عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تعامله مع إيران من لغة التهديد والوعيد إلى لغة الحوار والدبلوماسية مع التلويح بالعصا، وذلك بعد تفضيله عقد مباحثات بشأن برنامجها النووي بدلاً من اللجوء إلى الحل العسكري، وهو ما قبلت به الدولة الآسيوية، مما يمثل انتصارًا لاستراتيجية الرجل الذي وصل إلى البيت الأبيض قبل نحو 100 يوم.
وفي أقل من 100 يوم، نجح الرئيس العائد إلى البيت الأبيض في إحداث نقلة نوعية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، مقارنة بعهد سلفه جو بايدن، حيث فضلت طهران في عهده مقاومة الضغوط الأمريكية على التفاوض على اتفاق جديد عوضًا عن الذي تنصل منه الرئيس دونالد ترامب في فترة رئاسته الأولى.
سياسة الضغط الأقصى
ما إن وصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إلا أنه أعاد إحياء سياسة "الضغط الأقصى على إيران" بهدف الدفع نحو إغلاق صناعة النفط التابعة لها، والدفع كذلك نحو انهيار اقتصادها المتعثر بالفعل، بما يجعل البلاد مفلسة، كما قال المسؤولون الأمريكيون.
وفي السابع من شهر مارس الماضي، قال الرئيس دونالد ترامب، إنه بعث رسالة إلى المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، يحث فيها بلاده على التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، غير أن طهران نفت من طرفها تلقي أي رسائل تتعلق بهذا الخصوص.
ورغم النفي الإيراني، تبين فيما بعد أن طهران تسلمت بالفعل رسالة من الرئيس الأمريكي بشأن التفاوض حول برنامجها النووي، الذي تريد الولايات المتحدة كبح جماحه في أسرع وقت ممكن، خاصة في ظل التقارير التي كانت تشير إلى أنه يشهد تسارعًا في تخصيب اليورانيوم، بدرجة نقاء تقترب من المستوى اللازم لصنع الأسلحة المدمرة.
وفي ردها على الرسالة التي تسلمها المرشد الأعلى من الرئيس دونالد ترامب، أكدت إيران أنها ترفض إجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي، غير أنها أبقت الباب مفتوحًا أمام إمكانية عقد مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن.
وعزت طهران ردها ذلك إلى سياسة الضغوط القصوى والتهديدات الأمريكية، حيث أكدت أنه طالما استمر هذا الوضع فلن تدخل في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة.
إيران ترضخ
وهكذا، وافقت إيران على عقد مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي بواسطة سلطنة عُمان، وذلك رغم أن الأولى أرادت عقد مفاوضات مباشرة.
وبينما أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، أن غايتها من وراء هذه المفاوضات تتمثل في عدم امتلاك إيران أسلحة نووية، قالت إيران إنها ستمنح المحادثات المقرر عقدها مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي "فرصة حقيقية".
القرار الإيراني بقبول المفاوضات، لم يرحم البلاد من العقوبات الأمريكية، حيث واصلت الولايات المتحدة تنفيذ سياسة الضغط الأقصى، ليس فقط لزيادة الحصار المفروض على إيران، بل لاعتقادها أن ذلك يزيد الضغط عليها في إطار المفاوضات.
وجراء أنها تعتقد أن إيران قد تستهلك المحادثات في إضاعة الوقت فقط لا أكثر، عززت الولايات المتحدة قواتها وأسطولها البحري في الشرق الأوسط تجهزًا لتوجيه ضربة عسكرية إلى طهران حال فشل مفاوضات البرنامج النووي.
ولتفادي حدوث ذلك، أصبح على إيران إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي في غضون شهرين، حيث إن هذه المدة هي التي حددها الرئيس الأمريكي لعدم تفعيل الخيار العسكري الذي لوح به في أكثر من مناسبة.
ورغم تلويحه بالخيار العسكري، فإنه أجل طلبًا لإسرائيل بمهاجة بعض المنشآت النووية الإيرانية، وذلك لصالح المفاوضات التي يجريها مع طهران للحد من برنامجها النووي.
مفاوضات الملف النووي الإيراني
في الـ12 من أبريل الحالي، احتضنت العاصمة العُمانية، مسقط، مفاوضات غير مباشرة بين البلدين، بشأن البرنامج النووي الإيراني، سادتها أجواء إيجابية خلافًا لما كان متوقع.
وكانت هذه المحادثات، هي الأعلى مستوى بين البلدين، منذ أن انسحب الرئيس دونالد ترامب من اتفاق البرنامج النووي الإيراني في عام 2018، أثناء فترة ولايته الأولى.
دامت هذه الجولة لأكثر من ساعتين ونصف، شهدت فيهما تبادلًا للآراء بين وزير الخارجية عباس عراقجي والمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وذلك من خلال وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي.
وفي المفاوضات، نقل الجانب الأمريكي إلى الجانب الإيراني رسالة الرئيس دونالد ترامب بحل مسألة البرنامج النووي عبر الحوار والدبلوماسية، كبادرة حسن نية من جانبه، في ظل تخوف طهران من ضغوط وتهديدات بلاده.
وحسب وزارة الخارجية العُمانية التي تقوم بدور الوساطة بين الطرفين، فإن هذه المفاوضات تسعى إلى ضمان خلو إيران بالكامل من الأسلحة النووية، ورفع العقوبات بالكامل عنها، وذلك مع الحفاظ على حقها في تطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية.
وفي الـ19 من أبريل الحالي، استضافت العاصمة الإيطالية، روما، الجولة الثانية من مفاوضات الملف النووي الإيراني بين البلدين استمرت فيها الأجواء الإيجابية، حيث شهدت توافقًا على استئناف المحادثات التقنية على مستوى الخبراء بين الجانبين.
وهو ما تم السبت الماضي، في العاصمة العُمانية، حيث عُقدت الجولة الثالثة من المحادثات غير المباشرة، وسط أجواء إيجابية على غرار الجولات السابقة، مما يعزز إمكانية إبرام اتفاق بين البلدين في هذا الخصوص في المدى القريب.
ومن جانبها، تؤكد الولايات المتحدة، أن المحادثات النووية مع إيران تمضي نحو طريق إبرام الاتفاق المرجو للحيلوله دون امتلاكها سلاحها نوويًا، وفي المقابل، تعرب الثانية عن ارتياحها للتقدم السريع في المفاوضات، حيث تؤكد أن المحادثات أصبحت الآن تناقش قضايا أكثر جدية.
هذا، وأكدت الخارجية العُمانية، أن المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، ستستمر الأسبوع المقبل باجتماع آخر رفيع المستوى، حيث تم تحديد السبت، الموافق الثالث من مايو موعدًا مبدئيًا لها.
وستعقد هذه الجولة، والتي ستكون الرابعة بين البلدين -كالعادة- بحضور وزير الخارجية الإيراني، والمبعوث الأمريكي، وبمرافقة الخبراء، حسب ما أوردته وكالة أنباء "إرنا" الرسمية.