يعتبر «سور الأزبكية» بالنسبة لمعرض القاهرة الدولى للكتاب بمثابة الوصيف المصاحب لعرس الثقافة الذى يقام فى يناير من كل عام، وإن كان السور ومكتباته الصغيرة يعتبر على مدار العام معرضا دائما للكتاب لا تغلق أبوابه بأى حال من الأحوال، كما تمثل مكتباته المكدسة بالكتب معلما ثقافيا مهما من معالم أسواق الكتب القديمة والنادرة وأبرزها فى العالم، وله حضوره القوى والأصيل فى حقل الثقافة وبيع الكتب فى مدينة القاهرة منذ نشأته عام 1933، وتاريخ المنطقة التى يشغلها أمام مسرح العرائس والتى كانت قائمة فى منطقة الأزبكية وسط القاهرة معروف، وهو المكان القريب من بعض المعالم الأثرية المهمة فى المدينة.
حيث كانت تحيط بها بعض القصور الملكية خاصة قصر عابدين الكائن جنوب المنطقة، والأثر القديم لمبنى أوبرا القاهرة (1969 – 1971) الذى كان مقاما فى مواجهة الحديقة مباشرة فى نفس الميدان، وحول الموقع التاريخى للمنطقة يقول المقريزى فى خططه أن الأزبكية (وهى المنطقة التى ينتسب إليها السور) كانت بستانا كبيرا غربى الخليج المصرى، يمتد بين المقسد – حارة النصارى بشارع كلوت بك حاليا – وقنطرة باب الخلق، وكان البستان فى هذا المكان يشرف على بحر النيل من جهة الغرب، وترجع الأزبكية فى تسميتها إلى الأمير أزبك الخازندارى، الذى يصفه ابن أياس فى ترجمته بأنه كان من "أجل" الأمراء قدرا وأعظمهم ذكرا، وكان من معاتيق الظاهر جمقمق، ويقال أن أصله من مماليك الأشرف برسباى، أحد ملوك دولة الجراكسة، وقد اشتراه الظاهر جمقمق من بيت المال ثم أعتقه فصار من معاتيقه. وهو الذى أنشأ الحديقة وجملها، حيث أقام وسطها بركة جميلة تختال فيها قوارب للنزهة فى هذا المكان الساحر، وجلب لها مجموعة من الأشجار والنباتات النادرة، وبنيت حولها الكثير من القصور والمبانى التاريخية المعروفة مثل فندق "شبرد" وغيرها من المبانى الأثرية السياحية المعروفة الموجودة حتى الآن فى المنطقة.
بدايات سور الأزبكية
وتعود البدايات الأولى لـ "سور الأزبكية" إلى أوائل القرن العشرين عندما كان الباعة الجائلون يمرون على المقاهى والبارات لبيع الكتب القديمة لروادها، ثم يركنون إلى حديقة الأزبكية لأخذ قسط من الراحة فترة القيلولة بجانب سور الحديقة الممتد قريبا من ميدان العتبة، وأثناء فترة الراحة كان بعض المارة كثيرا ما يتصفحون ما تبقى لديهم من الكتب، بل ويقوم بعضهم بشراء المتبقى لديهم إذا وافق هواه، من هنا تحّول الباعة من التجوّل بالكتب إلى عرضها أمام سور الحديقة الذى ازدحم بمرور الوقت بالباعة والزبائن من كافة المثقفين، وبمرور الزمن تشكلت مكتبات باعة الكتب الصغيرة على النمط المعروف. واستقر سور الأزبكية كمعرض كتاب دائم فى الوجدان الثقافى لأجيال متوالية نهلت من مكتباته أشهر الكتب وأندرها بأثمان زهيدة أغنتهم عن المكتبات الكبيرة القابعة وسط القاهرة، ولا شك أن الموقع الأصيل لسور الأزبكية الواقع فى مكانه الأصلى كان موقعا متميزا مر به كبار المثقفين والساسة ورموز الأدب الحديث أمثال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقى وغيرهم كثيرون من كبار الأدباء والكتاب والمثقفين. كما كان يرتاده أيضا الكثير من الأدباء والكتّاب العرب والأجانب أثناء زيارتهم لمصر.
شارع النبى دانيال بالإسكندرية
ويعتبر سوق الكتب القديمة فى الإسكندرية العاصمة الثانية مزارا يوميا لهواة اقتناء هذه الكتب، والباحثين عن الثقافة والأدب من سكان الإسكندرية والوافدين إليها من خارجها خاصة من يقومون فيها بزيارة مكتبتها الشهيرة بمنطقة الشاطبى القريبة من شارع النبى دانيال، ومكتبات سور الكتب بشارع النبى دانيال تقع مباشرة أمام المركز الثقافى الفرنسى، كما يوجد عدد قريب منها أيضا من المراكز الثقافية المهمة مثل أتيليه الفنانين والكتاّب، ومكتبة البلدية، ومتحف الفنون الجميلة بشارع منشا، والمركز الثقافى الأمريكى، وبيت كفافيس شاعر الإسكندرية الكبير، والمراكز الثقافية لكل من بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا، مما أعطى هذا الشارع تميزا، وموقعا ثقافيا مهما وسط هذه المراكز الثقافية والأدبية المهمة، وقد أقامت محافظة الإسكندرية لباعة الكتب القديمة بشارع النبى دانيال سورا طويلا من الأكشاك المتميزة المنظمة على غرار ما هو موجود على سور السين بمدينة باريس، يمتد بطول الشارع الموصّل من محطة الرمل إلى ميدان محطة مصر، نظم هذا السور بطريقة حديثة، وحظى بشكل أصبح معه شارع النبى دانيال وكأنه مكتبة ثقافية عريقة من مكاتب الكتب فى ثغر الإسكندرية، كما مثل بشكله الحالى ملمحا من الملامح السياحية الثقافية التى يؤمها المثقفون السكندريون، وزوار المدينة من المدن المختلفة خاصة فى فصل الصيف، وهو امتداد طبيعى لسور الأزبكية القاهرى ويقوم تجار الكتب القديمة فى هذا الشارع بالمشاركة كل عام فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وأسماؤهم معروفة فى هذا الإطار.
وكان باعة الكتب القديمة فى هذا الشارع شبه مطاردين من شرطة الإزالة بصفة مستمرة بسبب عشوائية تنظيم الشارع ووضعهم بين الباعة الجائلين الذين كانوا منتشرين فى هذا الشارع العريق الذى يضم بعض المزارات الدينية المعروفة مثل مسجد سيدى عبد الرازق ومسجد نبى الله دانيال حتى أقيمت لهم هذه الأكشاك مما منح شارع النبى دانيال تميزا ثقافيا مهما فى ثغر الإسكندرية، وأصبح مثقفى الإسكندرية ومن حولها يعثرون على بغيتهم من الكتب والمراجع المختلفة فى هذا المكان فى سهولة ويسر، إلا أن الجديد فى الموضوع أن بائعى الكتب القديمة فى شارع النبى دانيال قد قرروا بعد ثورة 25 يناير، وتمشيا مع روح الثورة والعصر الجديد التى تسير فيه الحياة فى مصر بصفة عامة وفى الإسكندرية بصفة خاصة تطوير وضعيتهم على أرض الثقافة بالإسكندرية، عن طريق عمل رابطة لهم تنظم عملهم وتدافع عن حقوقهم ومطالبهم المشروعة فى ترويج الكتاب فى ساحة الأدب والثقافة مما ينعكس على وضعية الثقافة بالإسكندرية ومطالب الأدباء فى نشر الوعى بالكتاب والاهتمام بالقراءة بين النشء، وقد تشكّل بالفعل مجلس إدارة مؤقت لهذه الرابطة من عدد من الأعضاء المؤسسين قارب من المائة عضو، وتم انتخاب حسين سلمان رئيسا للرابطة، ومصطفى الأمين نائبا للرئيس، وعلى على سكرتيرا عاما، وحمدى حسين أمينا للصندوق وعدد أخر من الأعضاء المؤسسين كنواة لمجلس إدارة مؤقت، والرابطة فى هذا الوقت بسبيل عمل الإجراءات الخاصة بالإشهار، كما أنها بسبيل عرض الأمر على عدد من مثقفى الإسكندرية وأدبائها للانضمام إلى هذه الرابطة كنوع من دمج الثقافة بالحراك الثقافى والأدبى الكائن بالمدينة، كما أنهم قاموا بتأجير شقة فاخرة فى حى العطارين لعمل نشاط ثقافى يليق بمهنتهم يشارك فيه مبدعى ومثقفى الإسكندرية بندوات وأنشطة ثقافية مختلفة تضاف إلى ما تقوم به هيئة قصور الثقافة ومكتبة الإسكندرية ومركز الإبداع القريب من باعة الكتب، ويعتبر أول نشاط للرابطة هذه الأيام هو إقامة معرض للكتب القديمة بكلية الطب بالتعاون مع طلاب الكلية أفتتح فعلا يوم الأحد الماضى الموافق الثامن من مايو بمقر الكلية.
وتأمل رابطة باعة الكتب القديمة بشارع النبى دانيال من المسئولين بالإسكندرية مد يد العون إليها لإتمام هذا المشروع الثقافى الذى تأمل فى أن يؤمن لباعة الكتب القديمة حياتهم كما يدفع بالحركة الثقافية إلى الإمام فى ظل الثورة المجيدة التى مضى عليها الآن حوالى مائة يوم أنجزت فيها العديد من المشاريع والتحولات الكبيرة التى جعلت مصر قبلة العالم الآن.
فى العواصم العربية
وعتبات الكتب القديمة والنادرة وأسوارها وأرصفتها الممتدة فى شوارع العواصم العربية والعالمية المختلفة لها مزارات شبه يومية لهواة القراءة والثقافة، والباحثين عن الكتب القديمة النادرة، والعناوين القديمة والحديثة للموضوعات الثقافية بكافة أنواعها الأدبية والفنية والسياسية والدينية وغيرها من كافة الثقافات المتنوعة، ففى شارع الحمراء فى بيروت، وبعض شوارع دمشق، وشارع المتنبى فى بغداد، وأسوار بيع الكتب فى كل من الجزائر وتونس والدار البيضاء والرباط بالمغرب، وعمّان فى الأردن، والرياض فى المملكة العربية السعودية، ومفروشة الكتب كما يسميها باعة الكتب فى الخرطوم، كل هذه الأماكن تتبنى أرصفة بيع الكتب القديمة بأسعار زهيدة يقبل عليها محدودى الدخل وحتى القادرين على الشراء بأسعار عالية بغية الحصول على النادر والمطلوب من الكتب الثقافية والأدبية والسياسية والعلمية والفنية.
وتتخذ مكتبات الرصيف فى العالم العربى أشكالا مختلفة تعبّر عن حالات ومحطات تاريخية، وثقافية، وإنسانية تعرف بها شوارع وأماكن وأسواق الكتب القديمة فى المدن العربية، ومن ثم أخذت شهرتها تنتشر فى جميع أنحاء العالم، وقد اكتسبت هذه المكتبات مكانتها الثقافية المعروفة فى مصر والعالم العربى من خلال الموقع المتصل بالجماهير المارة بالسوق فى الذهاب والإياب وعرض الكتب والثقافة بطريقة جاذبة للجماهير العاشقة للقراءة والاطلاع والبحث عن كل جديد فى المجال الثقافى فى تنوعه المعروف، وهى أسوار وعتبات لبيع الكتب القديمة تضاهى فى شهرتها ومزاراتها الأسوار الشهيرة للكتب القديمة فى العالم مثل سور نهر التايمز، وأرصفة الهايد بارك فى لندن، وسور نهر السين فى فرنسا، وسنترال بارك فى نيويورك، والفان هاوس فى مدينة شتوتغارت الألمانية وغيرها من أسوار بيع الكتب القديمة الشهيرة فى العالم.
كما اكتسبت هذه الأسواق أيضا شهرتها من اهتمام كبار الكتّاب والباحثين والكثير من القراء ورواد هذه المزارات الثقافية المهمة وبحثهم الدائم عن العناوين القديمة والكتب النادرة الحاملة لعبق التراث الثقافى الإنسانى القديم والنادر، كما أنها تشكّل أحد أهم معالم الذاكرة الأدبية والثقافية فى ثقافات العالم الأدبية والعلمية والفنية، حيث يجد الأدباء والمثقفين والباحثين عن متعة الثقافة بغيتهم من الكتب النادرة الحاملة للتراث الثقافى الإنسانى وأهم المراجع المرتبطة به، كما تنشط فيها أحيانا تجارة المخطوطات، وكل ما يرتبط بشأن الكتاب والثقافة الأدبية والعلمية والفنية، وتعتبر هذه المزارات من أهم السياحات الثقافية التى يؤمها كثير من المهتمين بهذا الشأن. فمن بسطات الكتب إلى الأكشاك، والعربات، والرفوف الخشبية المقامة فى هذه المزارات، والأسواق الثقافية التى تعتبر زادا مهما للثقافة والمثقفين فى المدن العربية، ففى تونس تباع الكتب القديمة والمستعملة فى منطقتى "نهج إنجلترا"، و"نهج الدباغين"، على قارعة الطريق وفى ساحات العاصمة، وفى العاصمة السودانية الخرطوم يعتبر مزار "مفروش" وهو الاسم الذى يطلق على مكان الكتب المرتجعة والقديمة التى تباع فى هذا السوق الثقافى العريق بأسعار زهيدة، وتنتشر كتب الرصيف وتجارة المرتجع من هذه الكتب التى تركها أصحابها بعد أن أفنوا حياتهم وأوقاتهم فى اقتنائها خاصة مكتبات كبار الأدباء والكتّاب التى تباع على الأرصفة بعد رحيل أصحابها، والتى لا زالت إهدائاتها تعلوا صفحاتها الأولى وتمثل هذه الكتب ثروة ثقافية وفكرية نادرة، وتصل بعض الكتب التى عليها إهداء كبار الكتاب أثمانا كبيرة. ولا تخلو أى مدينة عن مزارات بيع الكتب القديمة نجدها فى شارع الصحافيين فى تركيا فى الشق الآسيوي من مدينة إسطنبول، وبمحازاة منطقة الروشة من حى الحمراء فى لبنان، وكذلك فى شارع كولج المعروف باسم "مستعمرة الكتب" فى كلكتا بالهند، ثم تجربة مدينة حلب السورية فى ساحة سعد الله الجابرى، ومدينة حمص.. ومدينة اللاذقية وكتبها التى تباع على الأرصفة، كذلك هناك أسواق خاصة للكتب التى تباع فى سيارات فقد انتشرت هذه التجربة فى بعض المدن الكبيرة، وفى مدينة مسقط فى عمان تعتبر تجربة "المعرض الخيرى للكتب" تجربة مهمة وثرية للغاية يجب أن تعمم فى باقى الدول العربية لأهميتها وطبيعتها الإنسانية والثقافية، إذ تقوم جماعة نظم المعلومات التابعة لكلية التجارة بجامعة السلطان قابوس بالإعلان عن التبرع بالكتب لبيعها بأثمان رمزية والتبرع بعائدها إلى الجهات الخيرية فى عمان، وقد انطلقت شرارة هذه الفكرة عندما قرر مجموعة من الطلبة إنشاء فريق لنشر القراءة عبر تبادل الكتب، واقترحت إحدى الطالبات أن يقام معرض للكتب المستعملة يذهب ريعه إلى جهات خيرية، وبالفعل بدأت الفكرة تخطو خطواتها بجرأة وشجاعة وأقبل على هذه الفكر جهات كثير داخل السلطنة وخارجها.
شارع المتنبى فى بغداد
ومن أبرز المزارات العربية لبيع الكتب القديمة وأهمها مزار "شارع المتنبى" الذى يقع على ضفاف نهر دجلة فى جانب منطقة الرصافة وسط العاصمة بغداد فى العراق، وهو حالة خاصة من مزارات أرصفة بيع الكتب النادرة والقديمة والمخطوطات، وعلى مدار سنين طويلة ظل هو المركز الثقافى الأبرز فى العراق، ويشتمل شارع المتنبى إضافة إلى أرصفته الحاوية لهذا الكم الكبير من الكتب المتناثرة على أرصفة الشارع بطريقة عشوائية دور نشر أقامت مكاتبها ومكتبات عرض كتبها داخل الشارع بطريقة لافتة ومنظمة وهو يشبه إلى حد كبير سوق الأزبكية فى القاهرة، ومن مكتبات شارع المتنبى: مكتبة المثنى، والمكتبة العصرية، ومكتبة النهضة، ومكتبة البيان، والمكتبة الأهلية، والمكتبة العلمية، ومكتبة الزوراء، والعديد من المكتبات، ومن معالمه المهمة؛ مقهى الشابندر التى تعتبر ملتقى المثقفين والأدباء والصحفيين يتواجدون فيها خاصة فى يوم الجمعة الذى له مذاق خاص فى الطقوس الثقافية لشارع المتنبى حيث تحتفى الكتب والمطبوعات بعشاقها المتوافدين للشراء وقضاء الوقت المعرفى والثقافى والجمالى. ونظرا لأهميته الثقافية تعرض شارع المتنبى إلى انفجار كبير عام 2007 من قبل الجماعات الظلامية أطاح بالمكتبات والكتب وقتل وجرح عددا من أصحاب الأكشاك ومرتادى الشارع من المثقفين، ونظرا لأهميته الثقافية على المستوى القومى أعيد ترتيبه بطريقة حديثة وعاد شارع المتنبى يمارس حياته الثقافية والاجتماعية مرة أخرى، وقد قمت بزيارة شارع المتنبى فى إحدى أيام الجمع فى شهر يناير عام 2016 أثناء حضورى مؤتمر السرد الأول دورة "غائب طعمة فرمان" وشاهدت على الطبيعة هذا الأثر الثقافى الذى ذكرنى بسور الأزبكية فى القاهرة فى طبعته الأولى حين كان يحتل منطقة الأزبكية وقبل نقله إلى مكانه الجديد وسط منطقة العتبة.
النموذج الفرنسى لسور الأزبكية
وفى فرنسا وعلى ضفتى نهر السين تجذب أكشاك الكتب القديمة المتناثر على ضفتى النهر السياح والمثقفين الذين يؤمون هذه الأماكن لاقتناء الكتب القديمة النادرة وهى عبارة عن مكتبات صغيرة يملكها أناس يعرفون منذ القرن 18 بـ "باعة الكتب القديمة"، أو "باعة الكتب للفقراء"، أو "حراس روح باريس"، وتعتبر تلك الفئة هى المحرك الرئيسى لباعة الكتب المستعملة والقديمة فى مدينة النور باريس، وتقول (أوليفيا بولسكى) نائبة رئيسة بلدية باريس الاشتراكية أنهم يبحثون عن متخصصين فى تسويق الكتب من أجل الحفاظ على استمرار أكبر مكتبة فى الهواء الطلق فى العالم، كما تقدّم بائعو الكتب بطلب الانتساب إلى التراث العالمى غير المادى لليونسكو. ويقول أحد باعة الكتب هناك ويدعى كاليه "نحن رمز رئيسى فريد من نوعه فى العالم منذ 450 عاما. ولا تكتمل زيارة باريس من الباحثين عن المتعة السياحية والفنية والثقافية فى أى فصل ما لم ييمم الزائر شطر ضفتى نهر السين اللتين أدرجتهما منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمى واللتين تمتدان بنحو ثلاث كيلومترات من جسر مارى أو "بون مارى" إلى رصيف متحف اللوفر يمينا، ورصيف "لاتورنال" إلى رصيف فولتير يسارا، وإذا كانت هاتان الضفتان تطلان على أجمل مناظر النهر التاريخى، فهما تجذبان جموع السياح على اختلاف مشاربهم، وهواياتهم أيضا بأكشاكهما المميزة واللافتة للإنظار، وهى ما يطلق عليها "الصناديق الخضراء" التى هى عبارة عن مكتبات صغيرة يمتلكها أناس يعرفون منذ القرن الثامن عشر بباعة الكتب القديمة، وهم الذين أطلق عليهم تسمية "البوكونيست"، وهو اللقب الذى ميزهم عن غيرهم من فئات الباعة الآخرين، وقد ظهرت هذه التسمية للمرة الأولى فى قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1762، ويدل على الأشخاص الذين يشترون ويبيعون الكتب القديمة، وقد أصبحت تلك الفئة من رموز "السياحة" الثقافية الفرنسية ووجها مشرقا من وجوه باريس فى الثقافة والتراث. كما أنهم يشكلون حيزا حيا ومهما من مشهد الحى اللاتينى المعروف بـ "فضاء" الثقافة والأدب والنشر، ولا تكمن فرادة هذه الأكشاك فقط فى كونها تضع فى متناول الزوار كتبا قديمة ونادرا بعضها يعود إلى عصر الاستشراق وزمن الرحلات الذى كان يقوم بها الرسامون الغربيون إلى الشرق، بل فى تمثيلها أيضا طقسا رائعا من طقوس بيع الكتب، وتقليدا بات نادرا، وفى بعض الأحيان يمكن أن يتمكن الزائر من الحصول على كتب ثمينة وتحف صغيرة لا تتوافر فى أى مكتبة أو محل لبيع الأشياء القديمة مثل المجلات القديمة العتيقة والبطاقات التذكارية والصور والخرائط وطوابع البريدية النفيسة والتماثيل الصغيرة والمحفورات التى تمثل برج إيفل وكاتدرائية نوتردام وقوس النصر ومتحف اللوفر ومونمارتر وغيرها من التحف التذكارية التى تذكر السائح بزيارته الجميلة والرائعة للعاصمة الفرنسية باريس.