في وقتٍ كانت فيه روسيا تبحث عن ذاتها بين الشرق والغرب، ظهر شاب من الشمال المتجمد، لا يحمل سوى فضوله، وعقلاً مشتعلًا، ليساهم في تغيير وجه الأمة إلى الأبد إنه ميخائيل فاسيليفيتش لومونوسوف، ابن صياد فقير من قرية نائية، أصبح أحد أعظم العقول في التاريخ الروسي.
بدايات متواضعة وعبقرية مبكرة
ولد لومونوسوف في 19 نوفمبر 1711 في قرية دينيسوفكا، شمال روسيا، لعائلة من الطبقة الكادحة، كان شغوفًا بالقراءة منذ طفولته، حتى أنه مشى مئات الكيلومترات إلى موسكو ليلتحق بالأكاديمية، متحديًا الفقر والبرد والقيود الطبقية.
ما إن وصل إلى موسكو حتى لفت الأنظار بذكائه واجتهاده، لينتقل لاحقًا إلى كييف وألمانيا، حيث درس العلوم والفلسفة، ثم عاد إلى روسيا مزودًا برؤية علمية وإنسانية جديدة.
رائد العلم الروسي
لم يكن لومونوسوف مجرد عالم، بل مؤسس النهضة العلمية الروسية، ساهم في تطوير علوم الكيمياء، الفيزياء، الفلك، الجيولوجيا، واللغويات، ويُعد أول من طرح نظرية حول الحفاظ على الكتلة قبل أن يُنسب ذلك لاحقًا إلى لافوازييه في الغرب.
كما صمّم أول مختبر كيميائي في روسيا، وكتب مؤلفات حول ظواهر طبيعية مثل الشفق القطبي، والموجات الصوتية، والبنية الذرية.
الشاعر والمُصلح
إلى جانب كونه عالِمًا، كان لومونوسوف شاعرًا لغويًا إصلاحيًا، ساهم في وضع قواعد جديدة للغة الروسية، ودمج بين العامية والفصحى لتقريب الأدب من الناس، كما كتب قصائد تمجد روسيا، وتدعو للعلم والتعليم والتنوير.
جامعة موسكو
في عام 1755، تحقق حلمه الكبير، وهو تأسيس جامعة موسكو، والتي ما زالت حتى اليوم تُعدّ من أهم المؤسسات الأكاديمية في العالم، وتحمل اسمه بفخر.
توفي ميخائيل لومونوسوف في 15 أبريل 1765، لكن أثره لم يمت، بقي رمزًا للعلم والنهضة والتحدي، ووجهًا ناصعًا لروسيا المستنيرة التي حلم بها في زمنٍ كانت الظلال فيه كثيرة.