أكد مساعد رئيس مجلس الوزراء رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الدكتور أسامة الجوهري حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، وما تلقيه من ظلال على عمل مراكز الفكر باعتبارها الجهات المنوط بها التفكير الاستراتيجي واقتراح السياسات الداعمة لصناع القرار.
جاء ذلك في كلمة مساعد رئيس الوزراء خلال فعاليات المؤتمر العلمي السنوي الثاني الذي ينظمه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، بالتعاون مع كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بعنوان "الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية في مصر: الطريق إلى نمو مستدام" في العاصمة الإدارية الجديدة، تحت رعاية رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وإشراف رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد سامي عبدالصادق، وذلك بحضور عدد كبير من المفكرين والخبراء والباحثين وأساتذة الجامعات والطلاب وممثلي الجهات التنفيذية والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية.
وشهد اليوم الأول للمؤتمر حلقة نقاشية بعنوان "دور مراكز الفكر في صياغة السياسات العامة ودعم مسيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر"، أدارها الدكتور أسامة الجوهري، بمشاركة الدكتور ماجد عثمان الرئيس التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، والدكتور أشرف العربي رئيس معهد التخطيط القومي وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري السابق، والدكتور أحمد عبدالله زايد مدير مكتبة الإسكندرية والدكتورة جيهان صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، كمتحدثين خلال هذه الجلسة.
وقال الجوهري "إن الهدف من هذه الحلقة النقاشية هو الوقوف على التحديات المشتركة التي تواجه مراكز الفكر المحلية، واستكشاف سبل تنسيق وتوحيد الجهود بما يخدم المصلحة الوطنية، كما تم طرح مجموعة من الأسئلة على الحضور؛ للاستفادة من خبراتهم العملية، سواء كرؤساء لمراكز فكر أو كقيادات وطنية كان لها دور بارز ومؤثر في دعم الاقتصاد المصري".
من جانبه..أعرب الرئيس التنفيذي للمركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) وزير الاتصالات الأسبق عن سعادته بالمشاركة في المؤتمر، مؤكدًا اعتزازه الكبير بالتواجد بين قامات متميزة تمثل لفيفًا متنوعًا من المجتمع، الأمر الذي يُعزز من ثراء النقاش وتكامل الرؤى داخل الفعالية.
وتناول الدور الحيوي الذي تقوم به مراكز الفكر، مشيرًا إلى أنها تضطلع بأدوار مختلفة، حيث تتعامل مع قضايا متشابكة، كما طرح تساؤلات مهمة حول طبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به مراكز الفكر، مثل: من يطرح رؤى بديلة للسياسات العامة التي تطبقها الحكومات؟ ومن يصيغ الرؤى المستقبلية سواء كانت كلية أم قطاعية؟ ومن يتقدم بأفكار غير تقليدية لحل مشكلات مزمنة طال أمدها؟.
وأشار إلى عوامل القوة التي تُمكّن مراكز الفكر من أداء دورها بكفاءة ومنها: التزامها بالشفافية والحيادية، قدرتها على استيعاب كافة الأفكار والتيارات ، وقدرتها على بناء شبكة واسعة من الشراكات محليًا ودوليًا، وتوظيف المعرفة في تحقيق النجاحات العملية.
ولفت إلى عدد من عوامل الضعف التي تعاني منها مراكز الفكر وعلى رأسها ضعف اقتناع بعض شرائح المجتمع بأهمية المنهجية العلمية كأساس لصنع القرار، وهو ما ينعكس سلبًا على تفاعل المجتمع مع مخرجات هذه المراكز.
وأوضح التحديات التي تواجه مراكز الفكر، والتي تتضمن الحاجة لتحقيق التوازن بين سرعة إنجاز الأعمال وجودة المحتوى العلمي، إضافة إلى صعوبة تحقيق استجابة سريعة من قِبل بعض الخبراء الأكاديميين خاصة في ظل تعقيد القضايا المطروحة، والتي غالبًا ما تكون قضايا مركبة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية وتشريعية وأمنية، بل وشعبوية تتعلق بالرأي العام، كما تعمل مراكز الفكر أحيانًا في بيئة تتسم بنقص الاهتمام ونقص البيانات، ما يعيق فاعلية التحليل وسرعة اتخاذ القرار.
وأكد أن من معايير النجاح الأساسية لمراكز الفكر هو قدرتها على طرح موضوعات جديدة لم يسبق لمتخذي القرار أن تناولوها من قبل، بجانب قدرتها على دمج العرض والطلب في التحليل والفهم وصياغة السياسات، وهو ما أشار إليه أيضًا الدكتور أسامة الجوهري، الذي اعتبر هذا الدمج من السمات الجوهرية في التفكير الاستراتيجي لمراكز الفكر.
وبدوره..أكد رئيس معهد التخطيط القومي وزير التخطيط السابق أهمية المؤتمر في ظل ما يمر به العالم من تحديات، لافتاً إلى أهمية دور مراكز الفكر، وضرورة تكاملها وتعاونها مع بعضها البعض وعلى رأسها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار؛ لخدمة صانع القرار نظرًا لما تمتلكه هذه المراكز من مخزون وتراكم معرفي وبحثي هائل، مستعرضًا عدد من الدراسات والتقارير التي يعدها معهد التخطيط القومي والمتعلقة بقضايا وقطاعات حيوية تدعم جهود الدولة التنموية.
وفيما يتعلق بالتحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المصري، قال "إن قضية الادخار المحلي تمثل عنصرًا أساسيًّا يجب التركيز عليه"، مطالبًا بضرورة العمل الجاد على تعزيز الصادرات المصرية، ورفع تنافسيتها في الأسواق العالمية باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لتحقيق توازن تجاري مستدام ودفع النمو الاقتصادي القائم على الإنتاج.
وتحدث عن أهمية الذاكرة المؤسسية التي يمتلكها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مؤكدًا أنها لا يجب أن تقتصر على جهة واحدة، بل يجب أن تتسع لتشمل كل مراكز الفكر في الدولة، واختتم كلمته بالتأكيد على ضرورة وضع آلية واضحة لمتابعة التوصيات التي تخرج عن هذا المؤتمر، مؤكدًا أن أي جهد فكري أو مؤسسي لا تُترجم مخرجاته إلى سياسات وإجراءات عملية، سيظل ناقص الأثر وقاصرًا عن بلوغ الأهداف المنشودة.
من جهته..طرح مدير مكتبة الإسكندرية - في بداية كلمته - تساؤلًا محوريًا حول الدور الذي تلعبه المؤسسات المعرفية في الواقع المعاصر، وما إذا كانت قادرة على التأثير في عملية صناعة السياسات العامة، خاصة في السياقات العربية والمصرية.
وقال "إن من أهم الإشكاليات التي تواجه هذا الدور، هي مدى وجود علاقات قوية ومنظمة بين مراكز الفكر وصنّاع القرار، وتساءل هل لدينا في المجتمعات العربية وفي مصر على وجه التحديد ما يمكن أن يُطلق عليه صناعة فكر مؤسسية تسهم بشكل مباشر في توجيه السياسات العامة؟ نعم توجد مراكز فكرية متعددة، لكن هل تمتلك هذه المراكز نموذجًا مؤسسيًا واضحًا لصناعة الفكر؟ وهل تتمكن البحوث التي تُنتجها من إثارة النقاشات العامة حول قضايا السياسات؟ هذا هو التحدي الحقيقي".
وأضاف "أن الدولة الرشيدة هي التي لا تنتظر الأزمات كي تتحرك، بل تسعى لإنتاج المعرفة والبحوث أثناء الأزمات وأيضًا قبلها، وذلك لاتخاذ قرارات رشيدة مبنية على بيانات وتحليلات علمية"، لافتًا إلى أن العديد من الدول الأوروبية الكبرى نشأت وتقدّمت بالاعتماد على بحوث علمية كتبت في فترات حرجة، كانت بمثابة الأساس في صياغة السياسات العامة وصناعة القرار.
من جانبها..قالت المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء إنه من الضروري أن تضطلع مراكز الفكر بدور فعَّال في تقديم وتنفيذ الأفكار الخارجة عن الأطر التقليدية، وتحديد أولويات الإصلاحات الهيكلية المطلوبة.
وأضافت أن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، قد قام بطرح العديد من الأفكار البناءة في هذا السياق، منها تمكين القطاع الخاص وتخارج الدولة من بعض القطاعات، وذلك من خلال إطلاق وثيقة سياسة ملكية الدولة، لتحديد القطاعات التي ستتخارج منها الدولة، وذلك بعد عقده العديد من الجلسات الحوارية وورش العمل والاستماع لآراء ووجهات نظر كافة الخبراء والمهتمين والمعنيين بهذا الشأن؛ بما يضمن التوافق على هذه الوثيقة قبل إطلاقها بشكل رسمي.
وأوضحت أن دور مراكز الفكر أساسي ومهم للغاية، إلا أن هناك تحديات تواجهها، مسلطة الضوء على قيام مركز المعلومات بإطلاق مؤشر لقياس أسعار السلع، وتحليل أسباب التضخم، لتقديم هذه المعلومات لصانع القرار، وهو ما يؤكد أهمية الدور الذي تلعبه هذه المراكز وأهميتها لدى صانع القرار.