في أروقة التاريخ وإشراقة الحضارة، تتلألأ صور «نساء الإسلام» كنجومٍ سطعت في سماء الإيمان والعطاء، خلدهن إيمانهن و مواقفهن القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركن أثرًا كبيرًا محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق.
ومع بوابة «دار الهلال» في أيام شهر رمضان الكريم لعام 1446 هجريًا نقدم كل يوم حلقة من سلسلة «نساء في الإسلام» لتأخذنا إلى عمق النفوس، حيث تتجسد شجاعة المرأة وعزمها في مواجهة تقلبات الزمان، في كل حلقةٍ، نكتشف حكاياتٍ نسجت بخيوط العزيمة والإيمان، رسمت بمسحاتٍ من النور ملامح الحضارة الإسلامية هنا، يتلاقى الجمال الروحي مع القوة الإنسانية، وتنبثق من رحم التحديات أروع معاني التضحية والكرامة، لتكون المرأة ركيزة لا غنى عنها في بناء حضارتنا وإرثها العريق.
و لقاءنا اليوم في ثالث أيام رمضان 1446 هجريًا.. 3 مارس 2025 ميلاديًا مع فاطمة الزهراء «البتول»
الميلاد والزوج
السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشية سيدة نساء الأمة، وسيدة نساء أهل الجنة بعد السيدة مريم ، والدة سيدنا عيسى عليه السلام، وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية سيدة سيدات بيت النبوة.
ولدت «فَاطِمَةُ» الزهراء -رضي الله عنها- سنة إحدى وأربعين من مولد النبي، و تزوجت من الصحابي الجليل علي بن أبي طالب بعد وقعة أُحد، وكانت تُكنى أم الحسن وأم الحسين سيدا فتيان الجنة، وكان يطلق عليها أم أبيها.
فاطمة الزهراء «البتول»
ولقِّبت السيدة فاطمة بالزهراء وهناك في ذلك قول يعني لأنها كانت بيضاء اللون مشربة بحمرة زهرية، إذ كانت العرب تسمي الأبيض المشرب بالحمرة بالأزهر ومؤنثه الزهراء، و هناك من يقول أن رسول الله هو من سماها بـ «الزهراء» لأنها كانت تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، وذلك لزهدها وورعها و اجتهادها في العبادة، وفي ذلك ينقل بعض المحدثين وأصحاب السير عنها عباداتٍ وأدعيةً وأورادًا خاصة انفردت بها، مثل: تسبيح الزهراء، ودعاء الزهراء وصلاة الزهراء وغير ذلك.
و لقبت السيدة «فَاطِمَةُ» بــ «البتول» و تعددت الأقوال حول هذة التسمية، فقيل لأنها كانت متبتلة لعبادة الله، وقيل لأنها لم يصبها الحيض والنفاس قط.
كانت «فَاطِمَةُ»-رضي الله عنها- أصغر بنات رسول الله ؛ إذ كانت زينب الأولى، ثم الثانية رقية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة الزهراء، وانقطع نسل رسول الله إلا منها؛ فإن الذكور من أولاده ماتوا صغارًا، وأما البنات فإن رقية -رضي الله عنها- ولدت عبد الله بن عثمان فتوفي صغيرًا، وأما أم كلثوم -رضي الله عنها- فلم تلد، وأما زينب -رضي الله عنها- فولدت عليًّا فمات صبيًّا، وولدت أمامة بنت أبي العاص فتزوجها عليّ ، ثم بعده المغيرة بن نوفل ، قال الزبير: انقرض عقب زينب.
مكانة عظيمة لـ فاطمة الزهراء
وللسيدة فاطمة الزهراء مكانة عظيمة في قلب أبيها رسول الله،و كانت أحب النساء إلى رسول الله كما أن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، ابن عم الرسول وزوج السيدة «فَاطِمَةُ» كان أحب الرجال إليه، فيما رُوي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حين سُئلت: «أَيُّ النَّاسِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ »؟ قَالَتْ: «فَاطِمَةُ»، فَقِيلَ:«مِنَ الرِّجَالِ؟» قَالَتْ: « زَوْجُهَا » رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعرف عن السيدة «فَاطِمَةُ» أنها من أحب الناس إلى الرسول وهي بنت مَن رزقه الله حبها السيدة خديجة رضي الله عنها، وكانت أشبه الناس بها، فلما ماتت كانت تقوم مقام أمها في تخفيف الآلام والأحزان عنه ، وتساعده في شئون حياته ومعيشته، حتى بعد زواجه وزواجها رضي الله عنها ، وكانت «فَاطِمَةُ» تستعين بأبيها الرسول وتستشيره في قضاء حوائجها، لعلمها بأنه سيخفف عنها ويدلها على الخير.
ولقد كانت «فَاطِمَةُ» رضي الله عنها شديدة التعلق بأبيها والحب له، وفي حديث ابن أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُثَنِّي بِفَاطِمَةَ ثُمَّ يَأْتِي أَزْوَاجَهُ، فَقَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ فَتَلَقَّتْهُ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَجَعَلَتْ تَلْثِمُ فَاهُ وَعَيْنَيْهِ وَتَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟» فَقَالَتْ: «أَرَاكَ شَعِثًا نَصِبًا قَدْ اِخْلَوْلَقَتْ ثِيَابُكَ »، فَقَالَ: لَهَا «لَا تَبْكِي، فَإِنَّ اللهَ قَد بَعَثَ أَبَاكِ بِأَمْرٍ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَيْتٌ وَلَا مَدَرٌ وَلَا حَجَرٌ وَلَا وَبَرٌ وَلَا شَعَرٌ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ بِهِ عِزًّا أَو ذُلًّا حَتَّى يَبْلُغَ حَيْثُ بَلَغَ اللَّيْلُ» رواه الطبراني في « المعجم الكبير» .
سمات فاطمة الزهراء
ومن ملامح شخصية فاطمة الزهراء أنها كانت الأصدق لهجة والأشد حياء ،ويُروى عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت إذا ذُكرت فاطمة بنت النبي ، قالت: "ما رأيت أحدًا كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها » .
والسيدة فاطمة الزهراء من خير نساء العالمين ويروى في في ذلك عن أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله «خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون».
وروت فاطمة الزهراء -رضي الله عنها ـ الكثير من الأحاديث عن أبيها رسول الله ومما روته- عن أبيها أنها قالت: «كان رسول الله إذا دخل المسجد قال: باسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: باسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك».
ماتت السيدة فاطمة الزهراء لثلاث ليالٍ خلون من شهر رمضان، في مثل هذا اليوم، وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها، وكانت أول أهل الرسول لحوقًا به، وصلى عليها زوجها علي بن أبي طالب بعد أن غسّلها هو وأسماء بنت عميس رضي الله عنها، وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلًا رضي الله عنها وعن نساء المسلمين جميعهن.