لا تزال قاطرة التصعيد الإسرائيلي في الشرق الأوسط تواصل زحفها في المنطقة، مما يزيد من حدة التوترات على عدة جبهات، وينذر بانفجار وشيك قد يهدد أمن واستقرار المنطقة بكاملها، التي باتت على صفيح ساخن في ظل تصرفات الحكومة الإسرائيلية التي تتبنى نهجًا أكثر تطرفًا تجاه القضايا الإقليمية.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد مرعي، كبير الباحثين بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن التصعيد الإسرائيلي في سوريا، أو حتى عدم الانسحاب من جنوبي لبنان مع استمرار شن الضربات هناك من وقت إلى آخر، إلى جانب ما نشهده حاليًا من تصعيد في البحر الأحمر عبر شن هجمات ضد أهداف في اليمن، لا يشير إلا إلى أن إسرائيل أصبحت ما أسماه بـ"دولة مارقة" ذات سياسات "مزعزعة" للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأوضح "مرعي" في حديث لـ"دار الهلال" أن ذلك يؤكد شيئًا آخر، وهو أن استمرار العدوان والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو ما تسبب في كل هذا التوتر والتصعيد القائم في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنه إذا أُريد إخماد جبهة "الحوثيين" في اليمن أو عودة الملاحة مرة أخرى بشكل طبيعي إلى البحر الأحمر، فإن هذا مرتبط بشكل كبير بوقف الحرب في قطاع غزة والوصول إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس في هذا الخصوص.
وأضاف أن من الواضح أن إسرائيل ورئيس وزرائها المتطرف بنيامين نتنياهو لا يعبؤون بهذه الأمور، حيث يبدو أنهم ماضون في استراتيجيتهم التي تدفع نحو استمرار هذا التصعيد في المنطقة، بدليل القرار الذي اتخذه "الكابينت" بتوسيع العمليات العسكرية في غزة، رغم الأزمات الإنسانية التي تعاني منها، جراء الحصار الخناق الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية منذ أكثر من شهرين.
قوة مزعزعة للاستقرار
وفي غضون ذلك، أكد الخبير الاستراتيجي، أن إسرائيل أصبحت قوة "مزعزعة" للاستقرار الإقليمي، مشيرًا إلى أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يبدو أنه يواصل تقديم كل الدعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي واليمين المتطرف الذي يشاركه في الحكم.
وشدد على أن ذلك بالتأكيد يؤثر على مصالح الولايات المتحدة، كما أنه يؤثر على صورتها أمام أكثر من 400 مليون مواطن عربي.
وكشف أنه لا يرى الآن أن الأمور تتجه نحو الهدوء والاستقرار، رغم أن البعض يربط ذلك بالزيارة المقررة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، بدءًا من 13 مايو الجاري.
وأكمل أن البعض كان في ظنه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لوقف هذه الحرب أو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن حتى الآن يبدو أن هذا الأمر بعيد المنال، بل إن تصريحاته تظهر تأييده للتحركات الإسرائيلية بشأن قطاع غزة، بما فيها من تنفيذ عملية نزوح شاملة للفلسطينيين هناك، بزعم أن ذلك يخدم عملية إدخال المساعدات إلى الأهالي، دون أن تسيطر عليها حركة حماس.
وفي المقابل، يلفت إلى أن الأمم المتحدة ومنظمات دولية دانت ورفضت هذا الأمر، كما أن مصر أعلنت اليوم على لسان وزير الخارجية بدر عبد العاطي رفضها أي خطط إسرائيلية من شأنها توسيع الحرب على غزة، لأن توسيع هذه الحرب لن يجلب أي استقرار ولن يحقق أمن إسرائيل، بل سيكون له خطورة على حياة أسرى حركة حماس، كما أنه لن يؤدي إلى تهدئة الأوضاع في البحر الأحمر.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة منذ 15 مارس الماضي وسعت من هجماتها ضد "الحوثيين" في اليمن، ولم يتحقق لها حتى الآن ما أرادته، وهو "تحييد" هذه الجبهة، موضحًا أن الجميع بات متأكدًا أن وقف الحرب على غزة سينعكس بشكل إيجابي على تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط.
غزة بداية الحل
وفي توضيح لرأيه هذا، يؤكد مرعي، أن تهدئة الأوضاع في غزة سيكون لها تداعيات إيجابية على الأوضاع في البحر الأحمر، حيث ستُهدئها بحيث أنه لن يكون هناك تهديد للملاحة البحرية في البحر الأحمر، ولن تكون هناك ضربات متبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة و"الحوثيين" من جهة أخرى.
مشيرًا إلى أن وقف الحرب سيجعل الأنظار تتجه بشكل كبير إلى الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، التي تسعى إلى ترسيخ واقع "تقسيم" هناك حتى تحولها إلى "دويلات"، بحجة حماية الأقليات، لا سيما "الدروز".
وفيما يتعلق بلبنان، يقول إن إسرائيل لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، الذي جاء تحت مظلة أمريكية فرنسية، حيث إنها لم تنسحب من الأراضي اللبنانية كما هو متفق عليه، حيث لا زالت تسيطر على خمس نقاط جنوبي لبنان، إلى جانب أنها سجلت أكثر من 1000 انتهاك للاتفاق المعلن.
كذلك، سيتم التركيز بشكل أكبر على مسألة البرنامج النووي الإيراني والمفاوضات المعقودة بين واشنطن وطهران بهذا الخصوص، كما يضيف "مرعي"، الذي أشار إلى أن هناك تباينًا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي في هذا الموضوع، حيث إن الأخير يفضل المفاوضات للتوصل إلى اتفاق مع طهران يحقق مصالح الولايات المتحدة أكثر من الاتفاق الذي أُبرم في فترة حكم باراك أوباما تحديدًا عام 2015، بينما يريد الأول دفعه إلى تبني الخيار العسكري.
واختتم مؤكدًا أن المنطقة بشكل عام على صفيح ساخن، ومحور ذلك هي إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة.