه لمن المؤلم حقاً أن يطلب المصريون شيئاً لهم الحق في أن يطلبوه وأن يلحوا في الطلب فلا تنبؤهم الحكومة حتى بأنها آخذة في السعي إلى تحقيق ما يرجون وإجابتهم إلى ما يطلبون حتى إذا استشعر المصريون اليأس من تحقيق هذا الأمل، أنبأهم وزير الخارجية البريطانية بأن الأمر ليس مستحيلاً وأنه قد أذن للمندوب السامي في أن يتحدث إلى الحكومة المصرية فيه .
وشيء آخر نحب أن نعرفه : باسم من يتحدث المندوب السامي ؟ أباسم الحكومة الإنجليزية وحدها ؟ وإذن فهل بدأت حكومتنا تتحدث إلى الحكومات الأجنبية حديثاً مباشراً في هذا الموضوع أم باسم الأجانب جميعاً ؟ وإذن فهل قبلت حكومتنا مذهب الإنجليز في انهم هم الذين ينبغي أن يتحدثوا عن الأجانب وينوبوا عنهم فيما قد يكون بيننا وبينهم من حديث . وإذن فوزارة خارجيتنا إنما أنشئت لتتحدث إلى الإنجليز ، لا إلى غيرهم ، وإذن ففيما المفاوضات هنا وهناك ؟ وفيما المراسم التي لا تحصى ؟ وفيما النفقات التي لا تطاق ؟ أم هل توقف الحكومة الإنجليزية من هذه المسألة موقفها من مسألة الدين فتؤيد وجهة النظر المصرية وتسند مصر الضعيفة حين تريد أن تتحدث إلى الدول في هذا الموضوع ” .
واشتدت حملة طه حسين ضد التبشير حين دافعت جريدة التايمز البريطانية عن التنصير فكتب طه حسين تحت عنوان : "تجن" يقول :
“ وإذا طغى الأجانب على المصريين في منافعهم ومرافقهم وازدروا حريتهم وكرامتهم وعرضوا فريقاً منهم للجوع والحرمان. واظهر المصريون شيئاً من استنكار ذلك أو السخط عليه، غضب الأجانب وأسرفوا في الغضب، وشكا الأجانب وألحوا في الشكوى وقال الأجانب إن في مصر بغضاً لهم، وائتماراً عليهم واستعان الأجانب على المصريين بالإنجليز ، وشكا الأجانب من المصريين إلى الوزارة المصرية وإذا اعتدى المبشرون من الأجانب على صبيان المصريين من أبنائهم وبناتهم وفتنوهم في دينهم لا يفرقون في ذلك بين المسلم والمسيحي واليهودي ، وسلكوا إلى ذلك طريق الإكراه والتعذيب حيناً ، وطريق الإغواء والإغراء حيناً آخر ، وطرق العبث والخداع وإفساد الإرادة بالتنويم المغناطيسى مرة ثالثة. إذا فعل المبشرون هذا كله وقامت عليه الحجة الواضحة ونطقت به الحقائق الواقعة، واعترف به المبشرون أنفسهم ، واعترفت به الوزارة نفسها، واعترف به البرلمان نفسه ، ثم أنكره المصريون ، واحتجوا عليه وطلبوا أن يصرف عنهم هذا الشر ، ويرفع عنهم هذا الضر ، غضب الأجانب وسخط الإنجليز وقالت التيمس إن المعارضين يتخذون قضية التبشير وسيلة إلى إحراج الحكومة والكيد لها ، ولم يتحرج أنصار الوزارة نفسها من أن يقولوا كما تقول التيمس ويتهموا المعارضين بمثل ما تتهمهم به التيمس ، ويزعموا أن المعارضين لا يقولون ولا يعملون إلا ليحرجوا الوزارة ويكيدوا لها ويسلطوا عليها أنواع الإحراج والتعجيز . ومعنى هذا كله أن المصريين يجب أن ينكروا أنفسهم وينزلوا عن حقهم في الحياة الحرة ويرضوا بما قسم الله لهم من الذلة والخضوع، لا ينبغي لهم أن يلوموا الوزارة أن أخطأت أو قصرت أو شطت لأن ذلك إحراج للوزارة وتجني عليها، ولا ينبغي لهم ان يشكوا أو يتبرموا عن طغى الأجانب على مرافقهم، واستأثروا من دونهم بالخير في بلادهم ، لأن ذلك بغض للأجانب وكيد لهم ولا ينبغي أن يسخطوا ولا أن يستعيدوا الوزارة على المبشرين إذا اعتدى هؤلاء المبشرون على الأطفال في الدين والأخلاق والأعراض ، لن ذلك إغراء بالفتنة ، وتحريض عليها ، ولأن ذلك إحراج للوزارة وخروج عن النظام ”. جريدة كوكب الشرق يوم 6/7/1933م.
وهكذا كان قلم طه حسين سيفاً مسلطاً على التبشير والمبشرين في الوقت الذي يتهمه فيه أعداؤه بأنه كان ضد الإسلام وهذه صفات مجهولة من حياة هذا الرائد العظيم ما أجدر الباحثين المنصفين أن يلتفتوا إليها وأن يجمعوا مقالاته التي هاجم فيها التبشير والمبشرين ، وهي كثيرة ليعيدوا دراستها وتحليلها والإفادة منها لأن التاريخ يعيد نفسه !!!!.
مراجع المقال :
1 - جريدة كوكب الشرق يوم 29/6/1933م.
2 - جريدة كوكب الشرق يوم 15/6/1933م.
3 - جريدة كوكب الشرق يوم 18/6/1933م.
4 - جريدة كوكب الشرق يوم 6/7/1933م.