لا شك أن الجريمة تستمر وتتطور بتطور الظروف والوسائل ولا شك أن المجرم نفسه يسعى لاستغلا كل الظروف والامكانيات المتطورة لارتكاب جريمته، من خلال سلوكه الاجرامي لتحقيق الهدف منها ومع ما يشهده العالم من اضطرابات ومواجهات عسكرية وما نشهده من تهديدات للحدود أخطرها ما يحدث على حدود مصر الشرقية .
الأمر الذي يجعلنا نُسلط الضوء على بعض جرائم الحروب فهي لا فقط بما يحدث من انتهاك لقانون دولي في ساحات القتال، بل أن بعض تلك الجرائم تكون خارج ساحات القتال وتتجاوز أحيانا حدود الدول التي تمثل أطراف تلك الحرب نفسها وما قد يؤثر على الأوضاع الاقتصادية في مصر، وهو ما لا يغفله المشرع المصري في كل العصور ووضع ما يضمن ردع مرتكبيها لمعالجة الاثار الخطيرة المترتبة عليها .
وأحد أهم تلك الجرائم هي الاحتكار والتلاعب في الأسعار أو ما يسمى بأثرياء الحروب وهو ما تحقق عمليا ورأيناه رؤى العين في العصر الحديث أبان جائحة كرونا محليا أو ما حدث في حرب روسيا وأوكرانيا، فعلى الرغم من بعد المسافة وعدم تأثيرها بصورة مباشرة إلا أنها كان لها أثر اقتصادي على مصر نظرا لعدة أسباب أهمها أن روسيا تتحكم في ما يقارب ربع القمح على مستوى العالم وكون أوكرانيا هي رابع دولة عالميا في تصدير القمح الأمر الذي أثر على عدد من الدول حول العالم إما تأثير مباشر بشأن تنفيذ عقود التصدير أو بصورة غير مباشرة عن طريق ارتفاع الأسعار لقلة الكميات وزيادة مخاطر الشحن في مناطق الحرب وما حولها .
وهو ما تزامن مع استغلال من قبل بعض الكيانات الاقتصادية وموردي المواد الغذائية التي تأثرت بندرة بعض المواد الغذائية من السلع الاستراتيجية وهو ما أدى لارتفاع أسعارها لولا تدخل الدولة المصرية من خلال بعض المصانع التي تحرص قواتنا المسلحة من منطلق دورها الوطني على توفيرها لضبط السوق وضمان حفظ الأمن الغذائي لبعض السلع الاستراتيجية التي قد تؤثر على الامن القومي المصري .
والدولة المصرية كدولة قانون تتعامل بيد من حديد مع من يتربص بأمنها القومي وقد تصدت على مر العصور بالتشريعات لهذه الجرائم من خلال عدد من القوانين الرادعة للتصدي للغش والتدليس من خلال القانون رقم 41 لسنة 1941 والتموين رقم 95 لسنة 1945 والتسعير الجبري رقم 163 لسنة 1950 وقانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم 3 لسنة 2005 والتعديلات المتتالية عليهم وأهمها القانون رقم 15 لسنة 2019 بشأن تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 59 لسنة 1946 الخاص بشئون التموين وبعض أحكام قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 2005، لمواجهة التلاعب والسرقة والغش في مواد التموين المدعومة من الدولة أو نشر أو الادلاء ببيانات غير صحيحه عنها وهو ما جاء متسقاً مع الشرع الحنيف فيما يتعلق بالنهي عن الغش في بعض آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كقول المولى عز وجل ( وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)سورة هود .
وكما هو منسوب للإمام علي رضي الله عنه : أحقر الناس من ازدهرت أحوالهم يوم جاعت أوطانهم، وهم من يُطلق عليهم في العصر الحديث بـ " أغنياء أو أثرياء الحرب .
وهو الأمر الذي يدعوا لمكافحة وردع ضعاف النفوس ممن أصبحوا عبيد للمال نسو الله فأنساهم انفسهم، ومع تسارع الأحداث في الوقت الراهن فإن الدولة المصرية لديها من الأذرع ما يحقق الردع وتحقيق الاستقرار ومكافحة الجريمة بالطريقة التي تتناسب مع تطورها واستحداث السلوك الاجرامي لمرتكبيها .