الثلاثاء 7 يناير 2025

مقالات

حكايات من تاريخ الثقافة في مصر

  • 5-1-2025 | 16:01
طباعة

ليس من باب التحيز، ولا من باب التفاخر أن نقول إن أصل الكتاب هو مصر القديمة، كما أن  الحضارة  المصرية قدمت للإنسانية أول شكل للكتاب يمكن حمله ونقله ونسخه كما هو الحال مع لفافات البردي، لم يكن ذلك سهلا في الحضارات القديمة، انظر أيضا  لقيمة الكتاب في الحضارة المصرية،  يقول الحكيم المصري   «دوا- خيتي»، وهو يسدي نصيحة إلى ابنه «بيبي»، أثناء مرافقته في رحلته إلى المدرسة، قال له «يا بُني.. لا يوجد ما هو أثمن من الكتاب، وعليك أن تحبه كأمك».

لقد كانوا يحثون صغارهم على  أن يكونوا كتبة فيقولون لهم "إنك تسير بحرية في الطريق ولن تكون ثورا يقوده الآخرون، إنك في مقدمة الآخرين كلهم"، في أي حضارة كان يمكن أن يحدث ذلك إلا في الحضارة التي اعتنت بالكتابة اعتناءها بالحياة والموت وما بعد الموت، فظهر كتاب (الخروج إلى النهار) المسمى أيضا (كتاب الموتى) ولم يكن الكتاب لفظا معروفا في أي حضارة، ولم تقم الحضارة المصرية بتنظيم معارض للكتب فالمكتبات عرفت على نطاق واسع صحيح يبدأ من مكتبة داخل جرة، لأن الكتب كانت عبارة عن لفافات، ومكتبة داخل معبد ومكتبات البيوت والمعابد، ومكتبات الملوك،  لأن أغلب أوراق البردى كانت أوراقا إدارية، أو أوراقا تطلب خاصة في مكتبات الأمراء والطبقة العليا في المجتمع، كان الكتاب من القداسة أن لا يترك للعامة، وكان من يشتغل بالكتابة له شأن عظيم في المجتمع، ويقول محمد الحسن " ويكشف ستيبتشفيتش  مؤلف (تاريخ الكتاب) أن عددًا نادرًا من الأشخاص في مصر القديمة كان لديهم مكتبة خاصة، وحتى هذه كانت تحتوي على قدر متواضع من الكتب. أما لماذا هذه الندرة في عدد المكتبات إذن في مصر القديمة؟ يجيب ستيبتشفيتش بأن هذا راجع إلى الإنتاج المحدود للكتاب، وعدم تطور تجارة الكتب، بالإضافة إلى حصر الكتابة على الكهنة والطبقة البيروقراطية. ويلفت النظر أخيرًا إلى أنه باستثناء ما كان في حوزة بعض الأفراد، فإن الكتب كانت تُحفظ في المعابد، أو في المدارس التابعة لتلك المعابد، ثم في قصور الحكام".

إن الدراسة الأنثروبولوجية لمهنة الكتابة في المجتمع المصري ستكشف الكثير عن خفايا هذا المجتمع الذي امتد تاريخه إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، الحضارة التي كان لها  حوالي 800 إله كان منها مجموعة من الآلهة للحكمة والكتابة هي  الإلهة سشات وهي إلهة الحكمة والمعرفة والكتابة في مصر القديمة، والإله نحوت إله الحكمة.

معنى معارض الكتب

إن المعنى الكلي لمعرض الكتاب أنه احتفال حيث تتاح الفرصة للمؤلفين والقراء وبائعي الكتب للالتقاء في مكان حيث يكون الأدب هو محور الاهتمام، وحيث يتم توقيع الكتب، وإلقاء المحاضرات، والترويج للأخبار، وفي بعض الأحيان يتم إنجاز الأعمال المتعلقة بتجارة الكتب، وتوقيع العقود بين الناشرين والمؤلفين، وتعتبر هذه المعارض مساحات لتشجيع القراءة، وتنوع الكتب (مصطلح يشير إلى التنوع الضروري للأصوات التي يتم الترويج لها، وخاصة من خلال الناشرين المستقلين الصغار)، وأماكن يمكنك فيها اكتشاف الاتجاهات في القطاع، من خلال لقاءات بين المؤلفين وقرائهم. ولا ننس أيضًا أنها أحداث تحرك أموالا ضخمة داخل الصناعة.

ربما علينا أيضا أن نحدد ثانيا  معنى المصطلح  الخاص بمعرض الكتاب، بما أنه نشاط ضخم في الحضارة الغربية، فهل هو سوق للكتب  Book Fair أم هو معرض للكتب Book Exhibition  أم هو مهرجان للكتب Book Festival فالثلاثة مصطلحات مختلفة في مفهومها،  فالأول يعني سوقا لبيع الكتب، والثاني هو احتفالية بالكتب والمؤلفين وليس مكانا لبيع الكتب وشرائها، والثالث مهرجان الكتب يمكن أن نجد فيه كل شيء من بيع وشراء لندوات واحتفالات وقد يحتوي على أشياء غير الكتب، ومعارض الكتب لا تتعلق فقط بالناشرين، بل يمكن للمكتبات الجامعية والمدرسية  والعامة إقامة معارض للكتب، وعلى سبيل المثال فالولايات المتحدة تقيم معرضا للكتب  للمكتبات المدرسية كل عام، هذا العام تشارك فيه 75 ألف مدرسة. والمكتبات العامة والجامعية في مصر تقيم معارض كثيرة سنويا، لقد حضرت معارض في جامعات عدة، وفي مكتبات مصر العامة وغيرها. أما المحافظات في مصر فحدث ولا حرج، تقريبا ليس هناك أقل من 10-15 معرضا للكتب سنويا في العديد من المحافظات المصرية.

تاريخ معارض الكتب

لألمانيا السبق في معارض الكتب (التجارية) على مستوى العالم، بمعرضيها في لايبزج وفرانكفورت كما أن لها السبق في إنشاء دور النشر والعلوم المتصلة بها ومنها الكتب والنشر والمكتبات، وربما يعزى ذلك لإنشاء جوتنبرج لأول مطبعة متكاملة في التاريخ الإنساني على الحدود بين ألمانيا وهولندا، ويتمتع معرض فرانكفورت للكتاب بتقليد يمتد لأكثر من 500 عام. قبل ظهور الكتب المطبوعة، كان المعرض التجاري العام في فرانكفورت هو المكان المخصص لبيع الكتب المكتوبة بخط اليد ، على الرغم من عدم توثيق تاريخ تأسيس معرض فرانكفورت للكتاب رسميًا، إلا أنه تأسس بالتأكيد بحلول عام 1462، وهو العام الذي نقل فيه الطابعان يوهان فوست وبيتر شوفر، اللذان تولا عمليات طباعة جوتنبرج بعد نزاع قانوني، عملياتهما إلى فرانكفورت.  وبعدها أصبح المعرض بمثابة النقطة الأساسية لتسويق الكتب، ولكنه أصبح أيضًا مركزًا لنشر النصوص المكتوبة. أثناء الإصلاح الديني ، حضر المعرض التجار الذين يختبرون السوق بحثًا عن كتب جديدة والعلماء الذين يبحثون عن المنح الدراسية المتاحة حديثًا. 

مصر قبل معرض الكتاب الدولي

مع دخول المطبعة مصر في نهاية القرن التاسع عشر،  بدأ محمد على في استحداث كثير من الدواوين والقيام بالكثير من أعمال الترجمة لوضع مصر على خط التحديث، أما عن فكرة إنشاء معرض للكتاب في مصر المعاصرة ليست فكرة تعود للستينيات، إذ كانت هناك محاولات سابقة في العهد الملكي ـ ووفقا لما جاء فى كتاب "تاريخ الطباعة في الشرق العربي" للدكتور خليل صابات  في الجزء الخاص بالمطبعة في الجمهورية العربية المتحدة وأيضا لما أشار إليه فإن أقدَم إشارة لمعرض وطني للكتاب فى مصر تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، حيث فكر  بعض التجار فى الإسكندرية في إقامة معرض وطني في أوائل 1893م، فمولته الحكومة بألف جنيه ودفعت بلدية الإسكندرية 400 جنيه، وافتتح المعرض في 22 أبريل 1894م، وكان معرضا للمطبوعات عموما وليس للكتب فقط.

 فيما أقامت وزارة المعارف معرضا للكتاب العربي في 30 يونيو عام 1946، بدار الجمعية الزراعية الملكية بالجزيرة لمدة أسبوع، وكان الغرض من إقامته التعريف بعدة أمور ، منها: تطور حركة التأليف من بداية النهضة الحديثة حتى وقت المعرض، وتطور الطباعة منذ إنشاء مطبعة بولاق، ولم يكن للمعرض غرض تجارى، بل كان عرضا لتاريخ الكتاب العربى المطبوع من بداية الطباعة حتى عهد الملك فاروق، كأنه متحف مؤقت لعرض تاريخ الطباعة وافتتحه وزير المعارف العمومية وقتها. 

كذلك أقامت وزارة المعارف فى 20 فبراير عام 1948م، معرضا للكتب المطبوعة، وهو معرض ملحق بمهرجان الشباب الأدبى وكان مقره بدار خدمة الشباب – شارع سليمان باشا (طلعت حرب حاليا) – واستمر المعرض عشرة أيام.
 

وفى 19 نوفمبر 1949 أقامت دار الكتب معرضًا للكتاب بمناسبة مهرجان محمد على الكبير، عرضت فيه كتبا عن حياة محمد على بالعربية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وعرضت فيه أوائل مطبوعات مطبعة بولاق فى مختلف العلوم، أقيم المعرض فى الطبقة العليا من مبنى دار الكتب بباب الخلق.

 كما كانت تقام أيضا معارض إقليمية لتقريب الكتاب لغير مرتادى القاهرة، ففى العام نفسه أقامت دار المعارف معرضًا لكتبها تحت إشراف مؤسسة الثقافة الشعبية، الأول فى مركز طنطا الثقافى بدأ فى 1 ديسمبر واستمر عشرة أيام، والثانى فى المنصورة بدأ فى 15 يناير 1950 واستمر أسبوعًا.

وفي أكتوبر سنة 1963 أقيم أسبوع الكتاب العربي الأول في القاهرة، وكان المعرض يسمى في تلك الفترة بـ "مهرجان الكلمة العربية" أو "عيد الثقافة".

مصر ومعرض القاهرة الدولي للكتاب

هناك مقولتان بتاريخين متضادين حول من صاحب فكرة  إنشاء معرض الكتاب الدولي بالقاهرة:

الأولى تقول إن فكرة إنشاء معرض دولي للكتاب ترجع إلى الفنان والأكاديمي عبدالسلام الشريف (مؤسس المعهد العالي للنقد والتذوق الفني ورائد فن الإخراج الصحفي، التي تقدم بها إلى وزير الثقافة الأشهر ثروت عكاشة والذي أشار إلى  احتفالية القاهرة بمرور ألفية كاملة على تأسيسها مما يتطلب معه إنشاء معرض دولي للكتاب بالقاهرة يؤكد على حضارتها وانتصارها  للثقافة، وبالفعل تبنى الدكتور ثروت عكاشة الفكرة وأرسل مندوب وزارة الثقافة آن ذاك الأستاذ إسلام شلبي إلى ألمانيا  (عميدة معارض الكتب في العالم) بعد أن أجرى اتصالاته بسوق الكتاب الدولي في مدينة لايبزج لإقامة معرض دولي للكتاب في مصر على غرار ما يحدث في ألمانيا، والسبب في أنه عهد إلى الكاتبة والناقدة والمترجمة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أولى دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب  فيعود إلى أنها كانت تعمل رئيسا لمجلس إدارة  الهيئة العامة للكتاب في ذلك الوقت، وهكذا تم افتتاح المعرض مساء 22 يناير عام 1969.

فيما تقول جريدة الأهرام في ملحق لها صادر عام 1968، إنه خلال نهايات 1968 جرت اتصالات دائمة بين هيئة المعارض والمؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر (قبل تحويل اسمها إلى الهيئة العامة للكتاب)، لتنفيذ الاقتراح الذي جاءت فكرته عقب حرب يونيو وتقدمت به الدكتورة سهير القلماوي رئيسة مجلس إدارة المؤسسة بإقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفى 22 من يناير من عام 1969 كان اليوم الأول للمعرض.  وتقول دعاء  جلال (2020) متفحصة ملحق الأهرام يوم إعلان افتتاح  المعرض أنه في هذا اليوم، صدرت «الأهرام»، ومعها ملحق بعنوان «معرض القاهرة الدولي للكتاب ملحق خاص يوزع مجانا مع العدد اليومي» مكون من 6 صفحات، وجاءت الصفحة الأولى من الملحق بعنوان «يوم الكتاب العربي»، وملحق بعناوين فرعية كانت: «كلمة للدكتور ثروت عكاشة في مناسبة افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب: الكلمة المكتوبة أدت دورا مضيئا ومشرفا في كل مراحل النضال الوطني المصري» و«مناقشات واسعة للناشرين حول: إخراج الكتاب ونشره وحماية المؤلف والقارئ». وصاحبت هذا الموضوع صورة للدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها، وبدأ الموضوع: «وجه الدكتور ثروت عكاشة كلمة فى مناسبة يوم الكتاب العربي، تحدث فيها عن دور القاهرة الثقافي والحضاري، ودور الكلمة المكتوبة فى مراحل النضال الوطني. وقال إن إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب حدث ثقافي مهم، يجب أن تتكاتف كل الجهود من أجل الاستفادة منه خدمة للقارئ والقضايا العربية». وفى الصفحة نفسها، ورد موضوع عن كلمة الدكتورة سهير القلماوي، كان عنوانه «الكتاب والمعرض وأحلام الناشرين»، وجاء في مقدمته: «قالت الدكتورة سهير القلماوي رئيسة مؤسسة التأليف والنشر إن معرض القاهرة الدولي للكتاب يعتبر حدثا مهما لأنه أول معرض دولي للكتاب يقام في المنطقة، وهو يدل على أن رسالة الكتاب العربي تتطور مع تطور رسالة الكتاب في العالم كله، حيث لم يعد الكتاب سلعة خاصة ولم يعد تسلية أو ترفا».

سور الأزبكية كمعرض دائم للكتب

كما لعب سور الأزبكية دورا مهما كمعرض وسوق للكتب طول الوقت، ويقول بدر محمد (2016) أن بدايات السوق تعود إلى أوائل القرن العشرين، عندما كان باعة الكتب الجائلون يمرون على المقاهي المنتشرة في ذلك الوقت لبيعها للرواد، ثم يستريحون في فترة الظهيرة عند سور حديقة الأزبكية بوسط القاهرة، وكان نصف السور الأسفل من الطوب الأحمر، والأعلى من الحديد المتشابك.

وحديقة الأزبكية أنشأها الخديو إسماعيل باشا في سبعينيات القرن الـ19، بالقرب من دار الأوبرا الملكية بحي العتبة، وجلب لها أشجارا ونباتات زينة نادرة من عدة دول أوروبية، لكي تصبح مزارا سياحيا، يتوافق مع رغبته في جعل مصر قطعة من أوروبا. وبدأ زوار الحديقة ومحبو الكتب يتوافدون على هؤلاء الباعة، الذين يأتون وقت الظهيرة، حتى عرف المكان بأنه سوق الكتب زهيدة الثمن، وفي فترة الأربعينيات وافقت حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا على منح هؤلاء الباعة تراخيص رسمية، لتحميهم من مطاردة شرطة البلدية.

وعقب حريق الأوبرا الخديوية القديمة عام 1981، قررت محافظة القاهرة بناء "جراج" متعدد الطوابق لانتظار السيارات مكان دار الأوبرا القديمة، وزاد الأمر سوءا بالحفر أسفل سور الأزبكية لإنشاء خط سير "مترو الأنفاق" في التسعينيات، وهو ما أدى إلى إزالة السور بالكامل، وإغلاق المكتبات لفترة.

قاد المثقفون والصحفيون حملة إعلامية لإعادة اهتمام الدولة بمكتبات سور الأزبكية كأحد معالم القاهرة الثقافية، مما أدى إلى تخصيص الهيئة المصرية العامة للكتاب أحد الأجنحة المفتوحة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لعرض كتب سور الأزبكية، منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن. كما شيدت محافظة القاهرة 132 محلا صغيرا لبيع الكتب في مكان السور القديم، لكنها فتحت المجال أمام بيع منتجات أخرى غير الكتب، وأظن إن ذلك خطأ كبير، لأنه في كل عاصمة من عواصم العالم يخصص مكان كسوق مفتوحة لبيع الكتب، والكتب النادرة، مع وجود مظلات لذلك.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة