«فاقد الشيء لا يعطيه».. لم تنطبق هذه المقولة على تلك الفتاة التي كسرت صمت المرأة، ووقفت في وجه تيار عقيم الفكر، فكيف لامرأة سُلبت حريتها في عصر ملئ بالعادات والتقاليد البالية، تعطى للرجل كافة الصلاحيات بينما تضع النساء في قفص منزوع الحرية، وتطفئ روحها بحكم أنها أنثى، هذه هدى شعراوي تلك الفتاة الارستقراطية التي مرت بالعديد من المحطات الصعبة، ولكنها لم تستلم للقيود وظلت معطاءه، حيث تولدت لديها روح النزعة الثورية والنضالية، من خلال دفاعها المستميت عن المرأة وحريتها، كما ظلت معتزة بكونها امرأة لها كيانها وحريتها، فمن فتاة مسلوبة الحرية والإرادة لتصبح هدى شعراوي سيدة التغير، ومن هنا يأتي السؤال كيف حولت شعراوي جسر الماضي التقليدي المقيد إلى المستقبل المتحرر؟
هدى شعراوي
ولدت هدى شعراوي في 23 يونيو 1879، في مدينة المنيا في صعيد مصر، لأسرة ارستقراطية، كان والدها محمد سلطان باشا أول رئيسًا لمجلس النواب المصري في عهد الخديوي توفيق، ووالدتها إقبال هانم تنتمي لأصول شركسية.
مرت شعراوي بالعديد من المحطات الصعبة في طفولتها بداية من احساسها بالتفرقة بين الصبي والفتاة، وكان أكثر المواقف حساسية بالنسبة لها عندما أصيبت بحمى شديدة وكان الاهتمام الأكبر يعود لأخيها خطاب وتركها مريضة وحيدة.
كما تزوجت من ابن عمها علي شعراوي وهي في الثانية عشر من عمرها، وكان يكبرها بثمانية وعشرون عامًا، تاركه طفولتها وأشيائها المحببة كعزف البيانو وزرع الأشجار، انعكس كل ذلك بالسلب عليها وأصيبت بالاكتئاب وسافرت لأوروبا للاستشفاء، ومن هناك بدأ مشوراها النضالي للوقوف بجانب المرأة.
تعرفت شعراوي في أوروبا على قيادات فرنسية نسوية لتحرير المرأة؛ الأمر الذي شجعها لتصبح مثلهم وتقف بجانب النساء، حيث كان لها دور كبير في الدفاع عن حقوق المرأة والأطفال، كما كانت من النساء المناضلات التي نادت بتحرير مصر وفلسطين من الاحتلال سواء الإنجليزي أو الإسرائيلي.
كما أسست هدى شعراوي جمعية لرعاية الأطفال العام، وإنشاء مبرة محمد علي لمساعدة الأطفال المرضى، وصاحبة "لجنة الوفد المركزية للسيدات" وقامت بالإشراف عليها، خصصت قاعة للمحاضرات النسوية بعد إقناع الجامعة المصرية.
وفي ثورة 1919 قامت بمظاهرة وقادت حركة النساء مطالبة برحيل الاحتلال الإنجليزي من مصر والإفراج عن سعد زغلول، وذلك بفضل زوجها علي شعراوي فكان من أبرز الناشطين السياسيين الذين طالبوا باستقلال مصر فأثر ذلك كثيرًا على نشاطها.
طالبت هدى شعراوي بتزويج الفتيات في عمر الـ 16 عامًا، والفتيان في عمرهم الـ 18، وشجعت على تعليم المرأة ومشاركتها في الحياة العملية سواء على المستوى المهني أو السياسي فأنشأت مدرسة "دار التعاون الإصلاحي" مستقلة لتعليم النساء، وضعت قيود للرجال بالنسبة للطلاق من طرف واحد، وكانت ضد ظاهرة تعدد الزوجات.
وتولت هدى شعراوي منصب رئاسة "الاتحاد النسائي المصري" فكانت من مؤسسيه و"الاتحاد النسائي العربي" التي كانت عضوة به، وكانت نائبة رئيسة لجنة اتحاد المرأة العالمي.
كما ساعدت طلعت حرب في إنشاء بنك مصر، وشاركت في حضور عدة مؤتمرات دولية منها: مؤتمر روما عام 1923، مؤتمر باريس عام 1926، مؤتمر أمستردام عام 1927، مؤتمر برلين عام 1927 ومؤتمر استنبول عام 1935، وأنشئت عدة مجلات منها: مجلة l'Egyptienne عام 1925 ومجلة المصرية عام 1937.
كما لها دور بارز تجاه القضية الفلسطينية، حيث نظمت هدى شعراوي مؤتمر نسائي للدفاع عن فلسطين، نادت فيه بتحرير فلسطين وطالبت بجمع تبرعات وإرسال المساعدات من الملابس والطعام والتطوع في الإسعاف والتمريض لمساعدة الفلسطينيين، واستمرت دعوتها ضد الاحتلال.
ظلت شعراوي امرأة معطاءة وشعلة النضال والكفاح لم تنطفئ لديها حتى الرمق الأخير لها، حيث رحلت الرائدة النسوية هدى شعراوي في مثل هذا اليوم 12 ديسمبر 1947م، وهي ترسل خطاب للأمم المتحدة تحتج على تقسيم فلسطين.