جولة جديدة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن برنامج طهران النووي، من المرتقب عقدها يوم السبت المقبل، في سلطنة عمان، والتي ستعقد بعد إعلان المبعوث الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، عن ما وصفه بـ" وقف إيران برنامجها للتخصيب والتسليح النووي والقضاء عليه"، وهو ما رفضته إيران بشكل قاطع.
وأكد خبراء أن هذه الجولة من المفاوضات تعد بمثابة الجولة الأولى، بعد اللقاءات التحضيرية التي عقدت السبت الماضي في عان، موضحين أن الوصول لاتفاق يرتبط بمدى قبول الطرفين لفكرة تمسك إيران ببرنامجها النووي مع الموافقة على تقليل نسبة التخصيب.
تصريحات أمريكية إيرانية
وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في تصريحات صحفية، الأربعاء: "من المؤكد أن تخصيب إيران لليورانيوم قضية حقيقية ومقبولة وصادقة، ونحن مستعدون لبناء الثقة بشأن المخاوف المحتملة، ولكن مبدأ موضوع التخصيب غير قابل للتفاوض"، مضيفا: "سمعنا خلال هذه الفترة مواقف متضاربة ومتناقضة، وتحدث ويتكوف عن عدة نماذج حتى الآن وستظهر طاولة المفاوضات المواقف الحقيقية".
ويقود ويتكوف الوفد الأمريكي في المفاوضات، وكان في تصريحات سابقة قال إنه لا ينبغي لإيران أن تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 3.67% لتشغيل برنامج نووي مدني، مُبديًا قبوله بأن إيران ستحافظ على برنامجها النووي، لكنه عاد عبر منصة إكس، لينشر تغريدات تؤكد ضرورة وقف إيران برنامجها للتخصيب والتسليح النووي والقضاء عليه".
سيناريوهات المفاوضات
أكد الدكتور محمد عباس ناجي، خبير الشؤون الإيرانية، أن المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي لطهران تستهدف الوصول إلى صفقة مشتركة، ما زالت في مرحلة "جس النبض"، حيث ستستمر الجولة الثانية السبت المقبل، مشيرًا إلى أن السياسة الأمريكية حتى الآن لم تتضح بشكل كامل فيما يتعلق بهدفها النهائي من هذه المحادثات، وهل تسعى واشنطن إلى تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني على غرار النموذج الليبي، أو الاكتفاء بتخفيض نسبة التخصيب من 60% إلى 3.67%.
وأوضح في تصريح لبوابة دار الهلال"، أن هناك رغبة أمريكية في إخراج كميات اليورانيوم المخصب لدى طهران– والتي تقدر بأكثر من 8 أطنان – إلى خارج إيران كنوع من الضمانات لعدم قدرة إيران على إنتاج القنبلة النووية، مضيفا أن هذه كلها تكهنات بشأن سيناريوهات المفاوضات، لكن حتى الآن لم تتضح مآلات الأمر، لأنه في حالة اقتراح تفكيك البرنامج من المستبعد أن توافق إيران على الأمر.
وأضاف أنه في حالة فشل المفاوضات، قد تكون هناك سيناريوهات مختلفة مثل التصعيد العسكري وفرض العقوبات على إيران وتنفيذ عمليات تستهدف المنشآت النووية، موضحا أن تصريح المبعوث الأمريكي لإيران بشأن ضرورة "وقف التخصيب تمامًا"، هو أمر لن توافق عليه إيران، وفي المقابل قد تقبل باتفاق يضمن استمرار التخصيب بنسبة 3.67%، بما يضمن عدم تفكيك البرنامج وتقديم ضمانات فنية بشأن المخاوف الأمريكية.
وأشار إلى أن الجولة المقبلة هي الأساس والتي ستكشف النوايا ومدى التقدم، لأن الجولة الأولى كانت بمثابة جولة تحضيرية لتبادل الرسائل، مضيفا أن التصريحات الأخيرة التي تتحدث عن احتمالية تدخل إسرائيلي أو تهديدات عسكرية لإيران قد تكون جزءًا من حرب نفسية للضغط على طهران.
ولفت إلى أنه في حالة عدم الاتفاق في المفاوضات – وهو احتمال قائم- سيكون هناك تصعيدًا، وحتى في حالة الشعور بأي مماطلة من قبل طهران، ستبدأ عمليات الضغط، وهو ما يشمل احتمال تنفيذ عمليات تستهدف المنشآت النووية الإيرانية أو تعطيل صادرات النفط الإيراني في البحر.
وأوضح أنه يصعب التكهن بأي سيناريوهات للمفاوضات من حيث نجاحها أو فشلها، فهناك تغيرًا ملحوظًا في لهجة الخطاب الأمريكي، فبينما كانت المحادثات في عُمان تتسم بالهدوء والانفتاح، فإن التصريحات الأخيرة تشير إلى تصعيد محتمل ورفع سقف المطالب، ما يعكس وجود تيارات داخل الإدارة الأمريكية تضغط باتجاه تشديد الموقف.
وأكد أن كلما زاد الضغوط على الإدارة الأمريكية، ستزداد شدتها في التعامل مع المفاوضات وبالتالي يصعب الوصول إلى اتفاق، موضحا أن الموقف لا يزال في مرحلة شد وجذب، ولا يمكن الجزم باتجاه الأمور حتى الآن، والجولات المقبلة من المفاوضات ستكون حاسمة في تحديد المسار النهائي.
إيران ترفض تفكيك برنامجها
فيما قالت الدكتورة هدى رؤوف، مدير وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن المفاوضات الأمريكية الإيرانية تستهدف الوصول إلى اتفاق بموجبه وضع إيران برنامجها النووي تحت الرقابة والإشراف الدولي، وأن تتوقف أو تبطئ من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% إلى النسبة المتفق عليها في الاتفاق النووي السابق وهي 3.67%.
وأوضحت في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن واشنطن ربما تقترح تفكيك البرنامج النووي الإيراني كأقصى المطالب خلال مرحلة المفاوضات، لكن طهران لن تقبل بذلك ولن تتخلى عن برنامجها النووي بالكامل، مضيفة أن الجولة القادمة من المفاوضات ستركز على قضايا أساسية تتعلق بمستقبل المحادثات ككل، في ظل رغبة إيران باتفاق مؤقت، وفي المقابل تريد أمريكا اتفاق شامل ونهائي.
وأضافت أن جولات المفاوضات ونجاحها سيكشف مدى إمكانية الوصول إلى اتفاق، ففي حال تعثرها فهذا قد يؤدي إلى تصاعد التوتر مجددًا في المنطقة، موضحة أن تل أبيب تبدي دائمًا تحفظًا شديدًا تجاه أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران، خصوصًا إذا رأت أنه لا يُلبي كامل مطالبها الأمنية.
وأشارت إلى أن خلال المباحثات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، أعلن ترامب بشكل مفاجئ على محادثات مباشرة بين واشنطن وطهران، وأجبر نتنياهو على قبول فكرة الاتفاق، مضيفة أن أي اتفاق يحجم من قدرات إيران ويحجم من برنامجها النووي يضمن آليات صارمة للرقابة والتفتيش لضمان عدم قدرة إيران على تطويرها سيكون جيدًا لإسرائيل.