في عملية وصفها الاحتلال الإسرائيلي بـ"السرية"، أعلنت تل أبيب عن استعادة الأرشيف الكامل للجاسوس إيلي كوهين، والذي يضم 2500 وثيقة استعادها الموساد الإسرائيلي من سوريا، تخص الجاسوس الذي أُعدم في ستينيات القرن الماضي، بالتزامن مع الذكرى الـ60 لإعدامه في دمشق، وتضم تلك الوثائق جوازات سفر الجاسوس ووصية أخيرة بخط يده ورسائل ومفاتيح شقته.
من هو إيلي كوهين؟
ولد إيلي كوهين في الإسكندرية عام 1924، حيث ولد لأسرة يهودية هاجرت إلى مصر من مدينة حلب السورية انضم كوهين، إلى الموساد في أوائل ستينيات القرن الماضي، حيث كان يتحدث اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وسافر إلى إسرائيل لحضور دورة تدريبية قصيرة في التجسس عام 1955، وعاد إلى مصر في العام التالي، لكن تم طُرده من مصر مع يهود صهاينة آخرين في أعقاب أزمة السويس والعدوان الثلاثي، فاستقر في إسرائيل عام 1957، وعمل مترجمًا ومحاسبًا قبل أن يجنده الموساد مرة أخرى عام 1960.
بعد إكمال المزيد من التدريب، أُرسل كوهين عام 1961 إلى بوينس آيرس في الأرجنتين، حيث انتحل صفة رجل أعمال سوري مغترب، وباستخدام الاسم المستعار كمال أمين ثابت، أقام كوهين علاقات عديدة مع الجالية السورية في الأرجنتين، وسرعان ما اكتسب ثقة كبار المسؤولين العاملين في السفارة السورية هناك، ومن بينهم الملحق العسكري السوري، أمين الحافظ، الذي شغل لاحقًا منصب رئيس سوريا.
وأبدى كوهين رغبته في العودة إلى سوريا بوضوح، وعندما انتقل إلى دمشق عام 1962، ساعدته علاقاته السورية في الوصول إلى أعلى دوائر السلطة في سوريا، وسرعان ما بدأ ينقل معلومات عن الخطط العسكرية السورية إلى إسرائيل، بعد أن تسلل إلى أعلى مستويات القيادة السياسية السورية، حيث اخترق أعلى رتب الجيش والحكومة السورية متنكراً في هيئة رجل أعمال سوري.
وبين عامي 1961 و1965، نقل كوهين أسراراً سورية إلى الحكومة الإسرائيلية في ما يُذكر بأنه إحدى أكثر عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية جرأةً وفعاليةً في تاريخ إسرائيل، ولعبت المعلومات الاستخباراتية التي حصل عليها على مدار أربع سنوات دورًا رئيسيًا في الحرب الإسرائيلية عام 1967، وخاصة في الاستيلاء على مرتفعات الجولان.
واكتسب كوهين ثقة الرئيس السوري حينها أمين الحافظ، وقيل إنه فكّر في تعيين كوهين نائبًا لوزير الدفاع كما عرض عليه منصب رئيس الوزراء، حيث تلقى كوهين إحاطات عسكرية سرية، ورافقه في جولات داخل التحصينات السورية في مرتفعات الجولان، وعلى الرغم من موهبة كوهين الكبيرة في التجسس، إلا أنه تجاهل تحذيرات مسؤوليه الإسرائيليين من إرسال رسائل لاسلكية بشكل متكرر أو دائمًا في نفس الوقت من اليوم، كان ذلك سببًا في سقوطه، فيما تعددت الروايات حول آلية اكتشافه.
ففي يناير 1965، رصدت المخابرات السورية إشارة الراديو الخاصة به وألقت القبض عليه أثناء إرساله رسالة، حيث استُجوب وأُدين في محاكمة عسكرية، وأُعدم شنقًا علنًا في ساحة المرجة بدمشق في 18 مايو 1965.
وثائق إيلي كوهين
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمس الأحد، عن استعادة حوالي 2500 وثيقة ومقتنيات شخصية تخص الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في عملية سرية نفذها الموساد، تُشكل مجتمعةً كامل أرشيف الاستخبارات السورية الخاص بإيلي كوهين، في عملية وصفها الاحتلال بـ"الإنجاز التاريخي"، بمساعدة وكالة استخبارات أجنبية
من بين وثائق إيلي كوهين، رسائل مكتوبة بخط اليد من كوهين إلى عائلته، وإثباتات على اتصالات بين الجاسوس الإسرائيلي ومسؤولين سوريين كبار، وصور التُقطت خلال سنوات عمله السري في سوريا، وجوازات سفر مزورة، كما ضمّت الوثائق مجموعة من متعلقاته الشخصية، بما في ذلك مفاتيح شقته في دمشق، والتي صادرتها المخابرات السورية عند اعتقاله.
كذلك ضمت الوثائق وصية كوهين الأصلية، التي صيغت قبل ساعات قليلة من إعدامه، بحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل"، كما عُثر على مذكرات مكتوبة بخط اليد جُمعت من منزله من قِبل المخابرات السورية، تضمنت مهامًا كُلّف بها من قِبل الموساد، مثل تعليمات بمراقبة هدف وجمع معلومات استخباراتية عن قواعد عسكرية سورية في القنيطرة.
كما تم العثور على الوثيقة الأصلية التي تُصدر حكمًا بإعدام كوهين، بالإضافة إلى رسالة تسمح للحاخام نسيم عندابو - رئيس الجالية اليهودية في دمشق آنذاك - بمرافقة كوهين في ساعاته الأخيرة.
كما عُثر على ملف برتقالي سميك، بعنوان "نادية كوهين"، يحتوي على سجلات مراقبة تتعقب أرملة كوهين وجهودها لتأمين تدخل دولي، بما في ذلك رسائل بعثتها إلى قادة العالم والرئيس السوري حينها تتوسل فيها لإطلاق سراحه.
لماذا الإصرار على إعادته؟
ومنذ إعدامه، يريد الاحتلال الإسرائيلي استعادة رفات الجاسوس، وعلى مدى عقود استمرت محاولات إسرائيل للحصول على كل معلومة عن إيلي كوهين في محاولة لكشف مصيره ومكان دفنه، وذلك نابع من اعتقاد وقناعة يهودية بضرورة جمع رفات الموتى اليهود ودفنهم فى أرض إسرائيل، لأسباب دينية وعقائدية، بحسب كتاب "التلمـود البعث والحساب والثواب والعقاب".
وقال نتنياهو، في بيان له، إن الوثائق "سيُعلّم الأجيال، ويعرب عن التزامنا الدؤوب بإعادة جميع مفقودينا وأسرانا ورهائننا" على حد زعمه.
ويأتي استرداد الوثائق بعد أسبوع من استعادة الموساد وجيش الاحتلال الإسرائيلي رفات الرقيب أول تسفي فيلدمان، الذي فُقد في معركة السلطان يعقوب خلال حرب لبنان الأولى عام 1982، وتم انتشال الجثة من سوريا في عملية خاصة، حيث ينشر الاحتلال قواته في تسعة مواقع داخل جنوب سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
وقال نتنياهو لأرملة كوهين، نادية كوهين، أمس: "نفذنا عملية خاصة من قبل الموساد، ومن قبل دولة إسرائيل، لاستعادة أرشيفه (إيلي كوهين)، الذي كان في خزائن المخابرات السورية لمدة 60 عامًا".
فيما أخبرت نادية كوهين نتنياهو أن أهم شيء هو استعادة جثمان كوهين، حيث قال نتنياهو إن إسرائيل تواصل العمل على تحديد مكان جثمان كوهين.
وحاولت الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة، عبر وسطاء، طلب رفات كوهين من السلطات السورية، إلا أن طلباتهم قوبلت بالرفض دائما، وفي صيف 2018، أعلن الاحتلال عن استعادة ساعة يد كوهين والتي كانت جزءاً من "هويته العربية الزائفة"، وذلك بفضل "عملية خاصّة نفّذها الموساد مع دولة أخرى، ويواصل الجهود لتحديد مكان دفنه وخاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا ديسمبر الماضي.
وحاول الاحتلال تمجيد شخصية ايلي كوهين كبطل قومي، حيث أنتج العديد من الأعمال عنه آخرها كان مسلسل The spy.