الأربعاء 16 ابريل 2025

مقالات

الإشارات في تقارير الوكالات

  • 13-4-2025 | 14:16
طباعة

تتفاعل عدة عوامل تؤثر في استقرار المالية العامة وتوازن النمو الاقتصادي، ويأتي ذلك في سياق تضارب موجات الضغط الناجمة عن أعباء إيرادات الفوائد والتزامات الدين التي تشكل ثقلا على الميزانية وعلى الرغم من وقت يشهد فيه النظام المالي هشاشة تجعلنا عرضة لتقلبات أسعار الفائدة وتدفقات التمويل العالمية جاءت تقارير وكالات التصنيف الائتماني بإشارات إيجابية حول قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية رغم توقعات توسع عجز الحساب الجاري وتصاعد معدلات التضخم والذي يخلق تحديات إضافية لا سيما في ظل تغيرات أسعار الوقود.
لكني أتوقف عند بعض الإشارات ومنها كون مصر من بين الدول ذات أعباء الفوائد العالية وأن الدين العام والخارجي يمثلان ضغطا دائما على المالية العامة وهنا يظهر الاعتماد بشكل كبير على استقرار أسعار الفائدة وتدفقات التمويل ما يضعنا تحت تأثير شديد للتقلبات المالية العالمية إشارة أخرى في تقارير تلك الوكالات وهي استعراض بيانات الاحتياطيات الأجنبية التي شهدت ارتفاعا خلال فترة محددة وهو ما يعكس الدعم القوي من شركاء مصر في دول الخليج وعمليات تدفقات غير مقيمين في سوق الدين المحلية وهذه من المؤشرات التي تعد إيجابية إذ تعطي صورة عن قدرة مصر على مواجهة الصدمات الخارجية وإن كانت هناك ضغوط لتحسين مراكز الدين أما توقعات توسع عجز الحساب الجاري والنمو التدريجي للعجز في السنوات المقبلة فتجري محاولة التخفيف من أثره عبر انتعاش جزئي في عجز الطاقة وتحقيق استثمارات أجنبية مباشرة أكبر وكان من اللافت أيضا مؤشرات التضخم المتذبذبة فقد سجلت مستويات متقلبة تتراوح بين 13.6% و33.4% مع توقعات بارتفاع التضخم مؤقتا تليها انخفاضات مع استقرار سعر الصرف وهي إشارة واضحة إلى حساسية الاقتصاد للتغيرات في أسعار الوقود والسياسات الداعمة له وتتجسد المخاطر الجيوسياسية والتي لا تزال تشكل تهديدا على عائدات قناة السويس والسياحة وهما من الركائز الأساسية للدخل القومي ما يشير إلى أن الاقتصاد معرض للمخاطر الإقليمية حيث قد يؤدي تصعيد الصراعات إلى تأثيرات سلبية تتجاوز الحدود المالية لتصل إلى الهيكل الاقتصادي العام.
إذن يمكن مواجهة تلك الإشارات وانعكاسها على حياة المواطن من خلال سلسلة من الإجراءات والسياسات المتكاملة على الأصعدة النقدي والمالي والهيكلي والاقتصادي الكلي فبتحسين مزيج الدين وتخفيض الكلفة جزءا رئيسيا من استراتيجيات إدارة الدين يمكن للحكومة التفاوض مع الدائنين لإعادة جدولة الديون أو تحويل الدين قصير الأجل إلى دين طويل الأجل مما يخفف الضغط المالي الدوري نتيجة سداد الفوائد وينبغي أيضا تقليل الاعتماد على مصادر التمويل الخارجية عن طريق تنمية سوق التمويل المحلية وإصدار أدوات دين جديدة بأسعار فائدة مناسبة تعكس السياسات النقدية الداخلية كما يمكن تعزيز التمويل البنكي الداخلي والاعتماد على أدوات التمويل الإسلامي التي قد تقدم حلولا بديلة ويتطلب الحد من أعباء الفوائد تحسين الكفاءة في النفقات الحكومية والإصلاح الإداري المستمر للمالية العامة يجب العمل على تحقيق توازن أكبر بين المصروفات والعائدات من خلال تقليص الإنفاق غير الضروري وتعزيز الإيرادات سواء عبر الضرائب أو الرسوم الجمركية دون التأثير سلبا على النمو الاقتصادي ولتقليص عجز الحساب الجاري من الضروري دعم القطاعات الإنتاجية وتنمية الصادرات خاصة تلك التي تمتلك ميزة تنافسية مع العمل على تشجيع الصناعات الداعمة في مجالات التصنيع والزراعة والخدمات ودعم تطوير القطاعات المرتبطة بطاقة الإنتاج المحلي كالطاقة المتجددة والغاز الطبيعي لتقليل الاعتماد على الواردات ويمكن للبنك المركزي التدخل عبر سياسات نقدية تهدف إلى خفض التضخم دون أن تؤثر سلبا على النمو ويتضمن ذلك ضبط سعر الفائدة بما يتناسب مع مستويات التضخم المتوقعة وبقاء سعر الصرف ضمن مستويات مستقرة نسبيا مع الاستفادة من الأدوات المالية المتاحة للحد من ارتفاع التضخم المؤقت.
إذن نحن محتاجون إلى اتباع سياسات متكاملة تجمع بين الإصلاحات المالية والنقدية وتقوية البنية التحتية الاقتصادية وتعزيز المناخ الاستثماري وتنويع مصادر الدخل لمواجهة المخاطر الخارجية وأن تحسين إدارة الدين وتطوير القدرات الإنتاجية وتوسيع القاعدة الاقتصادية بعيدا عن الاعتماد المفرط على مصادر التمويل الخارجية يعد أساسا لتحقيق استقرار أمني واستدامة للنمو بتنسيق حكومي فعالا مع القطاع الخاص لتحقيق تحول اقتصادي يتسم بالقوة والمرونة في مواجهة التقلبات.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة