مؤرخٌ وسياسي مفكر اجتماعي ومحامٍ مِصريٌّ شهير، ركّز اهتمامه على تأريخ الحركةِ القوميةِ المصريةِ منذُ القرنِ الثامنِ وحتى منتصفِ القرنِ التاسعَ عشر، حتى لقبه بعض المؤرخين، والباحثين بـ «مؤسس علم التاريخ الحديث» في مصر والعالم العربي إنه عبد الرحمن الرافعي.
الميلاد والنشأة
وُلد عبدالرحمن الرافعي في 8 فبراير 1889م، بحي الخليفة بالقاهرة، تلقى تعليمه في المدارس الحكومية، بالقاهرة، ثم مدرسة رأس التين الابتدائية 1898م،عندما انتقل والده إلى الإسكندرية حيث عمل مفتيا للمدينة، ثم أنهى المرحلة الثانوية سنة 1904م، و انتقلت الأسرة إلى القاهرة والتحق الرافعي بمدرسة الحقوق والتي أنهى دراسته بها في 1908م.
اتجه «الرافعي» عقب تخرجه في مدرسة الحقوق إلى العمل بالمحاماة، فترة قليلة لم تتجاوز شهرا واحدا، إلا أنه لم يَمكُث كثيرًا فعملَ محرِّرًا ﻟ «جريدة اللواء» الناطقةِ باسمِ «الحزب الوطني»، بعد دعوةِ الزعيمِ المِصريِّ محمد فريد له للعملِ بها، حيث بدأت معها حياته الصحفية، ومن هنا نَشأَت علاقةٌ وطيدةٌ بينه وبين «محمد فريد» امتدَّت لسنواتٍ طويلة.
بدأ الرافعي نشاطه السياسي عام 1907م وكانت الحركة الوطنية تشهد نموا واضحًا على يد مصطفى كامل، فتأثر بأفكارها، فانضم إلى الحزب الوطني بمجرد إنشائه.
عادَ «عبد الرحمن الرافعي» للعملِ بالمحاماةِ ثانيةً عامَ 1910م؛ حيث اشتركَ مع أحدِ أصدقائِه في مكتبٍ بمدينةِ الزقازيق، ثم انتقلا إلى مدينةِ المنصورةِ فظلَّ بها حتى عامِ 1932م، وكانت فترةً خصبةً في حياةِ «الرافعي» الفِكرية، فألَّفَ بعضَ كتبِه وأنشأ جمعيةً لمساعدةِ الفلاحِين بقُرى محافظةِ الدقهلية.
وفي هذه الأثناءِ لم يَنقطِعِ «الرافعي» عن الكتابةِ للصحفِ والجرائدِ المصرية، مثل «جريدة العلم» و«جريدة الاعتدال»، وشغلَ منصبَ نائبِ رئيسِ تحريرِ «جريدة العلم» أثناءَ سفرِ رئيسِ تحريرِها؛ شقيقِه أمين الرافعي، إلى بروكسل.
أول داع في مصر والعالم العربي إلى «حركة تعاونية»
انشغل«الرافعي» بعلاقة التاريخ القومي بالوعي القومي من ناحية، وبنشوء وتطور الدولة القومية الحديثة من ناحية أخري.. وهو أول من دعا في مصر والعالم العربي إلى «حركة تعاونية» لتطوير الزراعة وتنمية الريف ورفع مستوي الحياة الريفية كشرط للنهوض الاقتصادي والتقدم الاجتماعي وتدعيم أسس الاستقلال السياسي.
بدأ «الرافعي» الكتابة في سن مبكرة، وأصدر كتابه الأول «حقوق الشعب» عام 1912م، وفيه تجلت قدرته كمفكر سياسي وقانوني، ركز فيه على مبادئ الحكم الدستوري والاستقلال الوطني وحكم القانون وحقوق الإنسان من مزيج الفقه الإسلامي وفكر عصر التنوير الأوروبي.
واصدر كتابه الثاني «نقابات التعاون الزراعي» عام 1914م وفيه نبه إلي أولوية تنمية الريف ماديًا واجتماعيًا وبشريًا، وكان يؤمن أن التعليم يجب أن ترعاه الدولة وتضمن خدمته المباشرة لهدف أولوية التنتمية والتطوير، واعتُقلَ « الرافعي» مع مجموعةٍ كبيرةٍ من قياداتِ «الحزبِ الوطنيِّ» عقِبَ أزمةِ 1915م، وإعلانِ الأحكام العُرفيةِ بعد اندلاع الحربِ العالميةِ الأولى، وأُفرجَ عنه بعد عشرةِ أشهر.
وفي عام 1922م أصدر كتابًا استثنائيًا في رحلة الثقافة المصرية الحديثة آنذاك بعنوان «الجمعيات الوطنية» و أبصر فيه العلاقة بين كل من التماسك الاجتماعي والسياسي والنمو الاقتصادي.
«الرافعي» في أول انتخابات
اشترك «الرافعي» في أول انتخابات أجريت، تبعا لدستور 1923م، ورشح نفسه في انتخابات مجلس النواب وفاز أمام مرشح حزب الوفد، وشكل مع الفائزين من أعضاء الحزب الوطني المعارضة في مجلس النواب، وتولى رئاسة المعارضة بمجلس النواب على هدي مبادئ الحزب الوطني، غير أن هذا المجلس لم تطل به حياة بعد استقالة سعد زغلول من رئاسة الحكومة، ثم عاد «الرافعي» إلى المجلس مرة أخرى بعد الانتخابات التي أجريت في سنة 1925م، ولم يكد المجلس الجديد يجتمع في يوم 23 مارس 1925 حتى حُلّ في اليوم نفسه.
ظل المؤرخ «الرافعي» بعيدًا عن الحياة النيابية نحو 14 عامًا، عاد بعدها نائبا في مجلس الشيوخ بالتزكية، وبقي فيه حتى انتهت عضويته به سنة 1951م، وخلال هذه الفترة تولى وزارة التموين في «حكومة حسين سري» الائتلافية سنة 1949م.
سلسلة كتب «الرافعي» التاريخية
بدأ عبد الرحمن الرافعي تأليف سلسلة كتبه التاريخية بعد أن انسحب من الترشيح لعضوية البرلمان، فأخرج الجزأين الأول والثاني من كتابه «تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر» سنة 1929م، و في السنة التالية ألف «عصر محمد علي»، ثم أخرج سنة 1932 كتابا في جزأين بعنوان «عصر إسماعيل»، وبعد 5 سنوات أصدر كتابه «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي»، أعقبه سنة 1939م بكتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية» استعرض فيه تاريخ مصر القومي من سنة 1892م وحتى 1908م
و أخرج بعد ذلك كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية» استعرض فيه تاريخ مصر من سنة 1908 وحتى 1919م، ثم أصدر سنة 1942م كتابه «مصر والسودان» في أوائل عهد الاحتلال، تناول فيه تاريخ مصر بين سنتي 1882م وحتى 1892م وهي السنوات الأولى للاحتلال البريطاني.
وفي سنة 1946 أصدر الرافعي في جزأين كتابا بعنوان « ثورة سنة 1919» و تناول فيه تاريخ مصر القومي منذ سنة 1914م وحتى 1921م، ثم قدم بكتابه الكبير «في أعقاب الثورة المصرية» والذي صدر في 3 أجزاء بين عامي 1947م وحتى 1951 عرض فيه لتاريخ مصر من سنة 1921 وحتى 1951.
وبعد قيام ثورة 1952م، اشتركَ في إعدادِ دستورِ 1953 وعُينَ نقيبًا للمُحامِين عامَ 1954م، ثم حُلَّتِ النقابةُ بعد ذلك، وأصدر في سنة 1957م كتابًا بعنوان «مقدمات ثورة 23 يوليو 1952م »، وكتب بعده «ثورة 23 يوليو 1952م» عرض فيه لسبع سنوات من عمر مصر بين عامي 1952 وحتى 1957م.
وقدم «الرافعي» العديدُ من المؤلَّفاتِ الأخرى، ومن أهمِّها: و«أربعة عشر عامًا في البرلمان»، و«مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال»، و«شعراء الوطنية»، «مذكراتي»، «والزعيم الثائر أحمد عرابي».
اتفق المؤرخون، على أن عبد الرحمن الرافعي جمع كل ما كان يمكن توفيره من مادة معرفية أتيحت له في زمنه، وهذا الأمر جعل عمله أساسا قويًا لعلم التاريخ المنهجي في مصر والعالم العربي.
ومُنح المؤرخ المتفرد «الرافعي» جائزة الدولة التقديرية عام 1961م.
رح المؤرخ السياسي والمفكر الاجتماعي عبدالرحمن الرافعي، عن عالمنا في مثل هذا اليوم 3 ديسمبر 1966م.